icon
التغطية الحية

لماذا يحتاج بوتين لفاغنر؟

2023.07.06 | 17:13 دمشق

كاريكاتور لبوتين وهو يلعب ببشار الأسد كبيدق بيده
كاريكاتور لبوتين وهو يلعب ببشار الأسد كبيدق بيده
The Spectator - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

سيندم فلاديمير بوتين كثيراً على اضطراره للإفصاح عن ارتباط الكرملين بمجموعة فاغنر في أعقاب المحاولة الفاشلة التي مني بها يفغيني بريغوجين للإطاحة بالمؤسسة العسكرية في روسيا، غير أن الإنكار قناع أساسي لدى محارب قديم مجنح الخيال مثل بوتين، إذ في الوقت الذي تصدرت فيه مجموعة من المرتزقة والسفاكين التابعين لمجموعة فاغنر الهجوم على مدينة باخموت الواقعة شرقي أوكرانيا في مطلع هذا العام، دحض الرئيس الروسي المزاعم التي تحدثت عن تورط بريغوجين في تلك العملية عندما خرج عبر التلفزيون النمساوي وقال عن بريغوجين: "إنه يعمل في مجال المطاعم، وهذه هي مهنته، إذ لديه مطعم في سان بطرسبرغ".

ولكن في الوقت الذي لا يرجح أحد فيه أن تسمح فاغنر لبوتين بمواصلة إنكار تورطه في مغامرات خارج حدود بلده، لا بد أن يرفض هذا الرجل التخلي عن طموحاته العالمية، أما بالنسبة لسلوكيات بريغوجين، فإن فاغنر تمنح بوتين ميزتين مهمتين بعيداً عن ساحات الوغى في أوكرانيا، الأولى النفوذ في النزاعات خارج روسيا والثانية تدفق عوائد مربحة عليه.

إن اعتماد بوتين على فاغنر قائم على شكوكه التي تدور حول عجزه عن الاعتماد على المؤسسة العسكرية الروسية في القيام بهذه المحاولة، وقد ظهرت تلك التحفظات للمرة الأولى خلال عام 2015 عندما قرر بوتين التدخل عسكرياً في الحرب السورية بهدف إبقاء الديكتاتور بشار الأسد في السلطة، ولحماية قاعدتين عسكريتين لموسكو في طرطوس واللاذقية. إذ في الوقت الذي كان فيه الجنرال فاليري جيراسيموف، قائد القوات المسلحة الروسية، على استعداد لدعم العملية، أصر على عدم تدخل القوات البرية الروسية في النزاع. ثم تم التوصل إلى تسوية تقضي بتقديم الجيش الروسي للقوة الجوية في حين يرسل مرتزقة فاغنر ليدعموا قوات النظام السوري في العمليات البرية. وقد ناسبت تلك الوصفة كلا الطرفين، بما أن أحداً في روسيا لم يكن مهتماً حقاً بتكبد مرتزقة فاغنر لخسائر جسيمة من عدمه.

أدى النجاح الذي حققه هذا النموذج القتالي في الحرب السورية إلى نشر قوات فاغنر في مناطق أخرى من الشرق الأوسط وأفريقيا ضمن المخطط الطموح لبوتين الذي يسعى لمد نفوذ روسيا في المنطقة. إذ في عام 2018 أُرسلت قوات فاغنر إلى ليبيا لتحارب إلى جانب الجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر في مساعيه لطرد الميليشيات الإسلامية المسيطرة على طرابلس. أتى بعد ذلك تدخل أكبر لفاغنر في مالي وفي جمهورية أفريقيا الوسطى، ومؤخراً في السودان، إذ يُعتقد بأن لفاغنر خمسة آلاف جندي مرتزق مرابطين في أفريقيا، معظمهم من الجنود الروس السابقين والمحكومين والأجانب.

 

 

رتب مشبوهة

ارتبط عدد من الضباط الروس الرفيعين ببريغوجين وأتباعه، إذ خلال التدخل الروسي في سوريا، تطوع ضباط كبار لدى فاغنر بشكل علني على أمل الحصول على مكافأة مجزية بعد خدمتهم. ولدى وصولهم إلى سوريا أصروا على الحصول على حصص في أهم القطاعات السورية، وانتشرت تلك الممارسات وتفشت لدرجة أن هيئة الأركان الروسية أصبحت ترى في تعيين الضابط بسوريا وسيلة لزيادة راتبه التقاعدي بعد العسكرية، وعن ذلك يحدثنا ضابط رفيع سابق فيقول: "عند وصول ضابط روسي جديد تجري عملية تفتيش دقيقة بحثاً عن البدل المالي الذي بوسع هذا الضابط التفاوض عليه مقابل إبقاء الأسد في السلطة".

