تعيش المنطقة حالة من الحذر، مع ترقب لشكل الرد الذي توعدت به وزارة الخارجية الأميركية، ووصفته بأنه سيكون "متعدداً وعلى وقت ممتد"، رداً على مقتل 3 جنود من الجيش الأميركي وإصابة 40 آخرين، من جراء هجوم تعرضت له قاعدة داخل الأراضي الأردنية في 28 كانون الثاني الجاري، حيث حمل البيت الأبيض من وصفهم "ميليشيات تنشط في سوريا والعراق بدعم إيران" المسؤولية عن الهجوم.
ومع تحميل البيت الأبيض إيران المسؤولية عن الهجوم، والتسريبات الصادرة عن مسؤولين أميركيين تتحدث عن عقد اجتماعات لمجلس الأمن القومي لمناقشة خيارات الرد على الهجوم ضد القاعدة الأميركية، يبدو أن واشنطن تتجه فعلا لتنفيذ هجمات انتقامية لمقتل جنودها.
دوافع الهجوم الإيراني
لدى إيران دوافع متعددة دفعتها لتنفيذ هجوم على القوات الأميركية في الأردن، الأول رغبتها بتعزيز الردع الذي انهار إلى أدنى مستويات بعد اغتيال إسرائيل لمستشارين كبار في الحرس الثوري الإيراني على الأراضي السورية خلال الشهر الجاري وأواخر العام الماضي، أبرزهم رضي موسوي رفيق درب قاسم سليماني، والذي يمتلك خبرة في العمل على الأراضي السورية واللبنانية تصل إلى 30 عاماً.
بالإضافة إلى ما سبق، تعتقد إيران بأن رفع الكلفة البشرية على الجيش الأميركي المنتشر في المنطقة سيدفع واشنطن للتفكير جدياً بإعادة الانتشار أو الانسحاب خاصة من العراق الذي تنظر إليه طهران على أنه حديقة خلفية لها، ولذا عزز الحرس الثوري الإيراني من نشاطه خلال الأشهر الماضية على الحدود السورية العراقية الأردنية، لتصعيد الضغط بشكل أكبر على القواعد الأميركية المتمركزة في الأنبار العراقية والبادية السورية والقريبة من الحدود الأردنية.
ومنذ أشهر طويلة يمارس الحرس الثوري الإيراني ضغوطاً على الحكومة العراقية الحالية من أجل حصولها من الجانب الأميركي عبر المفاوضات على جدول زمني لانسحاب القوات من العراق، وتدعم هذه الجهود بضغوطات عسكرية من خلال هجمات تنفذها فصائل عراقية مدعومة من إيران على قواعد أميركية في إقليم شمالي العراق والحدود السورية العراقية.
وعلى الرغم من تفضيل إيران للساحة العراقية من أجل ممارسة الضغوطات على الجانب الأميركي، لكنها هذه المرة تجنبت مزيدا من التصعيد في تلك الساحة بسبب ارتفاع منسوب الخلافات بين القوى العراقية بما فيها الفصائل المنضوية ضمن الحشد الشعبي حول زيادة التصعيد مع الجيش الأميركي في العراق، حيث تعتقد بعض القوى بضرورة انتهاج الحوار بين بغداد وواشنطن بدلاً من التصعيد، مما دفع إيران لتنفيذ هجومها الأخير.
خيارات الرد الأميركية
تتداول أروقة صنع القرار الأميركية خيارات للرد على الهجوم الإيراني الأخيرة، ويوجد حالياً عدة اتجاهات، الاتجاه الأول يقوم على فكرة تشديد العقوبات على إيران والتضييق الكبير على مصالحها الاقتصادية والسياسية، واتجاه آخر يعتقد بأن يكون الرد عسكرياً ومؤثراً، إلى جانب اتجاه آخر يتبنى الرد المختلط الذي يمزج بين العقوبات والعمليات العسكرية.
على الأرجح تتجه إدارة بايدن لتنفيذ ضربات مؤثرة ضد قيادات في الحشد الشعبي العراقي، وستطول قيادات في الفصائل المتشددة ضد بقاء القوات الأميركية في العراق، إلى جانب تقويض قدرات الفصائل المدعومة إيرانياً والمتمركزة على الحدود السورية – العراقية.
كما أن القوات الأميركية ستستمر في تقديم الدعم اللوجستي للطائرات الإسرائيلية من أجل الاستمرار في عملياته ضد القوات التابعة للحرس الثوري الإيراني المنتشرة في سوريا.
وستتجنب واشنطن على الأغلب التصعيد في منطقة البحر الأحمر والخليج، وستكتفي في تلك المنطقة بعمليات وقائية هدفها تقويض قدرة جماعة الحوثي على تهديد الملاحة في البحر الأحمر، لأن واشنطن تراعي أيضاً رغبة حلفائها الخلجيين بعدم دفع المنطقة إلى مزيد من التصعيد.
ومهما كانت خيارات الرد الأميركية، فإن إدارة بايدن غالبا ستسعى لاستعادة صورتها داخلياً وخارجياً نظراً لاقتراب موعد الانتخابات، لكن دون انزلاق إلى سلسلة اشتباكات مباشرة مع إيران، التي لن تكون مجبرة هي بدورها على الرد على هجمات أميركية طالما أنها تستهدف وكلاء طهران فقط.