icon
التغطية الحية

لماذا يجب أن تقرأ رواية "صيف مع العدو" لـ شهلا العجيلي؟

2022.07.23 | 03:03 دمشق

عجيلي
فلاغلار لايف - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

أينما كنت تقضي فترة الصيف، اسمح لنفسك أن تنتقل إلى سوريا لتغرق في بحر الرواية التاريخية الآسرة: (صيف مع العدو) للكاتبة شهلا العجيلي.

بدأت الحرب السورية المدمرة في عام 2011، ومعها أصبحت سوريا محط اهتمام العالم. بيد أن مطالعة رواية سورية يعتبر طريقة للتعرف إلى تلك الحضارة العميقة والغنية، وعلى تاريخ تلك البلاد وأدبها بعيداً عن العناوين الرئيسية للأخبار والصحف.

وصلت هذه الرواية إلى نهائيات الجائزة الدولية للرواية العربية، والتي تعرف في بعض الأحيان باسم: جائزة البوكر العربي، كونها كتبت باللغة العربية، بيد شهلا العجيلي التي تعتبر من أبرز الكاتبات السوريات، وقد ترجمت تلك الرواية إلى الإنكليزية خلال العام الماضي.

مدينة الرقة

إن أسلوب العجيلي في السرد يستحضر أمامك مدينة الرقة، ابتداءً من ماضيها، حيث كانت مدينة ريفية تعود بداياتها إلى العشرينيات من القرن الماضي، ثم تعرج الكاتبة على المدينة خلال القرن العشرين، وما حدث بعد ذلك من احتلال للمدينة في عام 2017 على يد مقاتلي "تنظيم الدولة". وفي تلك الرواية يتعين على الشخصيتين الرئيسيتين مغادرة الرقة في نهاية الأمر، من أجل بدء حياة جديدة في ألمانيا.

 

Book cover showing women sitting at a table.

غلاف النسخة العربية للرواية

 

عبر تصوير دقيق ومحكم لثلاثة أجيال من عائلة واحدة عاشوا في تلك المدينة الواقعة شمالي سوريا، تجمع رواية صيف مع العدو الخيال التاريخي مع الرومانسية لتستكمل حكاية يرويها شخص ناضج بقصة الحب الأول. أما الشخصيات فتتحدى الصور النمطية الغربية حول المرأة العربية المسلمة، ومنها فكرة وجوب حمايتهن من الواقع المتسلط، وذلك عبر تصوير حياتهن المعقدة والمتنوعة والنشيطة.

تبدو مدينة الرقة أساسية في تلك القصة، لدرجة أن أحد النقاد وصفها بأنها شخصية في تلك الرواية.

دراما العائلة والحب الأول

يستحيل ألا يأسرنا ماضي الرقة، الذي نسج بكل عناية، ضمن مجتمعها ذي الاثنيات المتعددة، المليء بالنزاعات المحلية والدراما العائلية في تلك الرواية.

إذ في كل قصة ترويها الجدة ثمة أجيال أصغر منها يجلسون على كراسيهم بانتظار سماع فضيحة ما، أو علاقة غير شرعية، أو زواج فاشل بعد قصة حب، أو رحلة مثيرة خارج البلاد. إلا أن الجدة تترك جمهورها راغباً بسماع مزيد على الدوام وذلك عندما تنهض قبل أن تكمل جملتها لتحرك القهوة الموضوعة على النار، ما يزيد من أجواء التوتر في الرواية.

خلال الصيف الذي يتحدث عنه العنوان، أي في ثمانينيات القرن الماضي، كانت بطلة الرواية، لميس، تركب الخيل بالقرب من نهر الفرات، وتحيط بها البادية مترامية الأطراف، لتحلم بمستقبل لا يحلم به إلا كل فارس.

والخيل يعني أنه بوسعها تجاوز أمها، ولذلك توترت العلاقة بينهما، بعدما سافر والدها من سوريا، ولم يعد إليها أبداً. كرهت لميس عشق أمها الطفولي لأستاذ جامعي ألماني زائر، اسمه نيكولاس، وهو العدو المشار له في عنوان الرواية. ولذلك أخذت تلك الفتاة تتصرف وكأنها مرشد محلي لنيكولاس، لكنه رحل بعدما فرغ من أبحاثه. إلا أن لميساً وأمها استعانتا بنيكولاس فيما بعد ليجد لهما طريقة توصلهما إلى ألمانيا بعد سقوط مدينتهما الحبيبة.

