عندما تدخلت روسيا في سوريا قبل 6 سنوات كانت قد اتخذت مهمة التدخّل الأساسية "مكافحة الإرهاب" ذريعة، وقدّمت إلى مجلس الأمن مشروع قرار بهذا الصدد في نهاية تشرين الأول 2015 يتضمن الاتفاق على قائمة إضافية للجماعات الإرهابية غير تنظيم الدولة وجبهة النصرة.
وفي تشرين الثاني من نفس العام تم تشكيل المجموعة الدولية لدعم سوريا والتي ضمّت 17 دولة بينهم الولايات المتحدة وروسيا، التي كانت تأمل أن يتم الاتفاق على وضع تعريف وتصنيف واحد للجماعات الإرهابية والأفراد الإرهابيين بما يُناسب رؤيتها، أي إدراج العديد من فصائل المعارضة على القوائم السوداء، مما تسبب في إخفاق المجموعة الدولية بالتوصل لفهم مشترك حول مكافحة الإرهاب.
يبدو أن روسيا، في تلك الأثناء، تنبّهت إلى صعوبة امتلاك مسوّغ قانوني كافٍ لمحاربة فصائل المعارضة. ويُمكن الاعتقاد أنها أعادت صياغة مقاربة جديدة لمكافحة الإرهاب في سوريا قائمة على حصر الاشتباك، والتسوية القسرية، وحصر الإرهاب، وإعادة التصنيف.
حصر الاشتباك
في شباط 2016 وقعت روسيا والولايات المتحدة اتفاق وقف العمليات العدائية والذي ينص على وقف إطلاق النار بين قوات النظام وفصائل المعارضة مع استثناء جبهات القتال مع تنظيم الدولة وجبهة النصرة.
آنذاك، كانت أولوية روسيا منصبّة على محاربة تنظيم الدولة، في ظل التنافس مع التحالف الدولي على مناطق سيطرة هذا الأخير، وهو ما لم يكن ممكناً مع استمرار المواجهات مع فصائل المعارضة. لذلك، كان لا بدّ من حصر الاشتباك وتجزئة العمليات القتالية على مراحل.
وبالفعل، في آذار من العام نفسه أطلقت روسيا حملة عسكرية واسعة بهدف السيطرة على مدينة تدمر شرق حمص، للتمركز فيها وتحويلها لقاعدة عمليات في البادية السورية ومنها استأنفت العمليات العسكرية منتصف حزيران 2016 للسيطرة على المعقل الرئيسي لفصائل المعارضة في مدينة حلب شمالي البلاد.
أرجعت روسيا أسباب الهجوم على مدينة حلب إلى مكافحة الإرهاب؛ على اعتبار أن جبهة النصرة مستثناة من اتفاق وقف العمليات العدائية. ومع أن أعضاء مجلس الأمن رفضوا هذه الذريعة إلا أن استخدام روسيا لحق النقض الفيتو والقوة المفرطة أدى إلى استعادة النظام السوري السيطرة على المدينة أواخر كانون الأول 2016.
حصر الإرهاب
خلال جلسة مجلس الأمن في 25 أيلول 2016 قالت روسيا إن الولايات المتحدة لم تلتزم بفصل المعارضة المعتدلة عن التنظيمات الإرهابية، ومع أن اتفاق وقف العمليات القتالية أو على الأقل في القسم المعلن عنه لم يتضمن هذا الشرط إلا أن روسيا استخدمته كمسوّغ قانوني لشن الهجوم الشامل على مدينة حلب.
لاحقاً، سيكون هذا الشرط أحد البنود الرئيسية المعلنة لمذكرة خفض التصعيد وملاحقها، إذ ستعتمد عليه روسيا لشنّ عمليات عسكرية على مواقع سيطرة المعارضة السورية.
ويقوم هذا الشرط على مبدأ حصر الإرهاب؛ وهو نظرياً إبعاد فصائل المعارضة المعتدلة عن تنظيم الدولة والنصرة، لكنه عملياً يعني إلحاق الفصائل غير الملتزمة بقوائم الإرهاب.
في الأصل، حاولت روسيا تمرير هذا الشرط عبر مجلس الأمن ليصبح مُلزماً؛ عندما قدّمت مشروع قرار في تشرين الأول 2016 ينصّ على فصل المعارضة المعتدلة عن التنظيمات الإرهابية، وبالتالي تقديم قائمة بمواقع هذه الأخيرة كيلا يتم استهدافها، وهو إجراء يبدو أن الولايات المتحدة رفضت تطبيقه في أثناء المباحثات التقنية مع روسيا لتنفيذ اتفاق وقف العمليات العدائية.
