icon
التغطية الحية

لمَ يربط أردوغان بين انضمام السويد للناتو وعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي؟

2023.07.11 | 15:11 دمشق

السويد تركيا
Middle East Eye - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

فتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مساراً جديداً للمفاوضات مع حلفائه الأوروبيين يوم الإثنين، وذلك عبر ربطه بشكل صريح وعلني وللمرة الأولى بين موافقته على انضمام السويد لحلف شمال الأطلسي ومحاولة تركيا منذ أمد بعيد الانضمام للاتحاد الأوروبي.

وفي مؤتمر صحفي متلفز أقيم قبل سفره إلى ليتوانيا لحضور قمة حلف شمال الأطلسي، تطرق أردوغان للحديث عن فكرة الانضمام للاتحاد الأوروبي، وهي خطوة جُمّدت لسنوات طويلة إثر تراجع العلاقات الدبلوماسية بين تركيا ودول الجوار.

في المؤتمر، قال أردوغان: "بداية افتحوا الطريق أمام انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، ومن ثم سنفتح المجال أمام انضمام السويد لحلف شمال الأطلسي، كما سبق أن فتحناه أمام فنلندا".

وفي مكالمة هاتفية أجراها مع الرئيس الأميركي جو بايدن يوم الأحد الماضي، تطرق أردوغان أيضاً للحديث عن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، إذ في نشرة صحفية صادرة عن الرئاسة التركية جاء الآتي: "بعدما ذكر الرئيس بأن تركيا ملتزمة بالصدق وبالمبادئ حيال انضمامها للاتحاد الأوروبي، قال الرئيس أردوغان إن تركيا ترغب بإحياء مسار انضمامها لهذا الاتحاد.. ومن خلال قمة فيلينيوس، تود أنقرة من الدول التي تقود الاتحاد الأوروبي ومن قيادة الاتحاد أن توجه رسالة دعم واضحة ومتينة لانضمام تركيا إلى الاتحاد".

خلال العام الفائت، وقعت تركيا والسويد وفنلندا على مذكرة تفاهم لتسوية عدد من القضايا التي تتصل بالإرهاب وحظر السلاح، إذ سارعت هاتان الدولتان الإسكندنافيتان، اللتان توصفان بأنهما دعامتان راسختان لعدم الانحياز في المنطقة، للانضمام لحلف شمال الأطلسي عقب الغزو الروسي لأوكرانيا.

وفي مطلع هذا العام، وافقت أنقرة على انضمام فنلندا لحلف شمال الأطلسي، لكنها أبقت موافقتها بخصوص السويد معلقة، متذرعة بسماح الأخيرة بقيام مظاهرات ضد تركيا وعمليات حرق للقرآن تكررت على يد ناشطين من اليمين المتطرف.

وفي مكالمته الهاتفية مع بايدن، ذكر أردوغان بأن السويد اتخذت بعض الإجراءات في الاتجاه الصحيح، وذلك بعد إدخالها لتعديلات على قانون مكافحة الإرهاب، شملت الحبس لمدة تصل إلى أربع سنوات لكل من يصدر بحقه حكم بسبب مشاركته في أي تنظيم متطرف عبر الترويج له أو دعمه أو ترسيخ أفكاره.

إلا أن مؤيدي حزب العمال الكردستاني برأي أردوغان ما يزالون يقيمون مظاهرات بكل حرية في ستوكهولم، وهذا بدوره يفرغ تلك الخطوات التي اتخذتها السويد من محتواها، بحسب ما ورد في النشرة الصحفية الصادرة عن الرئاسة التركية.

عملية مجمدة

في مطلع هذا العام، حاول بايدن أن يحصل على موافقة أردوغان عبر ربط قضية السويد بصفقات أجرتها أنقرة مع واشنطن لشراء طائرات إف-16 تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، غير أن أردوغان رفض يوم الأحد كل ذلك، وقال إنه من الخطأ ربط القضيتين ببعضهما أصلاً.

يذكر أن عملية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي جُمّدت بسبب الوصول إلى طريق مسدود في العديد من القضايا، وعلى رأسها الجدل حول توحيد قبرص والأفكار السلبية التي يحملها الغرب تجاه أردوغان.

ولهذا ترغب أنقرة اليوم بتحديث الاتحاد الجمركي وإسقاط التأشيرة عند سفر مواطنيها إلى الاتحاد الأوروبي، وقد كثر الحديث مؤخراً عن الخطوة الأخيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي في تركيا بسبب الرفض الاعتباطي لأي مواطن تركي يقدم للحصول على تأشيرة لدخول أي من الدول الأوروبية.

بيد أن الطلب الذي طلبه أردوغان من بايدن لم يأت عفو الخاطر، إذ ذكر شخص مطلع على القضية بأن وزير الخارجية التركية، هاكان فيدان، رفع بدوره الطلب نفسه حول انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي في مكالمه هاتفية أجراها مع نظيره الأميركي، أنطوني بلينكين، في عطلة نهاية الأسبوع.

وذكر المصدر بأن بايدن، خلال الحديث الهاتفي، فوجئ بشدة بما ذكره أردوغان حول إحياء فكرة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وقال بأنه كان له دور فعال أيام إدارة بيل كلينتون في الدفع نحو قبول انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، بيد أن الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض رفض التعليق على الموضوع.

