ما إن تم الإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية يوم الإثنين، حتى تفجر جدل واسع في أوساط الثورة والمعارضة السورية حول هذا التطور، الذي رأى فيه القليلون خطوة إيجابية، بينما كانت وجهة نظر الأغلبية عكس ذلك.
يقدم أصحاب كل رأي ما يعتبرونه دليلاً على صحة رأيه، وهذا ما ظهر في المقالات والمداخلات التلفزيونية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، بينما كان يدور داخل الغرف المغلقة نقاش موازٍ، لا يقل سخونة عن الجدل العام، ويتركز حول الأسباب التي أدت بنا إلى الوصول لهذه النقطة.
لا يقدم المشاركون في هذه الحوارات، ومعظمهم من قادة العمل الثوري العسكري والسياسي، كثيرَ جديدٍ سوى بعض الشهادات عن أحداث وتفاصيل كانوا جزءاً منها أو مطلعين عليها، إلا أنها في النهاية لا تشكل فارقاً يمكن أن يجعلنا نعيد النظر في تقييم أسباب هزائمنا.
وكالعادة في هذه النقاشات، يظهر مستوى كبير من اليأس والاستسلام، ونادراً ما يتطرق المشاركون إلى المستقبل وكيف يمكن مواجهة هذا الواقع البائس الذي حشرنا فيه، وهو ما تكرر بعد الإعلان عن اللجنة الدستورية !
وعلى أهمية وضرورة بعض الشهادات، إلا أنها طالما بقيت في سياقها الروتيني هذا، فإن شيئاً مفيداً لا يمكن أن ينتظر منها، فقد بات الجميع يدرك ومنذ سقوط حلب وتثبيت مساري سوتشي وأستانا، أننا فقدنا تقريباً كل الأوراق التي كانت تعتمد عليها الثورة عسكرياً وسياسياً، وقبل ذلك حتماً، أسهب الجميع في تفصيل الأسباب التي أدت إلى هذه الخسائر، إلا أنه نادراً ما يتم الحديث عن سبل علاج الأزمات أو التخفيف من آثارها.
لا يمكن بأي حال النظر إلى خطوة اللجنة الدستورية بإيجابية، وبغض النظر عما إذا كانت تمثل بداية إعادة الشرعية للنظام كما يرى المعترضون، أو أنها تمثل أول تنازل من هذا النظام كما يرى المتحمسون لها
لا يمكن بأي حال النظر إلى خطوة اللجنة الدستورية بإيجابية، وبغض النظر عما إذا كانت تمثل بداية إعادة الشرعية للنظام كما يرى المعترضون، أو أنها تمثل أول تنازل من هذا النظام كما يرى المتحمسون لها، إلا أنها في النهاية تعتبر قلباً لمسار جنيف وتفريغاً لمضمونه، والأهم أنها خطوة تقفز على محددات كان يجب أن تسبقها، وفي مقدمتها وقف العمليات العسكرية وإطلاق سراح المعتقلين، وتشكيل هيئة حكم انتقالي.
لكنها اليوم، ومثل كل الكوارث التي حلت بنا تباعاً، أصبحت اللجنة الدستورية أمراً واقعاً لا يمكن الهروب منه أو تجاهله، بل يفترض على القوى الرافضة مواجهته والإجابة بقوة عن سؤال الكثيرين: ما البديل.
لا يمكن بأي حال الاكتفاء بإظهار مخاطر هذا التطور على مصير الثورة والوطن، وإذا كان مهماً أن يكشف المتخصصون في القانون إشكالات الإعلان عن اللجنة من الناحية التقنية، وأن يشرح السياسيون مخاطر انطلاقها في هذا التوقيت ووفق هذه الآليات، فإن الأهم طبعاً هو التحول إلى الفعل وإظهار القدرة على المجابهة.
لماذا لا تتحول هذه اللحظة إلى فرصة من أجل إعادة تجميع قوى الثورة والشخصيات الوطنية في مشروع سياسي يستلهم هذا الرفض الشعبي ويستثمر حالة الغضب من فشل مؤسسات المعارضة التي تهيمن على قرار الثورة اليوم، بدل الاكتفاء بمهاجمة هذه المؤسسات وشتم القائمين عليها ؟!
يتذرع أغلبنا ومنذ ثلاث سنوات على الأقل أنه لم يعد هناك ما يمكن القيام به نظراً إلى خروج قرار السوريين من أيديهم وانتقاله بالكامل إلى أيدي الآخرين، وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا نلوم هيئة التفاوض التي يمكنها أن تردد نفس الذريعة إذاً، بل وتزاود على الجميع بأنها تحاول فعل شيء ما وسط كل هذه المصاعب ؟!
لم يعد مقبولاً الاكتفاء بالتباكي على رأس المريض مع الاستمرار بتركه ينزف، والشيء الوحيد الذي يمكن أن تقبله الحاضنة الشعبية هو مشروع إنقاذ واضح يقدم استراتيجية عامة ورؤية موضوعية يمكن أن تعتبر بديلاً حتى وإن كان بالحد الأدنى، لما هو سائد حالياً، وهذا ما أعتقد أنه ممكن جداً بالنظر إلى قيمة ووزن وأهمية الأشخاص، وحجم واتساع القاعدة الشعبية التي تتبنى هذا الموقف والتي تنتظر منذ ثلاث سنوات على الأقل من يستعيد زمام المبادرة ويقودها.