منذ أن فرض الغرب عقوبات اقتصادية قاسية على روسيا رداً على حربها ضد أوكرانيا، بدأ الرئيس فلاديمير بوتين يولي أهمية أكبر للشراكة مع إيران. إلى جانب خبرتها في التعايش مع عقود طويلة من العقوبات، والتي يسعى بوتين للاستفادة منها في سبيل بناء اقتصاد جديد قادرة على الصمود في زمن العزلة، فضلاً عن مكانتها كقوة رئيسية في أوراسيا، والشراكة الجيوسياسية التي تجمع البلدين في سوريا، يتطلّع بوتين إلى الاستفادة أيضاً من القدرات العسكرية لطهران لمساعدته في حرب أوكرانيا. في الأسابيع الأخيرة، استخدمت روسيا ما يُعتقد أنها طائرات بدون طيار إيرانية الصنع لاستهداف العاصمة كييف، وتزعم تقارير استخباراتية غربية أيضاً أن طهران أرسلت مستشارين عسكريين لمساعدة الروس على استخدام هذه الطائرات بشكل أكثر فعالية. على الرغم من أن الإيرانيين ينفون باستمرار المزاعم الأوكرانية والغربية، إلا أن هناك بعض الشواهد التي تؤكد مصداقية هذه المزاعم. تُشير مخلفات الطائرات التي اسُتخدمت في قصف كييف مؤخراً أنها إيرانية الصنع بالفعل.
الخطر الأكبر على إيران يكمن في تعريض المفاوضات النووية مع الغرب للانهيار إذا ما تم تأكيد تزويدها لروسيا بطائرات بدون طيار
نفي إيران تقديم الدعم العسكري لروسيا له ما يُبرره على الرغم من أنّه لا يُمكن إخفاؤه بسهولة. حرصت طهران منذ بداية الحرب على تجنب تأييد روسيا علناً، لكنّها دعمت المظالم التي قدّمها بوتين بخصوص توسع حلف شمال الأطلسي. من شأن التثبّت من صحّة هذا الدعم أن يُعرض إيران لمخاطر عقوبات من جانب الغرب ويُظهرها كدولة تقف إلى جانب بوتين في انتهاك ميثاق الأمم المتحدة وتعريض أمن أوروبا للخطر. يدرس الاتحاد الأوروبي بالفعل فرض عقوبات على إيران، لكنّه يسعى للحصول على دلائل ملموسة تؤكد هذا الدعم. من الناحية التقنية، لا يصعب التأكد من هذه المزاعم بالنظر إلى أن الولايات المتحدة والأوروبيين عادة ما يتبادلون التقارير الاستخباراتية بهذا الخصوص. الخطر الأكبر على إيران يكمن في تعريض المفاوضات النووية مع الغرب للانهيار إذا ما تم تأكيد تزويدها لروسيا بطائرات بدون طيار. تُعاني طهران من ضغوط اقتصادية غير مسبوقة بفعل العقوبات وتواجه أزمة احتجاجات مستمرة منذ أسابيع تقوض قوة النظام الحاكم. على الرغم من أن أزمة الطاقة التي يواجهها الغرب بفعل الحرب ساعدت إيران في تقوية موقفها، إلا أنها توثيق شراكتها مع موسكو في التعاون العسكري تُخاطر بضياع فرصة الخروج من العزلة التي تُعانيها.