من المعروف عن الداهية أردوغان في مجال التكتيك، إجراؤه تغييرات استراتيجية موسعة في سياسته الخارجية مع كل مرة ينتخب فيها من جديد.

حافظ أردوغان على علاقات ودية مع كل من أوكرانيا وروسيا منذ العام المنصرم، ولعب دور الوسيط بينهما، كما تفاوض على صفقة الحبوب بين الطرفين المتحاربين، وأبقى على صفقات بيع المسيرات والأسلحة مع كييف في الوقت الذي استقبل فيه مستثمرين وسياحاً من روسيا، ورحب بخطة موسكو لإنقاذ الاقتصاد التركي المتعثر عبر إنشائها لمحطة للطاقة النووية.

ولكن أردوغان أعلن يوم الجمعة الماضي بأنه يدعم انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي، إلى جانب توقيعه لصفقة أخرى لإنتاج المسيرات مع كييف، وهذا ما أثار حفيظة موسكو، كما أنه قرر إعادة بعض أسرى الحرب الأوكرانيين الذين استقبلتهم أنقرة ضمن الصفقة التي أبرمتها بين أوكرانيا وروسيا.

من جانبه، استنكر الكرملين على أردوغان إطلاقه لسراح هؤلاء الضباط، وبينهم قادة رفيعو المستوى وضباط لدى فرقة آزوف الأوكرانية، الذين غدوا أبطالاً بعد ذودهم عن مدينة ماريوبول، وأعلن بأن أنقرة قد خرقت بذلك شروط الاتفاق الذي يقضي بإبقاء ضباط آزوف في تركيا حتى نهاية النزاع.

لا نجاح ينتظر هذه الخطة

يرى بعضهم في دعم أردوغان لانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي مجرد محاولة لتخفيف الضغوط التي تخنقه بسبب رفضه انضمام السويد لهذا الحلف، ولكن ما هي الأسباب الحقيقية التي قد تدفع أردوغان لاتخاذ تلك الخطوة على الجبهة الأوروبية؟

تعاني تركيا اليوم من أزمة اقتصادية بسبب ارتفاع نسبة التضخم ونفاد الاحتياطي الأجنبي لديها، ولذلك يتوقع مصدر آخر بأن أردوغان ظن بأن الأموال الروسية لن تكفي لإخراجه من أزمته، ولهذا، ومن خلال تراجعه عن سياسته المالية المتحفظة، عين أردوغان خلال الشهر الماضي محمد شيمشك، وهو مصرفي سابق في سوق الأوراق المالية الأميركية وشخصية معروفة في الأسواق، فحمله حقيبة وزارة المالية، ويأمل هذا الرجل في أن يجري إصلاحات على الاقتصاد التركي إلى جانب تقليص نسبة التضخم، والحد من العجز في الميزانية وفي الميزان التجاري التركي.

غير أن أنقرة بحاجة لعودة المستثمرين الغربيين، وقد توجهت أولى زيارات شيمشك للإمارات وقطر بحثاً عن أي استثمارات أجنبية مباشرة، إلا أن أنقرة أدركت بأن تلك الاستثمارات العربية لن تكفي وحدها هي الأخرى.

ما بين عامي 2002-2013، ربط أردوغان السياسة الخارجية لتركيا وأوراقها الاعتمادية في مجال الديمقراطية بالاتحاد الأوروبي، إذ أجرى إصلاحات منح بموجبها مزيداً من الحقوق والحريات لعامة الناس في تركيا، تبعتها إصلاحات في المؤسسات زادت من ثقة المستثمرين بهذا البلد، وهذا ما أدى لتدفق مليارات الدولارات.

إلا أن هنالك احتمالا كبيرا لعدم نجاح ورقة الاتحاد الأوروبي هذه المرة، إذ يرى وولف بيكولي، وهو خبير بالشأن التركي منذ أمد بعيد، يعمل في القسم الاستشاري بشركة تينيو، بأن أنقرة لم تفهم على ما يبدو طريقة عمل الاتحاد الأوروبي، ويعلق على ذلك بقوله: "لابد أن يرحب المستثمرون بكل تأكيد باللهجة البناءة بنسبة أكبر تجاه الغرب والأقل صداماً معه، إلا أن ما تفعله تركيا بخصوص انضمام السويد لحلف شمال الأطلسي يعتبر إشارة مهمة".

وذكر بيكولي بأن الولايات المتحدة ليس لها نفوذ كبير على الشؤون الداخلية للاتحاد الأوروبي، ولم يكن لها أي نفوذ على تلك الشؤون في السابق حتى في ذروة قيادة إدارة كلينتون للعالم في تسعينيات القرن الماضي.

ويتابع الحديث عن الوضع بقوله: "إن الأجواء في العواصم الأوروبية، وعلى رأسها برلين وباريس، لا تتناسب مع حدوث أي تقدم مفيد في مجالات مثل تحديث الاتحاد الجمركي أو إلغاء التاشيرة، لذا من غير المحتمل لهذه الخطوة أن تفضي إلى شيء مهم، كما أن المستثمرين لم يعودوا يتطلعون لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي".

هذا ويعتقد بيكولي بأن أردوغان قد يلقي باللائمة على السويد بالنسبة لانضمامه للاتحاد الأوروبي، لكن هذا لن يجدي نفعاً حسب التوقعات.

المصدر: Middle East Eye