بعد 12 عاماً من الوجود السوري في الأردن، ما زال الأردنيون يظهرون مستويات تعاطف مميزة مع اللاجئين السوريين في الأردن، وفق دراسة جديدة نشرتها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، فبالرغم من الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الأردن وقلة الموارد، إلا أن ذلك لم يكن عائقاً أمام الاندماج وعلاقة قائمة على التسامح والاحتضان لأسباب عدة أبرزها الرابط التاريخ والامتداد العشائري بين الشعبين.
امتداد عشائري وتاريخي
تقول هبة الخالدي وهي أردنية الجنسية لموقع "تلفزيون سوريا"، إن "من أبرز سمات الأردنيين والعادات القديمة استقبال الضيوف والترحيب بهم، أما عن السوريين فالأمر مختلف لأنه تربطنا بهم علاقة وتاريخ قديم".
وتضيف:"أنا أردنية والكثير من أبناء عمومتي موجودون في سوريا، وتجمع عشيرتنا بني خالد في حمص، بالتالي عشرات الأقراب هم سوريون، قبل الحرب كانت الزيارات قائمة بيننا وبينهم، وبعد ذلك منهم من خرج قدم للأردن وهم أهلنا وضيوفنا ومنهم من بقي وآخرون ذهبوا لبلدان أخرى".
يتفق الباحث المختص في الشأن السوري، صلاح ملكاوي مع حديث الخالدي، ويوضح أن غياب العنصرية سببه الامتداد العشائري بين الشعبين ابتداءً من السويداء وصولا إلى درعا وريفها الغربي فالعائلات هي ذاتها جمعها تاريخ مشترك قبل استقلال الدولتين".
ويؤكد ملكاوي لموقع "تلفزيون سوريا" أن الانتقال بين المدن الأردنية والسورية كان سلساً وتجري زيارات الأقارب بين البلدين يومياً، فمنهم من بقي في سوريا وحصل على الجنسية والقسم الآخر في الأردن ويحمل الجنسية الأردنية، وكما ساهم الجهد الحكومي في عدم وجود عنصرية، يضاف إليه الإحساس الإنساني والتعاطف مع السوريين، الذين خرجوا من بلادهم مجبرين بسبب التهديد لحياتهم".
تعاطف أردني عالي المستوى
ووفقاً لدراسة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، فإن تعاطف الأردنيين تجاه اللاجئين لا يزال ثابتاً عند مستوى عالٍ للغاية على مدى عقد من الزمن منذ بداية الثورة السورية. هذه نتيجة رئيسية لاستطلاع رأي جديد للمفوضية نُشر في حزران الماضي، حيث عبر 96 في المئة من المشاركين الأردنيين عن تعاطفهم مع اللاجئين السوريين، بمقارنة ـنسبة 95 في المئة في الدراسة التي أجريت في تشرين ثاني 2022، وتعتبر هذه المستويات قريبة من الدراسات السابقة التي تبحث تصورات المجتمع المضيف للاجئين في المملكة.
وذكرت الدراسة أن 78 في المئة من الأردنيين أعربوا عن دعمهم المستمر لشمول اللاجئين في المجتمع المحلي والأنظمة الوطنية مثل التعليم والصحة كما ورد في "اتفاق الأردن" عام 2016، بينما أكد نحو 89 في المئة من المشاركين في هذه الدراسة بأنهم يعتقدون بأنه يوجد تناغم وتعايش بين المجتمع المحلي واللاجئين في الأردن.
وأجري الاستطلاع على 3265 امرأة ورجلا أردنيا يعيشون في خمس محافظات (عمان، وإربد، والزرقاء، والمفرق، والكرك) في أيار وحزيران من هذا العام، وتبين أن مستويات التعاطف الأعلى كانت في عمان والزرقاء.
وأشار ملكاوي إلى أن "الأردنيين منذ زمن تعاملوا بمسؤولية مع أزمات اللجوء التي شهدها الأردن، مما شكل تراكم خبرة حول تعامل مع أزمات اللجوء وساعد على ذلك الأخلاق والروح العربية التي يتمتعون بها، وكانت الحكومات داعمة بالتعاطف والتعامل الإنساني مع اللجوء بدأ من النكبة الفلسطينية و أزمة اللجوء اللبناني واليمن والسودان والسوريين".
ولفت إلى أن "الأردنيين أدركوا أن الأردن واحة أمن واستقرار عدا عن صلة القربى والدم والتعاطف الإنساني التي نشأت عن مشاهدة الأحداث الدامية في سوريا والقصف بالبراميل وعمليات الحصار التي كان يفرضها النظام على شعبه".
العودة خيار اللاجئين
وبحسب دراسة مفوضية اللاجئين، فإن أكثر من نصف الأردنيين أكدوا أن اللاجئين هم الطرف القادر على اتخاذ قرار بشأن عودتهم لبلادهم أو البقاء في الأردن، مشيرة إلى أن الشباب الأردني (18 - 35 سنة) يعتقد أكثر من الفئات العمرية الأكبر سناً أن اللاجئين أنفسهم فقط يمكن أن يقرر ما إذا كان سيعود أم لا.
ويشرح ملكاوي ذلك بأن الأردنيين يدركون تعقيدات الملف السوري وأصبح الملف لا يقتصر على اللجوء، فضلاً عن الوضع الأمني الخطير على حياة اللاجئين إن عادوا، وغياب أدنى مقومات الحياة في سوريا، عدا عن ذلك هناك اتفاقيات دولية تحترمها الأردن، تفيد بعدم إجبار اللاجئين على العودة لبلادهم.
الخبيرة الاجتماعية مسعدة أبو محفوظ تتفق في ذلك في حديثها مع موقع "تلفزيون سوريا" وتقول: "وصول عشرات السوريين ممن فقدوا أهاليهم وأقاربهم ومنازلهم، وإطلاع الأردنيين على ذلك، كونت مستوى عاليا من التعاطف جعلت الأردنيين يحجبون عن مسألة المطالبة بعودة اللاجئين لبلادهم، فلم نشهد في الأردن أي خطاب شعبي يطالب بعودتهم منذ بدأت الأزمة السورية".
ويشار إلى أن الأردن استقبل منذ بدء الربيع العربي عدة موجات لجوء، ويستضيف حالياً نحو 3.7 ملايين لاجئ من 49 دولة، قرابة 61 ألف لاجئ عراقي مسجل لدى المفوضية، وأكثر من 1.3 مليون سوري، بينهم 660 ألف لاجئ سوري مسجل لدى المفوضية، وهناك أيضاً 12ألفاً و771 من اليمن، و5171 من السودان، و587 من الصومال.