أصدرت منظمة "حظر الأسلحة الكيماوية"، اليوم الجمعة، تقريرها الثالث بشأن هجوم دوما الكيماوي عام 2018، والذي خلص إلى أنّ النظام السوري هو المسؤول عن الهجوم بإسطوانتين معبأتين بغاز الكلور السام، ألقتهما طائرة تتبع لـ "قوات النمر" أقلعت من "مطار الضمير" الذي كانت توجد فيه قوات روسية عند تنفيذ الهجوم الكيماوي.
وللمرة الأولى، دأبت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لإثبات العلاقة الوثيقة بين روسيا وقائد قوات النمر (الفرقة 25 - مهام خاصة)، ومشاركتها في الهجوم على الغوطة الشرقية ووجودها في غرفة عمليات واحدة مع "النمر"، وبالتالي تورطها في هجوم دوما الكيماوي عام 2018، في حين لم تشر المنظمة في التقريرين السابقين بشأن سراقب واللطامنة إلى أي دور روسي في الهجومين الكيماويين.
وخلص فريق التحقيق وتحديد الهوية التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية (IIT)، إلى أنه "بين الساعة 19:10 والساعة 19:40 (+3 بتوقيت غرينتش) في 7 من أبريل 2018، أثناء هجوم عسكري كبير يهدف إلى استعادة السيطرة على مدينة دوما، أسقطت طائرة مروحية واحدة على الأقل من طراز Mi-8/17 تابعة لسلاح الجو العربي السوري، غادرت قاعدة الضمير الجوية وتعمل تحت سيطرة قوات النمر، أسقطت أسطوانتين صفراوين أصابت مبنيين سكنيين في منطقة وسط المدينة".
وأوضح التقرير أن الأسطوانة الأولى اصطدمت بسطح مبنى سكني مكون من ثلاثة طوابق دون أن تخترقه بالكامل، فتمزقت وأطلقت غاز الكلور السام بتركيزات عالية جداً، مما أدى إلى انتشاره بسرعة داخل المبنى، مما أسفر عن مقتل 43 شخصاً مذكورين بالاسم، وأصابت العشرات. أما الأسطوانة الثانية اصطدمت بسقف مبنى سكني من ثلاثة طوابق (غير مأهول في ذلك الوقت)، واخترقته، ما تسبب بتمزق الأسطوانة جزئياً فقط، وبدأت في إطلاق غاز الكلور ببطء، مما أثر بشكل طفيف في أولئك الذين وصلوا إلى مكان الحادث.
وتحققت المنظمة بناء على معلومات ضخمة ومحاكاة للسيناريوهات من فرضيات إطلاق الأسطوانتين من "مدفع جهنم" يتبع لفصائل المعارضة، وكذلك تحققت من فرضية إسقاط الأسطوانتين من بناء مجاور؛ إلا أنها نفت جميع السيناريوهات المحتملة في تحقيقها وخلصت بالدلائل القاطعة إلى أن الأسطوانتين تم إلقاؤهما من طائرة مروحية، وهذا ما تثبته الكثير من الصور والعينات وتحليلات خبراء الذخائر، وتحديداً بأن الأسطوانتين كانتا مزودتين بأجنحة مصنعة وحمالات لتعليقهما على الطيارة ودواليب صغيرة تتيح إلقاءهما من داخل المروحية.
المخطط الزمني لبدء الهجوم على الغوطة بمشاركة "النمر"
ورسم الفريق التابع للمنظمة خطاً زمنياً لبدء الهجوم الشامل لقوات النظام السوري وروسيا على الغوطة الشرقية على النحو التالي كما ورد في التقرير:
- بعد استعادة دير الزور من تنظيم الدولة في تشرين الثاني / نوفمبر 2017 وحملة الشمال الغربي من تشرين الأول / أكتوبر 2017 إلى شباط / فبراير 2018، حوّل الجيش العربي السوري تركيزه إلى استعادة جميع الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة في الغوطة الشرقية بهجوم حمل اسم "عملية فولاذ دمشق".
