ضرب زلزال مزدوج في 6 فبراير/ شباط الجاري عدداً من المدن التركية ومناطق شمال غرب سوريا (حلب، إدلب، واللاذقية)، وبلغت قوة الأول 7.7 درجات، بينما بلغت قوة الثاني 7.6 درجات، إضافة إلى مئات الهزات الارتدادية العنيفة ما خلف خسائر كبيرة بالأرواح والممتلكات في البلدين، ومنذ وقوع الزلزال توالت المساعدات الدولية لمساندة تركيا، وأرسلت أكثر من 99 دولة حول العالم المساعدات العينية، كما أرسلت بعض الدول فرق إنقاذ للمساهمة في عمليات الإنقاذ في المناطق التي ضربها الزلزال. أما في سوريا فقد وصلت المساعدات التي أرسلتها كل من (الإمارات العربية المتحدة، السودان، ليبيا، العراق، إيران، مصر، سلطنة عمان، البحرين، الجزائر، تونس، الاردن، السعودية) إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام السوري في دمشق، ولم يصل أي منها في الأيام الست الأولى إلى المناطق الأكثر تضرراً والتي تقع تحت سيطرة المعارضة السورية، حتى دخلت في اليوم السابع مساعدات قادمة من المملكة العربية السعودية ودولة قطر، وكان لتأخر المساعدات أثر كبير في عدم القدرة على متابعة عمليات البحث والإنقاذ بسبب عدم توفر الامكانيات، إلا أن فرق "الخوذ البيضاء" بإمكانياتها المتواضعة قامت بمجهودات جبارة في سبيل إنقاذ الناس لما تمتلكه من خبرة في هذا المجال بحكم خبرتها في التعامل مع عمليات القصف التي طالت المدنيين والتي مارسها النظام على مناطق المعارضة منذ أكثر من عشر سنوات.
أما النظام السوري فقد عمل على استغلال حادثة الزلزال طمعا في تحقيق مكاسب على الصعيد السياسي والاقتصادي مستغلاً عدداً من العوامل التي نناقشها في سطور هذه المقالة.
على الصعيد السياسي
قدم النظام في دمشق طلب المساعدات رسمياً من دول الاتحاد الأوروبي لمواجهة تداعيات الزلزال كما يدعي، على الرغم من أن المناطق التي تحت سيطرته أقل تضرراً من تداعيات الزلزال من مناطق سيطرة المعارضة.
وقد توالت الاتصالات مع النظام السوري للتعزية بضحايا الزلزال، فبالإضافة إلى الإمارات العربية المتحدة والجزائر اللتين تصنفا من أصدقاء النظام، قام الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" بالاتصال لأول مرة منذ توليه الحكم ببشار الأسد لتعزيته بضحايا الزلزال فضلا عن إرسال المساعدات، ويعد هذا الاتصال أول خرق في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ عام 2011. كما أعلن الرئيس التونسي "قيس سعيد" بعد إرساله المساعدات إلى النظام عن رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي في سوريا. وتلقى الأسد اتصالا من ملك البحرين "حمد بن عيسى آل خليفة"، وهو أول اتصال منذ عام 2011 بين البلدين، كما أرسلت المملكة العربية السعودية مساعدات طبية إلى مطار حلب الدولي في بادرة هي الأولى من نوعها منذ عام 2011، وأخيراً قام وزير الخارجية الأردني بزيارة رسمية للنظام السوري، كما قام عدد من رؤساء المنظمات الدولية بزيارة إلى سوريا للاطلاع على الأضرار التي خلفها الزلزال.