تُظهر الميول الإيرانية المتزايدة نحو روسيا والصين خطأ الرهان الغربي على فرضية أن إخراج طهران من العزلة وإعادة إحياء الاتفاق النووي معها سيمنعانها من امتلاك سلاح نووي ويجعلانها شريكاً محتملاً للغرب في مجال الطاقة على وجه التحديد. رغم أن روسيا عرقلت في الأشهر الماضية نجاح المفاوضات النووية باشتراطها استثناء علاقاتها الاقتصادية مع إيران من العقوبات الغربية، إلا أن طهران لم تُبدي امتعاضاً علنياً إزاء موسكو. يكمن السبب في ذلك في أن النظام الإيراني يتشارك مع روسيا والصين في وجهة نظر مشتركة معادية للغرب وخاصة الولايات المتحدة. كما ينظر إلى انخراط روسيا في الصراع مع الغرب على أنه فرصة لبناء شراكة متوازنة مع موسكو. يرى القادة الإيرانيون أن روسيا الضعيفة مفيدة لإيران من حيث قدرتها على انتزاع مكاسب منها. لطالما كانت شراكة طهران مع موسكو تميل لمصلحة الأخيرة في مجال الاقتصاد والقضايا الجيوسياسية التي ينخرط بها البلدان كسوريا وجنوب القوقاز. تعمل إيران على تعزيز نفوذها في سوريا لملء الفراغ الناجم عن تراجع الدور الروسي. كما تتطلع إلى إعادة تحسين موقفها الجيوسياسي في جنوب القوقاز.
علاوة على ذلك، فإن الانخراط العسكري الإيراني غير المباشر في حرب أوكرانيا يُشير إلى تطلع قادة طهران إلى ممارسة قوة ونفوذ أكبر خارج الشرق الأوسط خاصة إذا كانت هناك فرصة لاستعداء الولايات المتحدة والغرب وإظهار أهمية طهران لموسكو. لكنّ هذا الانخراط يأتي الآن بعواقب أيضاً. من غير المُرجح أن يؤدي الدعم الإيراني لروسيا إلى تغيير ميزان القوى الاستراتيجي في الحرب. كما أن اتجاه الغرب إلى تزويد كييف بمنظومات دفاع جوي لمواجهة الطائرات المسيرة الإيرانية من شأنه أن يُضعف ميزة هذه الطائرات بالنسبة لروسيا ويحد من تأثيرها على ساحة المعركة. مع ذلك، فإن موسكو، التي استنزفت الحرب مخزونها من الأسلحة خصوصاً الصواريخ الدقيقة وتواجه صعوبة في إعادة بناء هذا المخزون بفعل العقوبات الغربية المفروضة على صناعتها الدفاعية، تتطلع إلى الحصول على المزيد من الطائرات المسيرة الإيرانية ذات التكلفة المنخفضة. وفق المخابرات الأوكرانية، فإن بوتين طلب من إيران تزويده بنحو ألفين وأربعمئة طائرة بدون طيار أخرى من طراز شاهد لاستخدامها في الحرب.
توعّدت الولايات المتحدة بالعمل على تقييد قدرة إيران على تصدير الطائرات المسيرة لا سيما إلى روسيا
في الواقع، تخلف هذه الطائرات مشكلة لأوكرانيا من خلال إجبار جيشها على تحويل الدفاعات الجوية من دعم المواقع العسكرية في الخطوط الأمامية إلى حماية المدن الكبرى كالعاصمة كييف ومحطات الطاقة. توعّدت الولايات المتحدة بالعمل على تقييد قدرة إيران على تصدير الطائرات المسيرة لا سيما إلى روسيا، لكنّه من غير الواضح ما إذا كانت العقوبات وحدها كفيلة بدفع طهران إلى التراجع عن تزويد موسكو بهذه الأسلحة. ينطوي الموقف الإيراني على مخاطر كبيرة. بقدر أهمية المكاسب التي يُمكن أن تحصدها طهران من وراء مساعدة بوتين على مواجهة المتاعب العسكرية في أوكرانيا، فإن تأزيم علاقتها مع الغرب سيقوض طموحها بالخروج من العزلة والعودة إلى سوق النفط العالمي. لا يزال القادة الإيرانيون يولون أهمية أكبر للعلاقات مع روسيا والصين، لكنّ المصالح الاقتصادية والجيوسياسية الإيرانية ستُصبح أكثر ارتهاناً بمسار هذه العلاقات على المدى البعيد، فيما لو بقيت إيران في العزلة.