- بدأت قوات النمر في 13 من شباط / فبراير 2018 بالوصول إلى الغوطة الشرقية، وقد تأكد انتشارها في المنطقة من خلال الصور ومقاطع الفيديو المنشورة على حسابات مرتبطة بالجيش العربي السوري وقوات النمر. في 17 من فبراير 2018، تم تصوير العميد الحسن وهو يلقي كلمة أمام قواته، بينما كان محاطاً بحماية أمنية قدمها الاتحاد الروسي. ووعد في خطابه - في إشارة إلى قوات العدو في الغوطة الشرقية - "بتلقينهم درساً في القتال والنار".
New video of #TigerForces Brig. Gen. Suheil al-Hassan addressing fighters near #EastGhouta #Damascus. pic.twitter.com/oVdhup1LsN
— Hari SP (@Hari_Nuranian) February 19, 2018
- في اليوم التالي، في 18 من فبراير 2018، شنت قوات الجمهورية العربية السورية، جنبًا إلى جنب مع قوات النمر والميليشيات السورية والأجنبية الأخرى - وبدعم من قوات الاتحاد الروسي - هجوماً جوياً وبرياً واسع النطاق لاستعادة الغوطة الشرقية.
- تلقى فريق التحقيق وتحديد الهوية التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية (IIT) معلومات موثوقة أن العميد سهيل الحسن قاد العمليات من قاعدة الضمير الجوية، الواقعة على بعد نحو 32 كم جنوب شرقي دوما. علاوة على ذلك، تشير معلومات موثوقة إلى أن قوات النمر قد خصصت سرب طائرات هليكوبتر في قاعدة الضمير الجوية تتألف مما لا يقل عن سبع طائرات من طراز Mi-8K، وهذه الطائرات السبع خصصتها القوات الجوية العربية السورية لقوات النمر، وكانت تتبع سابقاً للواء 63 المتمركز في مطار حماة.
- أكدت صور الأقمار الصناعية وغيرها من المصادر ، حركة القوات العسكرية إلى قاعدة الضمير الجوية من فبراير 2018 فصاعداً. تُظهر صور الأقمار الصناعية زيادة كبيرة في مستوى نشاط المركبات اعتباراً من 19 من فبراير 2018، مع ظهور هياكل مؤقتة جديدة (لغرض غير معروف) وخيام ومعدات أخرى على ساحات قاعدة الضمير الجوية. كما تشير صور الأقمار الصناعية التي تم التقاطها في 20 من فبراير / شباط 2018 إلى وجود مروحيات على مآزر في قاعدة الضمير الجوية، والتي كانت غير مأهولة في السابق. ويتزامن ذلك مع انتشار قوات النمر في الغوطة الشرقية وبدء الهجوم.
- شهد يوم 19 من شباط / فبراير 2018 حملة جوية مكثفة استمرت أسبوعاً بقيادة القوات الجوية العربية السورية وقوات الدفاع الجوي الروسي، استهدفت البنية التحتية المدنية الحيوية، بما في ذلك الضربات الجوية المتعددة على المستشفيات وغيرها. وفي 19 من شباط / فبراير، استمر القصف والغارات الجوية بمشاركة 28 طائرة مروحية من طراز Mi-8، مع تقديم دعم حاسم للعمليات البرية من قبل الطائرات العسكرية الروسية التي كانت تقلع من قاعدة حميميم الجوية.
- تلقى الفريق المستقل معلومات موثوقة، تم تأكيدها من خلال مصادر متعددة، تفيد بأن القوات الروسية كانت مشتركة في موقع قاعدة الضمير الجوية إلى جانب قوات النمر. يتماشى هذا مع التحليل العسكري والتصريحات العلنية الروسية والسورية والمصادر المفتوحة التي سبقت هجوم الغوطة الشرقية، ومنذ المراحل الأولى لتدخل الاتحاد الروسي في الصراع في الجمهورية العربية السورية، كانت العلاقة بين قوات النمر والقوات الروسية علاقة تقارب خاص وتنسيق وثيق على المستويين العملياتي والتكتيكي. ففي تشرين الثاني / نوفمبر 2017، أشاد الجنرال فاليري جيراسيموف، رئيس أركان القوات المسلحة الروسية، بالعميد سهيل الحسن ووحداته لدورهم في أهم المعارك في جميع أنحاء الجمهورية العربية السورية إلى جانب الضباط الروس. وبعد فترة وجيزة، في كانون الأول (ديسمبر) 2017، كان العميد سهيل الحسن هو القائد العسكري السوري الوحيد الذي حضر اجتماعاً إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. هنأ الرئيس الروسي شخصياً الحسن على إنجازاته العسكرية خلال هجوم دير الزور ضد داعش.
