في ساعة مبكرة من الفجر خلال الشهر الماضي، اقتحم جنود من الجيش اللبناني مخيمين غير رسمييين في مدينة عرسال اللبنانية الواقعة ضمن منطقة جبلية قريبة من سوريا، وألقوا القبض على عدد من الشبان السوريين.
يخبرنا عن ذلك أحد العاملين في مجال الإغاثة لدى مدرسة مخصصة للأطفال السوريين بعرسال، من دون أن يدلي باسمه خوفاً من تبعات ذلك، فيقول: "جرى ترحيل بعض منهم، ولهذا أصبح جميع الأساتذة لدينا بغاية القلق".
خلال العام الفائت، زادت عمليات ترحيل السوريين من لبنان بحسب ما أوردته الأمم المتحدة، إذ يُقدر أن هنالك نحو مليون وخمسمئة ألف سوري لجؤوا إلى لبنان هرباً من النزاع ومن بطش نظام بشار الأسد، كما أن بعضهم فروا ليرتاحوا من الوضع الاقتصادي المزري، أو من الخدمة العسكرية الإجبارية.
الحلم بالسفر إلى بلد آخر
كمعظم الشبان السوريين، أمضى محمد (29 عاماً) سنوات إضافية في الجامعة للتهرب من التجنيد في الجيش، إذ ينبغي على الشبان الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18-42 الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية التي يمكن أن تمتد لعشر سنوات، وعن فترته الجامعية يحدثنا محمد فيقول: "كنت أتقصد أن أرسب كل سنتين، وبات علي أن أستمتع بهذه الحالة وإلا سينتابني إحباط شديد".
وفي نهاية المطاف، وبعد أن تخرج ودفع مبلغاً قدره 93 يورو حتى يصل إلى لبنان قبل عامين من الآن، أصبح محمد يعمل في مقهى يقع شرقي بيروت، إلا أنه بقي يحلم بالحصول على شهادة الماجستير حتى يشتغل بالسياسة، وعن ذلك يقول: "في دولة أخرى بوسعك أن تحلم بأن تصبح رئيساً للدولة أو رئيساً للوزراء، لكن هذا الحلم مستحيل في سوريا، لأنه لا يُسمح لك فيها سوى بطريقة واحدة في التفكير وبطريقة واحدة للعيش".
بين فترة الخدمة التي يقدمها للزبائن، يعمل محمد على ترجمة نسخة قديمة من رواية جورج أورويل: "مزرعة الحيوانات"، وذلك ليحسن لغته الإنكليزية، وعن ذلك يقول: "لا يمكنني العودة إلى سوريا، ولكن لا مستقبل لي في لبنان، لذا فإن أملي الوحيد هو أن أصل إلى دولة أخرى".
بيئة معادية
يعيش السوريون ضمن بيئة تعاديهم في لبنان، حيث أصبح أكثر من 90 بالمئة منهم تحت خط الفقر بحسب تقديرات الأمم المتحدة، كما أن غالبيتهم يعملون في مهن خطرة وغير ثابتة وذات أجور متدنية ويأتي على رأسها العمل في مجال البناء والزراعة والضيافة، ومنذ شهر آذار الماضي، ظهرت لوحات إعلانية كبيرة في عموم لبنان تطالب المجتمع الدولي برفع الضرر الذي تسبب به اللاجئون السوريون.
سرعان ما زاد التوتر في نيسان عقب مقتل مسؤول مسيحي مهم في منطقة جبيل على يد عصابة سورية، وهذا ما دفع لخروج تظاهرات عنيفة ضد السوريين في عموم لبنان، إلى جانب انتشار مقاطع فيديو على الإنترنت ظهر فيها سوريون وهم يُضربون أو تحلق شعورهم أو يقيدون.
إلى جانب التوتر الطائفي بين المسيحيين اللبنانيين والسوريين الذين ينتمي معظمهم إلى الدين الإسلامي، ثمة عداوة تعود جذورها إلى الحرب الأهلية اللبنانية (1975 -1990)، وذلك عندما حاربت ميليشيات مسيحية جيش النظام السوري الذي احتل أجزاء من لبنان منذ عام 1976 وحتى عام 2005.
وفي منطقة الأشرفية ذات الغالبية المسيحية في بيروت، قامت جماعات بتعليق منشورات تطالب السوريين بالرحيل، وفي منطقة برج حمود، أخذ شبان لبنانيون يقودون دراجات نارية ويحملون هواتف مزودة بمكبرات صوت بتحذير السوريين من أن أمامهم 48 ساعة ليحزموا أمتعتهم ويغادروا.
بعد عملية القتل التي وقعت في جبيل، أعلن بسام مولوي وزير الداخلية ضمن حكومة تسيير الأعمال في لبنان بأن البلد "سيتشدد في منح الإقامات والتعامل مع السوريين المقيمين في لبنان بشكل غير قانوني"، ومن دون أن يقدم أي أدلة زعم بأن: "معظم الجرائم في البلد ارتكبها سوريون" وقال أيضاً: "لم يعد الوجود السوري في لبنان محتملاً".
جيوش وعصابات
عمل مركز "وصول" لحقوق الإنسان وهو منظمة غير حكومية يترأسها سوريون في بيروت وباريس على جمع شهادات لاجئين سوريين، فتوصل إلى أدلة تفيد بوجود احتمال تعاون بين جيش النظام والجيش اللبناني في تسليم اللاجئين لعصابات التهريب على الحدود السورية، وغالباً ما تتورط تلك العصابات بعمليات استغلال مالي وجنسي، بيد أن الجيش اللبناني لم يرد عندما طلب منه التعليق على الموضوع.
يخبرنا المحامي اللبناني محمد صبلوح بأنه تعرض لتخويف من مسؤولين أمنيين في لبنان وذلك لأنه يدافع عن السوريين ويتوكل عنهم، ومن بين موكليه رأفت الفالح وهو منشق عن جيش النظام السوري، انقطع تواصله مع أهله منذ أن جرى ترحيله وتسليمه للنظام في مطلع عام 2024.
انتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش الحكومة اللبنانية على إعادتها لأشخاص إلى بلدان يتعرضون فيها لخطر التعذيب والاضطهاد بشكل واضح، إذ في ذلك خرق لمعاهدة مناهضة التعذيب الأممية ولمبدأ عدم الإعادة القسرية.
بيد أن هيكتور حجار وزير الشؤون الاجتماعية لدى حكومة تصريف الأعمال اللبنانية اقترح إزالة جميع الخيم والمساكن التي يقطنها سوريون لم يحققوا الشروط التي تخولهم لأن يوصفوا بالنازحين، كما ذكرت منظمات إغاثية عديدة تقوم بدعم السوريين بأنها باتت تتعرض لمصاعب أكثر عند تسليم صهاريج المياه الكبيرة لتلك المخيمات غير الرسمية، إلى جانب المصاعب التي تعاني منها عند تقديم المساعدات للأسر حتى يتمكنوا من الصمود أمام قسوة الطقس ولحمايتهم من خطر الحريق. فيما يخبرنا عن الوضع رمزي قيس وهو باحث لبناني لدى منظمة هيومن رايتس ووتش فيقول: "على مدار سنوات طويلة فرض المسؤولون اللبنانيون ممارسات تمييزية ضد السوريين في البلد وذلك لإجبارهم على العودة إلى سوريا على الرغم من أنها ماتزال غير آمنة".
المصدر: The Irish Times