لم تختلف شروط روسيا كثيراً خلال المباحثات مع تركيا؛ فقد أصرّت، وما تزال، على أن يكون هناك تنسيق مشترك غير مستقل في مكافحة الإرهاب، وهو ما قوبل برفض مستمرّ. ونتيجة الحاجة الماسّة لاستمرار التعاون مع تركيا منحت روسيا هذه الأخيرة مهلة مؤقتة، لا تزيد على 6 أشهر قابلة للتجديد، لفصل المعارضة المعتدلة عن التنظيمات الإرهابية.
مع انتهاء المهلة كانت روسيا تلجأ للتصعيد الواسع، ولا تفوّت فرصة شنّ عمليات عسكرية على منطقة خفض التصعيد؛ بذريعة عدم التزام أو تباطؤ تركيا في فصل المعارضة المعتدلة عن التنظيمات الإرهابية.
التسوية القسرية
في 23 شباط 2016 أسّست روسيا مركز حميميم للمصالحة ووسّعت مهامه تباعاً بعدما كانت تقتصر على مراقبة وقف العمليات القتالية لتشمل ضمان عقد اتفاقيات تسوية بين فصائل المعارضة والنظام السوري.
كان توقيع اتفاقيات التسوية نتيجة للعمليات العسكرية واستخدام القوة المفرطة وليس نتيجة الوساطة بين النظام المعارضة، مع أن روسيا استخدمت هذا الدور في أثناء عقد الاتفاقيات حتى تضمن الحد الأدنى من الاستقرار وجهود إصلاح المؤسسة العسكرية.
وعلى نحو صريح تعاملت روسيا مع مناطق سيطرة المعارضة كـ "بؤر إرهابية ينشط فيها تنظيم الدولة وجبهة النصرة" ويتم استخدامها كقواعد لشنّ هجمات ضد قوّات النظام السوري ومناطق سيطرته.
وعند توقيع اتفاقيات التسوية كانت روسيا تشترط في أحد البنود موافقة فصائل المعارضة على المشاركة في عمليات مكافحة الإرهاب، والتي تبيّن لاحقاً أنها لم تقتصر على محاربة تنظيم داعش في البادية بل تشمل أيضاً مواجهة فصائل المعارضة التي رفضت توقيع اتفاقيات تسوية.
وعليه، كانت اتفاقيات التسوية القسرية تُساهم في سياسة حصر الإرهاب أيضاً، أي تطبيق رؤية روسيا لفصل المعارضة المعتدلة عن التنظيمات الإرهابية، أي إعادة دمجها في المؤسسة العسكرية لتُشارك في مكافحة الإرهاب مع النظام السوري.
إعادة التصنيف
في أيار 2016، قدمت روسيا مشروع قرار إلى مجلس الأمن لإدراج كل من جيش الإسلام وأحرار الشام على قوائم الإرهاب. جاء ذلك رغم رفض مجلس الأمن مشروع القرار الذي قدّمته في تشرين الأول 2015، والذي يحتوي على قائمة أوسع من فصائل المعارضة.
ومع أن كلا المشروعين قوبل بالرفض إلا أن ذلك لم يعنِ استغناء روسيا عن مساعي تصنيف فصائل المعارضة المسلحة على قوائم الإرهاب، فيما يبدو أنها غيرت من سياستها إزاء ذلك، أي بعد الانتهاء من عملية فصل المعارضة المعتدلة عن التنظيمات الإرهابية، لتقوم بعدها بتقديم مشروع قرار جديد لمجلس الأمن يتوافق مع قرار مجلس الأمن 2254 (2015).
كانت تأمل روسيا أن تتولى بنفسها مهمة حصر الإرهاب والتي تقتضي تحصيل اتفاق مع الدول التي تدعم المعارضة السورية، بما يُقلص من فرص عدم اعتراض أعضاء مجلس الأمن على قائمة الإرهاب في سوريا التي يُمكن أن تُقدمها لاحقاً.
ومع أن روسيا تمكنت من إقناع الولايات المتحدة والأردن في تموز 2018 برفع الحماية عن المعارضة السورية، والتي تعني منحها مسؤولية فصل المعارضة المعتدلة عن التنظيمات الإرهابية، إلا أنها لم تكن قادرة على إقناع تركيا بذلك، مما اضطرها لقبول مشروط بتنسيق هذه المهمة على شكل مستقل غير مشترك مع هذه الأخيرة.
واتفاق روسيا مع تركيا على آلية فصل المعارضة المعتدلة عن التنظيمات الإرهابية لا يعني بالضرورة الاتفاق لاحقاً على مصير هذه الفصائل وطبيعة الاندماج مع المؤسسة العسكرية، على اعتبار أن النموذج الذي قدمته روسيا كان مبنياً على إعادة الإدماج ضمن الفيلق الخامس.