- كان لقوات النمر روابط مستمرة مع المخابرات الجوية السورية خلال عملية فولاذ دمشق. في وقت الهجوم الكيماوي على دوما، كانت المخابرات الجوية السورية تخضع لمكتب الأمن القومي برئاسة اللواء جميل حسن.
- وقع هجوم في الشيفونية في الغوطة الشرقية في 25 من فبراير / شباط ، حيث ورد أنه تم استخدام الكلور. بعد أقل من شهر ، في 20 من آذار / مارس، في أعقاب القتال المستمر، أصبحت حرستا أولى جيوب الغوطة الشرقية الثلاثة التي استعادتها القوات الحكومية السورية. بعد فترة وجيزة في 23 من مارس / آذار ، تم الاستيلاء على عربين وجوبر وزملكا وعين ترما بعد مفاوضات توسط فيها الاتحاد الروسي. ونتيجة لذلك، تم إجلاء المدنيين والمقاتلين من أحرار الشام وفيلق الرحمن إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غربي الجمهورية العربية السورية. لذلك، ظلت دوما آخر معقل للمعارضة في الغوطة الشرقية، حيث رفض جيش الإسلام الاستسلام.
- استمر نشاط الطائرات التي انطلقت من قاعدة الضمير الجوية حتى 23 من آذار / مارس، تلاها هدوء لمدة 10 أيام. وتزامن التوقف المؤقت للعمليات الجوية مع مفاوضات جارية بين جيش الإسلام وممثلي الجمهورية العربية السورية، بوساطة ممثل وزارة الدفاع الروسية، الجنرال ألكسندر زورين.
- استمرت المفاوضات حتى أوائل نيسان / أبريل، ولم تسفر عن نتائج. في 28 من مارس / آذار، أفادت وسائل الإعلام الموالية للحكومة أن القوات السورية كانت تحشد حول دوما وتستعد لهجوم كبير، إذا فشلت المفاوضات مع جيش الإسلام. اعتبارًا من ذلك التاريخ، وفقًا لمصادر الأمم المتحدة ، ظل 70 ألف شخص محاصرين في جيب دوما.
-
انهارت المفاوضات بين جيش الإسلام والاتحاد الروسي. استؤنفت الضربات الجوية المكثفة على دوما بعد انقطاع دام 10 أيام.
-
في مساء يوم 7 من أبريل / نيسان، مع استمرار وابل القصف التقليدي الواسع النطاق، بدأت تقارير عن هجوم كيميائي على موقعين في دوما تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي. وأبلغ الطاقم الطبي عن سقوط عشرات الضحايا على الأرض. لم يحصل فريق منظمة الأسلحة الكيماوية على أي معلومات تشير إلى وجود أهداف عسكرية بالقرب من أي من الموقعين.
-
بعد ساعات قليلة من الهجوم، في صباح يوم 8 من أبريل 2018، تفاوض جيش الإسلام على استسلامه مع الوسطاء الروس. وتضمن الاتفاق إجلاء المقاتلين إلى الشمال السوري، وإمكانية التصالح مع من قرر البقاء وتسليم أسلحته، فضلاً عن إطلاق سراح الأسرى المحتجزين لدى جيش الإسلام.
-
بثت وسائل الإعلام الروسية تسجيلات للجنرال الروسي ألكسندر زورين وضباط عسكريين روس آخرين زاروا في 9 من أبريل / نيسان 2018، أحد المبنيين اللذين استهدفا بالهجوم الكيميائي في 7 من أبريل (موقع الأسطوانة الأولى). بالإضافة إلى ذلك، ووفقاً لإيجاز نُشر على الموقع الإلكتروني لوزارة الدفاع الروسية في 9 من أبريل / نيسان، ذكر المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتعارضة في سوريا أن الممثلين لم يعثروا على أي دليل على الأفراد المتضررين أو استخدام الأسلحة الكيماوية في دوما.