ما الذي حمله الصفدي من دمشق إلى إسطنبول؟

2023.07.07 | 07:00 دمشق

ما الذي حمله الصفدي من دمشق إلى إسطنبول؟
+A
حجم الخط
-A

قبل أن نبحث في نتائج زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لسوريا ولقائه رأس النظام هناك يجب أن أوضح نقطة مهمة لدحض ما يروج مؤخراً عن وجود مبادرة عربية للحل في سوريا، لا توجد رؤية عربية موحدة للحل في سوريا فهناك دول ترفض التطبيع معه وتحفظت على عودته للجامعة وهناك دول طبعت وأعادت العلاقات معه وهناك دول أخرى لم تطبع لكنها وافقت على عودة مقعد الجامعة العربية له. وإذا بحثنا أكثر نجد أن التباينات والخلافات كبيرة حتى في صف الدول التي سعت لعودته للجامعة، الأردن يعتبر رأس حربة لتلك الدول التي سعت للتعامل مع الأسد كأمر واقع ثم لإعادة دمجه بالمنظومة الإقليمية والعربية، لكن الأردن بدوره تحفظ على السرعة والطريقة التي تمت بها عملية حضور رأس النظام للقمة العربية في جدة.

هذه الخطوة السعودية فاجأت وباغتت حلفاءها في هذا المسار، لأن مصر والأردن كانتا تريدان عودة تدريجية مشروطة تتماشى مع طرح خطوة بخطوة والتي كان الأردن بالمناسبة من أوائل الساعين له. أكثر ما يقلق الأردن هو موضوع المخدرات والأسلحة التي أغرق النظام بها الحدود بينه وبين الأردن، مخاوف الأردن مشروعة لأن النظام بدأ يتبع تكتيكا جديدا لتهريب الأسلحة والمخدرات عبر المسيرات وهذا تصعيد يقلق الأردن لأنه يضعه تحت تهديد كبير، لذا نجد أن الأردن يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مسار التطبيع العربي مع نظام الأسد لأجل أن لا يكون هذا التطبيع مجانيا كما أرادته السعودية، وبما أنه لا توجد رؤية عربية موحدة فمن الطبيعي أن لا تكون هناك مبادرة عربية كما يروج بعض الصحفيين وبعض المنصات التي تُمول من دول تريد العودة للملف السوري، لكن من باب الاستعراض وترويج أنها دول فاعلة ومؤثرة وعظمى! ولنتذكر هنا بداية هذا المسار والذي بدأه الأردن بمشروع اللاورقة وهل يمكن أن ينتج عن اللاورقة سوى اللاشيء.

الصفدي التقى رأس النظام ثم وزير خارجيته ومن حيثيات المؤتمر الصحفي بين الوزيرين يمكن لنا أن نعرف أن اللقاء كان متعثراً، ولم يحصل الوزير الأردني على شيء من النظام فخرج يتحدث عن ضرورة تطبيق القرار الأممي 2254 في قلب دمشق

ذهب الصفدي إلى دمشق وبجعبته تخبط عربي واضح تقوده السعودية ومتغيرات كثيرة سياسية وميدانية منها اعتذار أستانا عن استضافة الجولات المقبلة من المسار، وأيضاً عاد الحديث عن استئناف اجتماعات اللجنة الدستورية والتي ترفض روسيا حتى اليوم عقدها في جنيف، وتطرح عواصم بديلة، ميدانياً هناك ما يمكن أن نسميه جلبة تحدث هنا وهناك أي أقل من تحركات عسكرية واضحة لكنها مؤشر على شيء ما قادم، قاعدة التنف عاودت نشاطها بكثافة، وهناك تدريبات جرت بين قوات التحالف وجيش سوريا الحرة تبعتها تدريبات عسكرية روسية مع جيش وميلشيات النظام.

الصفدي التقى رأس النظام ثم وزير خارجيته ومن حيثيات المؤتمر الصحفي بين الوزيرين يمكن لنا أن نعرف أن اللقاء كان متعثراً، ولم يحصل الوزير الأردني على شيء من النظام فخرج يتحدث عن ضرورة تطبيق القرار الأممي 2254 في قلب دمشق، وهذا الحديث يغضب أركان النظام لأنهم يريدون طي هذه الصفحة للحديث عن مصالحات وحل سياسي على مقاسهم.

إسطنبول كانت المحطة الثانية للصفدي بعد دمشق، والتقى خلالها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أن يلتقي وزير الخارجية هاكان فيدان، بالتأكيد كان الملف السوري أهم الملفات التي نوقشت بين الرئيس التركي والوزير الأردني لأن الدولتين تتشاركان الحدود والمخاوف مع سوريا، وفيهما عدد كبير من اللاجئين، ومع ارتفاع النبرة التي تتحدث عن ضرورة تأمين عودة طوعية للاجئين بضمانات أممية ودولية من الطبيعي أن تنسق الدول المجاورة لسوريا مع بعضها لأجل أن يكون العمل على هذا الملف مجدياً.

كل هذه الجهود وهذا الحراك الدبلوماسي لأجل فتح ثغرة ولو صغيرة قابلها النظام بتصعيد الوضع عسكريا في ريف درعا بعد هجومه في الأيام الأخيرة على طفس

بالإضافة لملف اللاجئين وخطر المخدرات والإرهاب القادم من مناطق النظام هناك أيضاً عامل اقتصادي مشترك يجمع الأردن مع تركيا، فالدولتان لديهما مصلحة مشتركة بإعادة تشغيل الطرق الدولية في سوريا، وبحسب ما رشح عن اللقاء جرى الحديث عن هذا الأمر وهو مهم لتركيا لأجل أن تعود الصادرات التركية للتدفق نحوى الخليج عبر الأردن، ولأجل أن تعود تركيا بوابة أوروبا البرية للعالم العربي والخليج على وجه التحديد، والأردن يريد إنعاش اقتصاده والاستفادة من عبور البضائع ضمن أراضيه، كل هذه الجهود وهذا الحراك الدبلوماسي لأجل فتح ثغرة ولو صغيرة قابلها النظام بتصعيد الوضع عسكريا في ريف درعا بعد هجومه في الأيام الأخيرة على طفس، الهجوم الذي ينسف أي احتمال لعودة تشغيل الطرق الدولية لأن تشغيل الطرق وعودة الدورة الاقتصادية للعمل بحاجة إلى استقرار ميداني وتفاهمات مع كل القوى المسيطرة على الأرض، هذا الهجوم أيضا بمثابة رسالة رد من النظام على الأردن ومن خلفه الدول العربية المطبعة.

رسالة مفادها باختصار: لن أقدم لكم أي شيء ولا يمكن أن أسمح لكم بالحديث عن حل سياسي ضمن القرار 2254 أو أن أتفاوض مع المعارضة، ولن أتوقف عن إغراقكم بالمخدرات. هذه رسالته المباشرة الواضحة فهل من مُتّعظ!