بدأ الروس تدخلهم العسكري لمصلحة النظام في سوريا قبل ثلاثة أعوام من اليوم بعد عجز النظام واقترابه من الانهيار وفشل الدعم الإيراني في تثبيت أركانه، والتطورات العسكرية الكبيرة في سوريا والعراق.
الروس ومنذ اللحظات الأولى لعمليتهم العسكرية في سوريا أدركوا أنهم أمام حالة عسكرية فريدة لا قبل لهم بها؛ فاستخدموا خليطاً من العمل العسكري والأمني والسياسي لتحقيق أهدافهم العسكرية، مستخدمين الحرب السورية وسيلةً وفرصة للترويج لأسلحتهم.
حملة جوية
أطلقت روسيا في سوريا ما يزيد على 40 ألف طلعة جوية ونفذت خلالها ما يزيد على 130 ألف غارة جوية) أي وسطياً أكثر من 130 غارة يومياً (واستخدمت في سوريا خلال حملتها الجوية مجموعة من الطائرات ثابتة الجناح والمروحية والتي تغيرَ تعدادُها عدة مرات خلال السنوات الماضية، إذ زجَّت روسيا بمقاتلات سوخوي 35 وسوخوي 30 في قاعدة حميميم كما نشرت قاذفات تكتيكية من نوع سوخوي 34 و 24 وقاذفات إسناد ناري مباشر سوخوي 25 كما استخدمت قاذفات استراتيجية توبوليف95 و توبوليف 22 وتوبوليف 160 إضافة لحوامات هجومية مي 24 وكاموف 52 وحوامات النقل مي 8 والعديد من طائرات الاستطلاع والقيادة المأهولة والمسيَّرة مثل أورلان 10 و أ50 وال20 وطائرات الشحن المختلفة، حيث تصل حمولة الطائرات القاذفة لما بين 4 إلى 12 طناً من القنابل والقاذفات الاستراتيجية تتجاوز 20 طنا.
وتشير المصادر الميدانية إلى أن الروس اعتمدوا في سوريا على تقديم الإسناد الناري الجوي لنظام الأسد وإيران والغارات المختلفة مستخدمين قاذفاتهم التكتيكية من نوع سوخوي 24 بشكل رئيسي، والتي يمكن القول إنها نفذت أكبر نسبة من الغارات في سوريا؛ حيث استخدمت الذخائر غير الموجهة بشكل أساسي (تشير بعض المصادر إلى أنهم اعتمدوا عليها في ما يزيد على 95% بالمئة من حملتهم الجوية (وندر أن استخدموا الذخائر الموجهة سواء الصواريخ أو القنابل؛ إلا في حالات نادرة جداً وخاصة عند قصف الأهداف المهمة لاستراتيجيتهم العسكرية مثل المستشفيات) التي تعتبر الهدف المفضل لهم في أي منطقة، حيث يستخدمون صواريخ موجهة نوع خ-25 موجهة ليزريا بمدى 10 كيلومترات أو قنابل موجهة KAB500 ولكن هذه الذخائر استخدمت بعدد محدود جدا.
فقد استخدم الروس خلال غاراتهم قنابل 500-OFAB250 وأشباهها بكثافة وهي قنابل غير موجهة شديدة الانفجار متشظية يتراوح وزنها بين 250 كغ والنصف طن، تعود تصميماتها المستخدمة إلى خمسينيات القرن الماضي، وتنشر حال انفجارها رشقة من مئات القطع والشظايا المعدنية، التي يصل مداها القاتل حتى 250 مترا، حيث تستطيع هذه الشظايا التسبب بجروح قاتلة وكسور وحتى انتزاع وبتر الأطراف في حال كانت ضمن القطر القاتل، ما يجعلها مؤثرة جداً ضد المدنيين الذين ارتكبت بحقهم مجازر كبيرة باستخدام هذه القنابل، فهي توقع ضحايا بينهم حرقا وتمزيقا بسبب لهب وموجة الانفجار في المسافات القريبة، ويمتد تأثيرها عشرات الأمتار بسبب الشظايا، حيث يستخدم الروس هذه القنابل بشكل رشقات من 2 إلى 16 قنبلة دفعة واحدة من طائرة واحدة أو اثنتين، ما يتسبب بكثير من الدمار والضحايا المدنيين، (يستخدم الروس الأعداد الكبيرة من القنابل بهدف التأثير النفسي على المدنيين في المناطق المستهدفة، ويمكن القول إن 70 إلى 80 % من ضحايا الغارات الروسية سقطوا بهذه النوعية من القنابل)، حيث تفتقر هذه القنابل للدقة وتستخدم في عمليات القصف المساحي.
أما بالنسبة للقنابل العنقودية فقد استخدم الروس خليطا من حواضن القنابل العنقودية RBK250-500 والتي يتركز تأثيرها على المدنيين، بسبب استخدامها في معظم الحالات ضد مناطق سكنية، فقد جرب الروس استخدام حواضن قنابل SPBED والتي تصنف أنها قنابل عنقودية مضادة للعربات "ذكية" لكنها فشلت فشلا ذريعا في سوريا، فتوقفت روسيا عن استخدامها، كما استخدموا حواضن قنابل PTAB-1M : وهي قنابل عنقودية لها قدرة على خرق الدروع غير السميكة للعربات، إضافة لنشر الشظايا المؤثرة في الأفراد، واستخدمت كذلك بشكل محدود في حين تركز القصف الروسي بالقنابل العنقودية على حواضن قنابل ShOAB-0.5M : والتي هي عبارة عن ذخائر ثانوية صغيرة كروية الشكل مضادة للأفراد ينشر الحاضن الواحد منها بين 48 إلى 120 قُنيبلة حسب حجمه، وهي كافية للتسبب بالكثير من الدمار في مساحة تعادل مساحة ملعب كرة قدم، إضافة لحواضن قنيبلات AO-2.5: وهي كذلك مضادة للأفراد و ينشر الحاضن العشرات منها عند إلقائه، وتلقي الطائرات الروسية 2 إلى 4 وسطياً من هذه الحواضن كل غارة.
