كان السوري الذي سنسميه قاسم هنا لحمايته، والذي يبلغ من العمر اليوم تسعة عشر عاماً، طفلاً عندما اندلعت الحرب في بلده، وقد أخبرنا أنه تعرض للاعتقال والتعذيب على يد النظام عندما كان في الثالثة عشرة من العمر.
فر هذا الشاب إلى ليبيا خلال العام الماضي، إلا أنه اعتقل هناك أيضاً، كما تعرض للضرب وأجبر على العمل بلا أجر في مجال البناء برفقة غيره من المهاجرين، لكنه هرب في نهاية الأمر إلى أوروبا ليصل إلى المملكة المتحدة، ولكن عند وصوله إلى هناك في شهر أيار الماضي، لم يسمح له بتقديم طلب لجوء، بل جرى احتجازه عوضاً عن ذلك في مركز لترحيل المهاجرين.
وصار من بين أفراد الدفعة الأولى للمهاجرين الذين خططت حكومة المملكة المتحدة لترحيلهم إلى راوندا بموجب خطة الهجرة الجديدة، إذ كان من المقرر لأول رحلة تقل مهاجرين مرحلين أن تقلع في الخامس عشر من الشهر الماضي، إلا أنها ألغيت عند الساعة الحادية عشرة بعد صدور قرار بمنعها من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
فقد طعن محام من شركة لاتا القانونية واسمه كايل دالزيل بتلك المخططات الساعية لترحيل قاسم الذي أطلق سراحه بكفالة أخيراً، إلا أن المحامي دالزيل يطعن اليوم في القرار الذي خلص إلى عدم قبول طلب لجوء هذا الشاب.
ويمثل هذا المحامي شاباً سورياً آخر اسمه عبد الرحمن، سافر من كاليه برفقة قاسم، وجرى اعتقاله قبل أن يتم إطلاق سراحه بكفالة دفعتها أسرته في غلاسكو خلال الشهر الماضي، وقد تحدثت الصحافة عن معركته من أجل تقديم طلب لجوء أمام المحاكم الاسكتلندية طوال الشهر الفائت.
يصف المحامي دالزيل خطة رواندا أنها "سياسة تقوم على قسوة متعمدة" ولهذا طالب بإلغائها. وقد أتى ذلك في الوقت الذي تخضع فيه تلك الخطة لمراجعة وتدقيق من قبل اللجنة المصغرة المعنية بالشؤون الداخلية، إلا أن وزيرة الداخلية بريتي باتيل رفضت المثول أمام اللجنة كما هو مطلوب منها، وسط حالة تخبط في أوساط الحكومة.
تحدث قاسم للصحافة فقال إنه هرب من سوريا ليصل إلى ليبيا خلال شهر حزيران الماضي، وأضاف: "بحثت عن عمل لكني اختطفت من قبل إحدى الميليشيات واعتقلت لمدة 45 يوماً، وقد تكرر ذلك مرتين، إذ اعتقلت في المرة الثانية لمدة 43 يوماً، إلا أني لذت بالفرار في كلتا المرتين، وقد أجبرونا على العمل في مجال البناء كما تعرضنا للضرب والتعذيب".
ولهذا تدبر قاسم أموره ليرحل في شهر نيسان برفقة عبد الرحمن، وأخيراً حاول هذان السوريان عبور بحر المانش، فأنقذهما خفر الحدود البريطاني في هذه المرة بعدما امتلأ قاربهما بالماء.
وبمجرد وصولهما جرى اعتقالهما، وعن ذلك يقول قاسم: "خلت أني سأكون في مكان أكثر أمناً هنا في المملكة المتحدة، ولم أكن أدري أي شيء حول رواندا قبل أن آتي إلى المملكة المتحدة، إذ لم أسمع عن تلك الخطة إلا في المعتقل".
وبسبب ورود خطأ في تهجئة اسمه، لم يمثل قاسم أمام المحكمة خلال جلسة الاستماع من أجل إخلاء سبيله بكفالة، ولذلك بقي محتجزاً في المركز خمسة أيام أخرى بسبب هذا الخطأ الذي تسببت به البيروقراطية.
ثم أطلق سراحه في نهاية الأمر، وهو اليوم يقيم في غلاسكو برفقة ابن عمه، وعن ذلك يقول: "كنت في الثامنة عندما بدأت الحرب، وكنا ننتقل من مكان لآخر بحثاً عن الأمان، إذ كنا نشاهد الجثث في أثناء تنقلنا، وكانت تلك الجثث مقطوعة الأيدي والأرجل، كما أحرق النظام أقاربي وهم أحياء أمام عيني. اعتقلني النظام لمدة سبعة أيام عندما كنت في الثالثة عشرة من عمري، حيث خلعوا عني ملابسي وقيدوني إلى الجدار بالقرب من الأرضية، والتقطوا لي صورة ثم أرسلوها لأبي، وأخبروه أنهم سيقتلونني في حال لم يدفع ما يطلبونه منه. رأيت في طفولتي أموراً لا يمكن لأحد أن يراها إن عاش عمراً بأكمله، وماتزال تلك الذكريات تراودني عندما يحل الليل".
ذكر تقرير أممي صدر في عام 2014، أن الأطفال في سوريا عانوا من أهوال "لا توصف " خلال السنوات الأولى من الحرب، من بينها العنف الجنسي، إذ تقول سونيا سيتس وهي المديرة التنفيذية لمنظمة الحرية من التعذيب: "لا يمكن لكل من لديه ضمير إلا أن يتأثر بالقصة المريعة التي ذكرها هذا الشاب، إلا أن القرار القاسي الذي اتخذته هذه الحكومة والذي يقضي بحبس هذا الشاب وتهديده بالترحيل إلى رواندا يكشف عن تعاملها الوحشي واللاإنساني مع كل من يهرب من التعذيب والحرب".
أما النائبة في البرلمان، آن ماكلولين، والناطقة باسم الحزب الوطني الاسكتلندي بالنسبة لأمور اللجوء والهجرة، فقالت: "أناشد الطموحين في قيادة حزب المحافظين بأن يشرح لنا واحد منهم معنى كلمة إنسانية، إلا أني فقدت الأمل بخروج مثل هذا الشخص من بينهم".
يذكر أن وزارة الداخلية البريطانية أعلنت أنها تراعي رفاهية الأشخاص تحت رعايتها بجدية كبيرة، وأن لديها: "سلسلة من الإجراءات الاحترازية التي تشمل وصول المحتجزين إلى العاملين في الرعاية الصحية على مدار الساعة".
المصدر: صنداي بوست