بعد مداولات كثيرة قرر الجانب البريطاني في العام 1916 دعم جهود الشريف حسين العسكرية (ضد الأتراك)، وكان هذا الدعم قد تباطأ فترةً من الزمن بسبب شعور بعض البريطانيين الذين كانوا يقودون الدفة في مصر بعدم الثقة في قوة الجيش الذي شكله الشريف، ونظروا إليه بعين الريبة والاستخفاف، رغم وجود مراسلات موقعة بين كل الأطراف تشير بوضوح إلى تخلي الشريف حسين عن الجانب التركي ووقوفه بصراحة مع البريطانيين، ورغم بدء المعارك الحقيقية على الأرض بين جيش الشريف وعلى رأسه ابناه، علي وفيصل، وبين القوات التي يقودها فخري باشا والي المدينة، ودار الجدال حول دعم جيش الشريف بشكل أساسي بين دائرة الاستخبارات البريطانية وعلى رأسها الجنرال غيلبرت كلايتن، وبين قيادة الجيوش البريطانية في مصر بقيادة الجنرال أرشيبالد موراي. أولت المخابرات البريطانية عناية خاصة ومركزة للجانب العربي وأسست دائرةً مهمتها متابعة الشؤون العربية ضمن الشبكة الكبيرة للاستخبارات البريطانية سمتها المكتب العربي، ولكن الجنرال موراي كان يستخف بالجانب العربي ولا يوليه الاهتمام الكافي ويرفض إمداده بالسلاح لعدم اقتناعه بالجدوى العسكرية لقوات الشريف، وحين استُبدِل موراي بالجنرال إدموند ألنبي اختلفت الأمور، فقد كان ألنبي مؤمنا بأن جيش الشريف يمكن أن يساعد الجيش البريطاني النظامي في معركته المقبلة على الجبهة المصرية. أول ما قامت به الجهات البريطانية للاطلاع على أحوال وتحركات جيش الشريف حسين ووضعيته القتالية وحجمه وفعاليته، هو إرسال لجنة مؤلفة من ثلاث شخصيات على رأسها المستر ستورس وهو سكرتير المفوضية البريطانية في مصر، وهو من قاد المفاوضات مع الشريف، وأشرف على المراسلات معه باسم مكماهون، أما الشخصان الآخران فهما الدكتور ديفيد جورج هوغارت وهو عالم آثار ومستشرق كان على رأس المكتب العربي في الاستخبارات البريطانية، والشخص الثاني كان إدوارد لورانس.
لورانس الشاب الذكي النشيط درس على نفقة الجامعة (أكسفورد) عام 1908، وأظهر ميلا إلى الآثار ما جعله يدرس اللغات كي يطّلع على المصادر بلغاتها الأصلية، فتخرج من الجامعة وهو يتقن الفرنسية واللاتينية واليونانية، وقد قدم أطروحة للتخرج مثيرة للاهتمام بعنوان "الفن المعماري الحربي عند الصليبيين في الشرق"، وليتعمق في دراسة المادة التي كتبها ويعاينها عن قرب سافر إلى سوريا، فبدأ في العام 1909 رحلة من بيروت بلغ طولها 1700 كيلومترا قطعها سيرا على الأقدام في مغامرة فريدة يقدم عليها شاب قاصدا العلم والتعلم وليس مغامرا يبحث عن الإثارة، كان لورنس خلال رحلته ينزل ضيفا على الأهالي ويبيت في بيوت الفلاحين والبدو، ويسير دون مترجم، وأتاح له تواصله المباشر مع الأهالي فرصة التقوي في اللغة كما منحه معرفة عميقة بعادات وتقاليد المنطقة وأساليب حياة أهلها، وعندما عاد كتب رسالته وقدمها فحصل على الدرجة الجامعية بمرتبة الشرف.
تعرف لورنس في الجامعة على المستشرق ريتشارد هوغارت الذي أعجب به وألحقه بالجامعة كمتدرب براتب شهري ولمدة أربع سنوات تتضمن تقديم دراسة عن حفريات مدينة جرابلس الواقعة على نهر الفرات في الشمال السوري، تلقى هذه المرة دروسا في اللغة العربية في بيروت لمدة ثلاثة أشهر، التحق به بعدها مديره وعرابه هوغارت وسافرا إلى جرابلس. تحول لورنس هناك إلى فرد "محلي" فقد أطلق شعر رأسه على طريقة البدو ولبس على طريقتهم وتبنى أساليب حياتهم. كانت فترة غنية تعمقت فيها معارف لورنس بالمنطقة وتشرب لغة أهلها وعاداتهم، ثم استدعي في أواخر عام 1913 للقيام بمهمة أخرى في منطقة عربية مجاورة هي سيناء. لم تكن الجامعة صاحبة الطلب هذه المرة بل كان اللورد هربرت كتشنر مندوب بريطانيا في مصر الذي طلب من لورنس أن يمسح سيناء برفقه خبراء آخرين، فعاد لورنس مرة أخرى إلى طريقته المفضلة وهي التسكع في المناطق العربية لكن برعاية مخابراتية هذه المرة، واستعاد طريقته في الحياة التي يحاكي فيها أسلوب عيش السكان المحليين، تجول لورنس في سيناء وتعرف على تفاصيلها الدقيقة وصولا إلى العقبة، ثم تحول إلى معان في الأردن ومنها عاد إلى جرابلس.
بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى 1914، بوساطة هوغارت تعين لورنس برتبة ملازم في الاستخبارات البريطانية شعبة رسم الخرائط، وبعد افتتاح المكتب العربي واشتعال الجبهات في الساحة العربية أصبحت الحاجة ماسة إلى خبراء في المنطقة العربية وخاصة سوريا، فوجد لورنس نفسه عضو استخبارات في المكتب العربي بعد خمس سنوات جال خلالها في سوريا والأردن وسيناء، وتعرف على تفاصيل مهمة جعلته في موقع الخبير بالفعل. تمكن من اللغة وتعرف على اللهجات وخالط الفلاحين وأنصاف البدو والبدو، وتعلم عاداتهم وأساليب حياتهم ولباسهم، وساعدته طبيعته القابلة للتأقلم في بناء ود بينه وبين أهل المنطقة من موقع الطالب الباحث عن المعرفة أولا ثم من موقع رجل الأمن الحريص على جمع المعلومات الهامة والتافهة ليكون لديه قاعدة بيانات تفيده في اتخاذ قرارات هامة تتعلق بالمنطقة، وقد كان توظيفه خلال فترة الحرب العالمية التي اشتعلت ووجد نفسه على تخومها، واسمه ضمن لجنة ستذهب إلى ميادين القتال، وأصبح في وسط الحرب وبين جموع عربية مسلحة تضم بدو وحضر ومدنيين وضباط هاربين وحفنة من الأشراف يبحثون عن كرسي للمُلك شرقي البحر المتوسط والحجاز.