بعد ترجمتين إلى اللغتين الإنكليزية والسويدية، صدرت حديثا الترجمة الفرنسية للمجموعة الشعرية "لاجئ في المشفى" للشاعر السوري كمال جمال بك، عن دار "النخبة" في القاهرة التي أصدرت النسخة العربية للمجموعة مع كافة ترجماتها.
ترجم قصائد المجموعة إلى الفرنسية الشاعرة إيمان شربا، ورافقت الترجمات قراءة ختامية للباحثة السورية مادلين شقير. أما التدقيق فكان للشاعر الفرنسي لودفيغ إلزا الذي قال إنه "أعجب بشاعريتها، وبأنها مثيرة للاهتمام لخصوصيتها".
مسار القصائد
"ويا حريّة... للمعتقلين الأحرار في سورية وكل زمان وأي مكان". فاتحة أولى نستدل بها من صرخة تتردد أصداؤها في مساحة واسعة، كلمة ممتلئة ومعنى متضمنا يدل عليها من دون أن تتصدر بإهداء ولا أن تأسرها حدود.
بعدها تستوقفنا إشارة زمانية ومكانية إلى حيث كان الشاعر نزيلا لأول مرة: " ذات مستشفى للأمراض النفسية والعقلية في السُّويد تشرين الأول/ أكتوبر 2013" ثم تأتي المقدمة اللاحقة "معزوم إلى فنجان قهوة" بعد ثماني سنوات، موضحة أن النصوص مع مجموعتين شعريتين في خمس سنوات:
"نزفت وولدت داخل أروقة المستشفى وخارجها تحت تأْثير نوبات جنون هستيريَّة، والشَّخصيَّات والأَحداث مطابقةٌ للواقع. وما تبقَّى من أَثر الحالتين العقليَّة والنَّفسيَّة هو جزء من شهادة في حالات استجواب صادمة لجحيم العينين والأُذنين ببعض الجرائم بحقّ النَّاس".
وبين جحيمين، معاناة شعب من كارثة جماعية، وآلام أبناء منفيين تشوى قلوبهم وصخور المأساة فوق ظهورهم، يتساءل الشاعر:
"أَيَّ صراط تستقيم عليه روحي
في مشفى الأَمراضِ النَّفسيَّة
بفاستاروس السُّويديَّة
وأَنا آكل عدَّة وجبات في اليوم
وشعبي يموت من القتل والتشريد والجوع؟
الضّباع العالميَّة تتفرَّج على شعبي يموت
وعلى المذبح، كلُّنا صرنا أَضاحي صرخة الحُرّيَّة كخراف العيد".
والذي كان قريبا من التغييب في مجاهيل العذابات، ما صار بعيدا، بل ترك آثاره أنينا وصرخات وصورا مهشمة الحواس، وعلى الرغم من اضطرابها، ظل الباب مواربا بين الواقع المشوش، وبين ضبابية الإحساس.
آثار ما بعد الحرب والصدمة
تضم المجموعة 65 نصًا، مترجمة إلى 82 صفحة، تشكل حالة محددة بعد الحرب، وآثار ما بعد الصدمة، ومن ملامحها نتلمس الآثار الإنسانية:
"بعدما سبحنا في بحرِ نورِ الشَّمس
في مشفى الأَمراض النَّفسيَّة
بفاستاروس السُّويديَّة
سأَلتني الممرّضة: هل كلُّ شيء على مايرام؟
- كلُّ شيء على مايرام إِلَّا شعبي.
- أَتفهَّم ذلك..- قالت - ومضت حزينة
ولكنَّني يا سيّدتي مازلت لا أَتفهّم في هذه العتمة قول السيّاب:
"الشَّمس أجمل في بلادي من سواها والظَّلام...؟!".
مما ورد في "بصمة لاجئ في المشفى" للباحثة مادلين شقير:
" جرأة من الشاعر نزيل مشفى الأمراض النفسية والعقلية أن يفتح لنا أبوابها، ويدخلنا إلى حجراته وغرفها، ودهاليزه وممراتها، فنلتقي وجوه من عبروه، ونواجه ما خفي عنا في مرآتنا؛ كلنا في قبو الخوف مرضى مستترون. أَما هو فقد قطع في التعافي شوطا" كافيا" كي نهتدي بشمسه الناضجة".
في القهوة المرّة يفقد اللاجئ هويته، وتلتبس عليه ذاكرته، وحين تتشابك عليه الأحجيات، يستدل بطريق الغابة، ويتساءل في ختام البدء:
"هل من كان ليس أَنا، هو اليوم أَنا؟" (ويجيب): في الخلاصِ الفرديّ حملتْنِي جدائلُ الحُبّ والشّعرِ وأَنقذتني بأُغنية، وفي الخلاصِ الجماعيّ لن أَتعلَّقَ إِلَّا بها أملاً بوطنٍ حُرّ".
و"لاجئ في المشفى"، هي الثامنة من ضمن عشر مجموعات للشاعر جمال بك. ولوحة الغلاف الموحدة فيها من تنفيذ وتصميم الفنان علي حمرة في فرنسا.
ومنذ 1992 حتى 2024، أصدر الشاعر كمال جمال بك عشر مجموعات وثلاث ترجمات: "فصول لأحلام الفرات"، "سنابل الرماد"، "بعد منتصف القلب"، "فاتحة التكوين"، "مرثية الفرات العتيق"، "جسر الضلوع.. وهذه قصيدتي"، "ذئب المنفى وعصافير الثَّلج"، "لاجئ في المشفى مع ترجمات إنكليزية وسويدية وفرنسية"، "ماري عطر الشرق"، وأخيرا "كروموسوم الحب 21 قيراط".