الجدير بالذكر أن قسما كبيرا منها يبقى بشكل ألغام تتسبب بسقوط ضحايا خلال إزالة الأنقاض وفي المزارع والبساتين والمراعي لسنوات طويلة.
القنابل الحارقة
بسبب انتشار الملاجئ في المناطق السكنية، وبخاصة في المناطق الريفية فقد سعى الروس لزيادة فرصة التأثير على المدنيين عبر استخدام القنابل الحارقة وتوزعت بين حواضن القنابل العنقودية الحارقة وبخاصة
ZAB2.5 : والتي يعتقد كثيرون أنها قنابل فوسفورية، لكنها في الواقع قنابل حارقة تعتمد على "الترميت" كمادة فعالة وتحتوي بعض أجيالها على كميات من المتفجرات لمنع إطفائها، حيث يطلق الحاضن عشرات القنيبلات من هذا النوع التي تشتعل لعدة دقائق وتستطيع بسبب حرارتها التي تتجاوز 1500 درجة ثقب الإسفلت والتسبب بحرائق كبيرة ونشر غازات واخزة تجبر المدنيين على الخروج من الملاجئ) الترميت يحتوي أوكسيد الحديد الذي ينصهر خلال الاحتراق (حيث تعود تصميمات معظم هذه الذخائر العنقودية كذلك للحقبة السوفيتية وهي كذلك تفتقر للدقة والتوجيه.
كما استخدم الروس بشكل واسع قنابل ثلاثية التأثير من نوع OFZAB250-500 وهي الأكثر بشاعة لكونها شديدة الانفجار متشظية وحارقة في نفس الوقت! ويصل وزنها لنصف طن وتستطيع القنبلة الواحدة التسبب بالكثير من الضرر خاصة عند استخدامها في المناطق السكنية ما يعتبر استهدافا مباشرا للمدنيين دون غيرهم.
- قنابل شديدة الانفجار: خلال الحملة الروسية للسيطرة على حلب سرت إشاعة هي جزء من الحرب النفسية للروس في سوريا عن استخدام ما أشيع أنه "قنابل ارتجاجية" (معلومة مغلوطة وكاذبة) وهي ناتجة عن استخدام الروس لأعداد كبيرة من قنابل OFAB500-1000-1500 الشديدة الانفجار خلال قصفهم للأحياء السكنية وهذه النوعية من القنابل مخصصة لتدمير المباني، حيث يصل وزنها من 500 كيلوغرام إلى طن ونصف وطولها حوالي 3 أمتار وتستطيع اختراق عدة جدران أو أسقف قبل انفجارها ما يتسبب بتهدم المباني بشكل كامل حيث تحتوي هذه القنابل على كمية كبيرة من مواد شديدة الانفجار أقوى من ت ن ت، ورأس فولاذي صلب وجدران رقيقة، ما يسمح لها باختراق الجدران بسبب الطاقة الحركية الكبيرة بسبب إلقائها من ارتفاعات شاهقة ما يتسبب بتدمير الأبنية كما أنها تخترق قرابة المترين إلى ثلاثة في الأرض (حسب صلابتها) ويتسبب انفجار كمية المتفجرات الكبيرة داخلها بحفرة كبيرة قد يصل قطرها 7 أو 10 أمتار، حيث تسببت هذه القنابل بهدم المباني على رؤوس المدنيين الذين يسحقهم الانفجار وانهيار المباني عليهم، في حين تفشل هذه القنابل في التأثير العسكري في سوريا بسبب عدم دقتها وإلقائها من ارتفاعات شاهقة، (كذلك استخدمت رؤوس عدة نماذج للقنابل الخارقة للتحصينات لكن بشكل محدود، بسبب عدم دقتها وعدم تركيزهم على الرمايات الدقيقة في معظم الأحيان بسبب اعتمادهم على القصف المساحي).
قصف مساحي
رغم كل ما يتشدق به الروس عن تطور طائراتهم وقدرتها الكبيرة، فإن قنابلهم التي قتلت المدنيين في سوريا تعود في مجملها لتصميمات تتجاوز عمرها 40 إلى 60 عاماً وتعجز عن تحقيق إصابات دقيقة، ما يؤكد عدم قدرة ورغبة الروس في تحييد المدنيين في الصراع، إذ ركَّز الروس خلال قصفهم البري والجوي على الذخائر المضادة للأفراد بأنواعها المختلفة لاستهداف المدنيين، إضافة للذخائر الحارقة والتي تسببت بضحايا بين المدنيين أكثر بكثير من العسكريين يتجاوز عددهم منذ بداية التدخل الروسي عشرات آلاف المدنيين.
فعلى الرغم من تشدق الروس بتجربتهم أكثر من 200 نوع سلاح في سوريا، فإنَّ الميدان يثبت اعتمادهم على أعتدة وطائرات وذخائر جوية تعود بالمجمل للحقبة السوفيتية، وتعتبر متخلفة جدا على المستوى التقني وسبب تفوقها هو انعدام المنافس التقني والتكتيكي في الجهة المقابلة ليس إلا ما تسبب بكارثة إنسانية كبيرة دفع ثمنها المدنيون أولا.