ذكريات تعود من الرقة

بعد مرور عشر سنوات على حياة لميس في الرقة، في ظل سياسات الأسد الخانقة، شرعت برحلة طويلة من دمشق بصحبة صديق من أيام الجامعة، حيث كشفت لي زيارتي في صيف عام 1995 عن رقة تشبه ما وصفته لميس لعدوها الألماني.

ولكن عندما زرت الرقة في تسعينيات القرن الماضي، لم تكن لدي أدنى فكرة بأني سأقوم بعد أكثر من عشرين سنة بالتحدث عبر ميزة مكالمة الفيديو مع كاتبة سورية مشهورة تنتمي إلى تلك المدينة. فقد أجرت معي العجيلي مقابلة إلى حد ما قبل أن أترجم لها روايتها، ومن بين الأسئلة التي طرحتها علي: "هل زرت الرقة؟"

سررت يومها لأنه كان بوسعي أن أقول لها نعم، فقد زرت الرقة قبل زمن طويل من تعرف الناس خارج سوريا على تلك المدينة. وهكذا بدأت أستعد لترجمة تلك الرواية عبر استعادة ذكريات رحلتي إلى هناك من خلال التحدث إلى العجيلي، وعبر الفرجة على صوري القديمة فيها، واستعادة ذكرياتي في ذلك المكان.

ترجمة الرواية من العربية إلى الإنكليزية

في مقابلة أجريت معي حول عملية الترجمة، سألني المحاور السؤال نفسه. فالترجمة للكاتبات العربيات من العربية إلى الإنكليزية صعبة، وذلك لأن معظم الترجمات تغير في النص كثيراً لدرجة لا يمكن معها التعرف على النص الأصلي عند قراءة الترجمة.

وكما أوضح باحثون، فإن التوجه الكامل للكتاب يمكن أن يتغير مع الترجمة عند الخروج بعناوين جديدة، أو تحرير بعض المقاطع أو حذف شيء منها، أو عند تغيير صوت الراوي، أو أي شيء يمس الشخصيات.

إلا أنني تعاونت مع العجيلي على نقل تفاصيل النص بكل دقة، مع البحث عن مفردات تمنح النص الإنكليزي الجديد روحاً تشبه روح النص العربي الأصلي.

قمت في صيف عام 2019 بترجمة الرواية في أثناء إقامتي في قرية جبلية بلبنان قريبة من الحدود السورية، حيث كان بوسعي رؤية سوريا بكل وضوح في النهار. كنت أسمع في ذلك الصيف أصداء القنابل التي كانت تسقط على مناطق متفرقة في الجانب الآخر من ذلك الجبل.

ركزت في عملي على نقل التفاصيل والتعقيدات التي يحملها نص الرواية الأصلي، فشعرت بتوتر بين التصوير الجميل للماضي في تلك الرواية، وبين طريقة العجيلي في رسم شكل الحياة تحت حكم تنظيم الدولة بطريقة لاذعة، كما أحسست بالمعارك الضارية التي وقعت في الرقة، وتحسست طريق لميس في أثناء هربها إلى ألمانيا.

دروس في التعاطف

أحسست بأن تدمير الرقة بشكل كامل خلال الفترة الواقعة ما بين 2013-2017 وبأن أي مظهر من مظاهر الحياة في السابق بدا لي محسوساً وكأنه شيء من الواقع.

 

A sunset is seen against a building in a village

غلاف الرواية بعد ترجمتها للإنكليزية

 

ما يزال لبنان يحمل جراح الحرب الأهلية التي امتدت لفترة طويلة فيه (ما بين 1975-1990)، ولقد كان لأصداء القنابل التي سمعناها في ذلك الصيف في لبنان تأثير لا تخطئه العين على الترجمة، فالمفردات التي ينتقيها المترجم تتأثر بكل ما يحيط به على الدوام، بيد أن روايات العجيلي تقدم لنا "دروساً في التعاطف" كما ذكر أحد المحررين.

وهذه الرواية المفعمة بروح الدعابة والدراما والرومانسية و100 عام من التاريخ، تضع المرأة في الصدارة، وتنقل القارئ إلى ما تفكر به إحدى النساء بقلبها عند اقترابها من سن البلوغ وهي تعيش في سوريا، كما تحدثنا تلك الرواية عن الأفكار التي راودت تلك المرأة في الماضي والحاضر.

المصدر: فلاغلار لايف