تشير الوثائق التي تم الحصول عليها من المركز  الروسي لملفات التحقيق إلى أن سيرغي سوروفيكين، قائد القوات الروسية في سوريا المعروف باسم: "جنرال الهرمجدون" بسبب قصفه الوحشي للمدنيين السوريين، يحتل هو وما لا يقل عن 30 ضابطاً رفيعاً آخر مراتب عسكرية رفيعة لدى مجموعة فاغنر، وهذا ما يفسر الدعم الداخلي الذي حظي به بريغوجين في موسكو عندما بدأ عصيانه.

فاغنر في السودان

أما آخر الاكتشافات التي ظهرت خلال عمليات فاغنر في السودان فتشير إلى مدى ربحية هذا المشروع، فالتصعيد الأخير الذي ظهر في القتال الدائر بمدينة الخرطوم أتى نتيجة صراع على السلطة بين عبد الفتاح البرهان، الذي يدير شؤون البلد بحكم الأمر الواقع، وأمير الحرب السابق محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، والذي يسيطر على قوات الدعم السريع الرديفة. بيد أن هذا النزاع تعقد بسبب الظهور الخبيث لفاغنر، بما أن هذا التنظيم عقد اتفاقاً مع حميدتي مقابل إطلاق يده في مناجم الذهب بالسودان.

يعتبر السودان ثالث أكبر دولة أفريقية منتجة لهذا المعدن الثمين، وقد كشف تحقيق مفصل أجرته شبكة سي إن إن الأميركية خلال العام الفائت عن وصول ما لا يقل عن 16 طائرة لصالح فاغنر التي تورطت بتهريب الذهب خارج السودان. غير أن عوائد مبيعات الذهب كانت تحول لتمويل حرب بوتين على أوكرانيا، ومقابل ذلك، وبحسب ما كشفه مسؤولون أميركيون في مجال الاستخبارات، أخذت فاغنر تزود قوات الدعم السريع السودانية بصواريخ أرض-جو لتبقي على القتال مع الجيش السوداني، وهذا بدوره ما سيطيل أمد النزاع. ولذلك فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على فرع مجموعة فاغنر الذي يعمل في السودان.

بيد أن السودان ليس الدولة الوحيدة التي تسهم في تمويل حرب بوتين على أوكرانيا، إذ في مطلع هذا العام، ذكرت فيكتوريا نولاند، وكيلة الشؤون السياسية للدولة الأميركية أمام مجلس النواب بأن وصول فاغنر لمناجم الذهب في مالي وفي جمهورية أفريقيا الوسطى هو من يمول وبشكل مباشر العمليات العسكرية في أوكرانيا.

لذا فإن التحدي الذي يواجهه بوتين بعد طرده لبريغوجين هو كيف ستواصل فاغنر عملياتها العسكرية في الخارج مع تثبته في الوقت نفسه من عدم تحول هذا التنظيم إلى خطر يهدد الكرملين. ولهذا، صدرت أوامر لفيالق مرتزقة فاغنر التي تحارب في أوكرانيا حتى توحد الصفوف ضمن الجيش النظامي الروسي، كما رشحت تقارير تفيد بأن الجيش الروسي يرغب بالحد من أنشطة ميليشيات فاغنر خارج روسيا، إذ صدرت أوامر لقوات فاغنر في سوريا مثلاً تقضي بعودتها للقاعدة العسكرية الروسية في اللاذقية، في الوقت الذي اعتقلت فيه الشرطة العسكرية الروسية أفراداً من فاغنر يعملون في سوريا.

ولكن في الوقت الذي مايزال فيه الاقتصاد الروسي يعاني تحت وطأة العقوبات الغربية، قد يصبح المبلغ الذي يقدر بنحو 250 مليون دولار والذي حصلته فاغنر من خلال إمبراطورية الموارد الطبيعية التي تقوم على التنقيب عن النفط والغاز والماس والذهب، بين يدي الكرملين ويخلصه من ضائقته المالية.

المصدر: The Spectator