سيعمل النظام على استغلال أزمة الزلزال في سبيل تحقيق أكبر فائدة للخروج من العزلة الدولية، عبر فتح طرق دبلوماسية من شأنها أن تسرع من عملية تطبيع بعض الدول لعلاقاتهم معه مثل مصر وتونس والبحرين الذين كانوا ينتظرون الفرصة المواتية. وسيحاول النظام المحافظة على قنوات التواصل الدبلوماسية مفتوحة مع الدول العربية المحيطة بفتح قنوات التعاون على الصعيد الإنساني طمعاً منه في تحقيق تطور في المستقبل القريب، وموافقة النظام على طلب الأمم المتحدة في فتح معبر باب السلامة ومعبر الراعي والموافقة على استقبال المساعدات السعودية في مطار حلب الدولي هي جزء من استراتيجية استغلال الأزمة، حيث يحاول التظاهر أمام دول المنطقة بإحداث نوع من التغيير الإيجابي في سياساته تجاه الشعب السوري بأنه يسعى لإيصال المساعدات إلى السوريين في مناطق المعارضة رغم خلافه معهم، كما يريد أن يوصل رسالة للنظام الدولي بأنه الجهة الأكثر موثوقية لإدارة ملف المساعدات الإنسانية في سوريا، وكل ذلك في سبيل الضغط على المجتمع الدولي لرفع العقوبات المفروضة عليه بحجة مواجهة تداعيات الزلزال في كل مناطق سوريا.
على الصعيد الاقتصادي
يعاني النظام السوري في الأشهر الأخيرة من أزمة اقتصادية خانقة أدت إلى انخفاض قيمة الليرة السورية بشكل كبير، فضلاً عن أزمة محروقات خانقة عطلت البلاد. وقد تشكل المساعدات الدولية المقدمة للنظام فرصة مواتية لدعم نفوذه وتمكين قبضته وتحسين الوضع الاقتصادي.
قُدمت المساعدات الدولية على طريقتين للنظام السوري، الأول بشكل مباشر، حيث أرسلت الإمارات العربية المتحدة مساعدات مالية بلغت قيمتها 50 مليار دولار، وأرسل العراق قافلة من مشتقات النفط، وأعلنت الجزائر عن تقديمها 30 مليون دولار، فضلاً عن العديد من المساعدات الطبية والغذائية التي قدمتها العديد من الدول. أما الثاني فعبر المساعدات الأممية، وهنا يحاول النظام الضغط على المنظمات الدولية لإدخال كل المساعدات العينية والمالية عن طريقه، حيث يفرض على المنظمات الدولية أن يقوم هو بإدارة ملف المساعدات عبر منظمات سورية يسيطر عليها، فضلاً عن إجبارهم على تصريف الدولار في البنك المركزي وبسعر مخفض عن السعر الحقيقي للسوق، وقد أعلنت الأمم المتحدة عن تقديم 25 مليون دولار، بينما قدم الاتحاد الأوروبي 7 ملايين دولار، وهذه المساعدات تصنف كدعم إضافي للمساعدات التي توفرها المنظمات الدولية لسوريا والتي ترسل بشكل دوري. كما رفعت الولايات المتحدة الأميركية العقوبات لمدة 6 أشهر عن كل ما يتعلق بإرسال المساعدات (المالية والعينية) المتعلقة بأضرار الزلزال إلى سوريا، وهذا القرار من شأنه أن يسمح للعديد من داعمي النظام بإرسال الأموال له بادعاء أنها مساعدات.
بعد دخول المساعدات المالية إلى سوريا قد نشهد تحسناً في أداء الاقتصاد السوري على مستوى تحسن قيمة سعر صرف الليرة بفضل دخول النقد الأجنبي إلى البنك المركزي، فضلا عن حل جزء من مشكلة تأمين المحروقات بعد دخول قوافل من مشتقات النفط ومن المحتمل أن يستمر دخول مثل هذه القوافل على المدى القريب.
في النتيجة يطمح النظام السوري لتحقيق أكبر فائدة ممكنة من أحداث الزلزال، من أجل تسريع مسارات التطبيع مع دول المحيط العربي، ولابد من الإشارة إلى أنه ليست كل الدول التي ساعدت النظام قد تذهب إلى تطبيع العلاقات معه مثل السعودية. كما يسعى النظام لاستغلال أزمة الزلزال عبر الضغط على المجتمع الدولي من أجل رفع العقوبات الدولية المفروضة عليه، سيحقق النظام مكاسب اقتصادية بعد استحواذه على المساعدات الدولية المالية والعينية مما قد يحسن من مؤشرات الأداء الاقتصادي للبلاد.