رصد موقع تلفزيون سوريا منذ بداية عام 2022 حتى الـ25 من نيسان الجاري، 20 عملية ثأر أو صدام عشائري في مناطق سيطرة النظام و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في مدن وبلدات مختلفة من محافظات دير الزور والرقة والحسكة، نتج عنها 20 قتيلا بينهم سيدة. وسُجّل في الفترة ذاتها وقوع نحو 15 جريحا على الأقل في 8 من حوادث الصدامات المسلحة على الأقل.
وتصدرت الحسكة قائمة المحافظات من حيث عدد القتلى بـ12 قتيلا، ثمانية منهم في القرى الخاضعة لسيطرة النظام على خلفية حادثتين سجلتا خلال الشهر الجاري، الأولى كانت اشتباكا مسلحا والثانية عملية ثأر، في حين قتل 5 في مناطق سيطرة "قسد" وأصيب نحو 10 في عمليات ثأر ومواجهات مسلحة على أساس عائلي وعشائري في مدن القامشلي وعامودا ومركدة والحسكة.
وجاءت دير الزور في المرتبة الثانية، حيث قتل 6 أشخاص بينهم سيدة أصيبت بطلقة نار عشوائية نتيجة اشتباك في بلدة الشحيل، ونتجت حالات القتل بالمجمل عن 4 حوادث.
أما في الرقة فسجلت حالتان، إحداهما كانت مباشرة بدعوة الثأر، في حين قتل شخص يعمل في السوق الشعبي بمدينة الرقة نتيجة اشتباك مسلح بين عائلتين في المدينة، كما أصيب أكثر من 5 في حوادث مشابهة بمناطق مختلفة تخضع لسيطرة "قسد".
جرائم بلا عقاب.. بسلاح النظام و"قسد"
مصدر قبلي من قبيلة "طيّئ" في القامشلي، يقول لـ موقع تلفزيون سوريا، إن هذه الجرائم انتشرت بشكل أكبر في الآونة الأخيرة نتيجة انتشار السلاح بشكل كبير جدا بين أهالي المنطقة، لافتا إلى أن أفراد العشائر يمتلكون بطبيعة الحال أسلحتهم الخاصة، لكن "في السابق كانوا يخبئونها" أما اليوم فهم يحملونها أينما ذهبوا بحكم أن "قسد" وميليشيا "الدفاع الوطني" استقطبا المئات منهم.
ويوضح المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن السلاح الذي استخدم في قرية أبو ذويل بريف القامشلي هو سلاح النظام، و"مثل ذلك تماما يحدث في مناطق سيطرة (قسد)".
ويشير إلى أن الجرائم عادة تبقى بلا عقاب من قبل القوى المسيطرة، ما يعني بقاء "جرائم الثأر مفتوحة" لأن المجرمين إما أن يكونوا منخرطين بالميليشيات، أو يفرون إلى خارج المنطقة التي ارتكبوا فيها جرائمهم ولذا يفلتون من العقاب عبر الهرب مثلا من مناطق النظام إلى "قسد" أو العكس، ما يحتم على عائلات القتلى محاولة "أخذ حقهم بأيديهم".
ظاهرة ناتجة عن الحرب
يرى سقراط العلو وهو باحث مستقل ينحدر من دير الزور، أن الثأر بوصفه عنفا جماعيا، يُعد ظاهرة ناتجة عن الحرب الدائرة منذ 11 عاما، ويوضح في حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا، أن "هذا النوع من العنف ناتج عن الآثار النفسية والاقتصادية للحرب، إضافة إلى انتشار السلاح وغياب السيطرة الأمنية والقضاء. كما أن التفكك الاجتماعي الناتج عن التهجير والموت والاعتقال، والذي انعكس على المجتمع بدءا من الأسرة الصغيرة أدى إلى غياب عامل الضبط الاجتماعي لسلوك الأفراد".
ويشير إلى أنه "في حالة المجتمعات العشائرية في شرقي سوريا، تظهر العوامل السابقة بشكل أوضح نتيجة لما مرت به المنطقة من صراع بين قوى مختلفة يمكن اعتبارها الأكثر دموية وتدميرا، ولذا كانت آثارها النفسية والاجتماعية والاقتصادية أعمق. يضاف إلى ذلك ضعف الدور التقليدي للعشيرة في حل النزاعات ومنع حلها بالعنف، وذلك نتيجة للتفكك الاجتماعي".
تراجع دور العشيرة وانقسام شيوخها
يلفت "العلو" إلى أن تراجع دور شيخ العشيرة نتيجة انقسام ولاءات المشيخة وتصدير جهات السيطرة لطبقة شيوخ عشائر جديدة لا يتمتعون بحظوة أو مكانة اجتماعية تؤهلهم لحل النزاعات. كما أن ضعف السيطرة الأمنية في المنطقة وانتشار الميليشيات التي جندت معظم أبنائها أسهم بشكل مباشر في تغذية العنف بغطاء من تلك الميليشيات في حالات عديدة، حيث تشعر العشيرة التي تملك أكبر عدد من أفرادها في ميليشيات النظام أو قسد بالقوة والقدرة على ممارسة العنف ضد عشائر أخرى من دون خشية العواقب أو المحاسبة، بحسب "العلو".
ويشارك مصدر قبلي من القامشلي "العلو" رؤيته، قائلاً إن "العشيرة الواحدة يدير أمرها 3 شيوخ على الأقل، واحد في مناطق النظام وآخر في مناطق قسد وثالث في مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري، ولذا فشيخ قبيلة ما بمناطق قسد لا يستطيع التأثير في أفراد قبيلته بمناطق النظام، ما أضعف تأثير الشيوخ الاجتماعي التقليدي". ويستطرد بالقول لـ موقع تلفزيون سوريا إن "صناعة الشيوخ أصبحت رائجة، فقوات قسد حولت رئيس مجلسها العسكري في دير الزور أحمد الخبيل إلى (أمير عشيرة البكير) ومثله كثير".
وكانت تعاقبت بالسيطرة على مناطق شرق الفرات، فصائل الجيش الحر ثم "داعش" وحاليا "قسد" تسيطر على معظم هذه المناطق الشاسعة، في حين يسيطر الجيش الوطني السوري على مساحة تمتد بين رأس العين شمالي الحسكة وتل أبيض شمالي الرقة، يسيطر النظام على عشرات القرى في ريف القامشلي كما توسع بالقرى المحاذية لمنطقة العمليات التركية "نبع السلام" باتفاق مع "قسد" رعته روسيا بدءا من تشرين الأول 2019، إضافة إلى حضور إيراني خفي من خلال بعض الميليشيات المحسوبة على النظام.
وتدعم القوى السابقة مجالس عشائرية مختلفة توالي هذه القوى، فكل من تركيا و"قسد" والنظام يدعم مجلس قبائل وعشائر يواليه ويدعم سياساته.
"وبالتأكيد فإن جهات السيطرة في المنطقة سواء (قسد) أو النظام والميليشيات الإيرانية يوظفون العنف كأداة انتقامية من الأهالي من ناحية، وإضفاء نوع من الشرعية لوجودهم عبر خلق فوضى أمنية تُشعر الأهالي بحاجتهم إلى جهة مُسيطرة أيًا كانت حتى وإن كانت فاسدة" وفقا للعلو.