كيف ستسهم دول الخليج العربي في دعم الاقتصاد التركي؟

2023.06.12 | 06:07 دمشق

كيف ستساهم دول الخليج العربي في دعم الاقتصاد التركي؟
+A
حجم الخط
-A

خاضت تركيا انتخابات رئاسية وبرلمانية هي الأكثر استقطاباً على الصعيد السياسي والإيديولوجي، وتمخضت عن فوز تحالف الجمهور بغالبية البرلمان، وفوز الرئيس أردوغان بولاية رئاسية جديدة لمدة خمس سنوات بعد تحقيقه 52.2٪ من الأصوات في الجولة الثانية.

وأمام الرئيس أردوغان العديد من الملفات الحرجة والمهمة، فمن ناحية يريد حل الاستقطاب السياسي العنيف الذي حصل قبل الانتخابات للوصول لحالة من الاستقرار الداخلي، وإعادة إعمار المناطق المنكوبة من الزلزال المدمر، بالإضافة الى إعادة ترتيب البيت الداخلي لحزب العدالة والتنمية بعد تراجع القاعدة الشعبية للحزب، ولكن الملف الأهم والمعقد الذي سيسعى الرئيس أردوغان للعمل عليه هو الملف الاقتصادي، فتركيا قبل الانتخابات عملت على تطبيق سياسة نقدية غير تقليدية أدت إلى تراجع مؤشرات الاقتصاد بشكل كبير تمثلت في ارتفاع التضخم وهروب الاستثمارات الدولية وهبوط قيمة الليرة.

وكانت أول خطوات الرئيس أردوغان في الشأن الاقتصادي بعد تسلمه الرئاسة تعيين محمد شيمشك وزيراً للمالية، ويعتبر شيمشك شخصية اقتصادية مهمة على المستوى الدولي، وصرح شيمشك أن الاقتصاد التركي سيعود إلى اتباع نهج الليبرالي التقليدي في إدارة اقتصاد البلاد. لكن أمام وزير المالية مهمة في غاية الصعوبة، فبعد وصول التضخم لمؤشرات مرتفعة لن تفيد كثيراً سياسة رفع الفائدة ومع ذلك قد يعمل على رفع الفائدة بشكل تدريجي، وقد يذهب شيمشك لفرض الضرائب واتباع سياسة تقشفية في الإنفاق الحكومي، لكن كل ذلك قد لا يحقق التوازن للاقتصاد التركي بسهولة، لذلك لابد من وجود استثمارات حقيقية تدخل في عجلة الاقتصاد التركي، وانطلاقاً من ذلك من المتوقع أن تكون الاستثمارات الخليجية هدف الرئيس أردوغان في المستقبل القريب. وتناقش هذه المقالة، كيف ستسهم الاستثمارات الخليجية في دعم الاقتصاد التركي المترنح، ونركز على السعودية والإمارات بسبب اقتصادهما الكبير وحجم سوقهما الاستهلاكية مقارنة بدول الخليج الأخرى.

  1. مستقبل الدور السعودي في الاقتصاد التركي

صرح الرئيس أردوغان أن دول الخليج العربي ستكون أول وجهة له بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية، والسعودية أول محطاته لأداء فريضة الحج، وعلى أن تردفها لقاءات رسمية مع القادة السعوديين.

وقد لعبت السعودية قبل الانتخابات دورا في تحقيق نوع من الاستقرار في قيمة الليرة التركية بعدما ضخت 5 مليارات دولار في البنك المركزي التركي كوديعة، كما عملت على رفع حجم الاستثمارات في تركيا إلى نحو 8 مليارات دولار، واستأنفت الأسواق السعودية الاستيراد من تركيا بعدما كانت قد فرضت قيودا على الاستيراد سابقاً، وقد وجه مجلس الوزراء السعودي الشركات بتشجيع الاستثمار المباشر مع تركيا.

وعلى المدى المتوسط والبعيد من المحتمل أن يكون الدور السعودي في دعم الاقتصاد التركي عبر أربعة اتجاهات:

  • أولاً: ضخ الاستثمارات في تركيا عبر صندوق الاستثمارات السعودي الحكومي، الذي يملك استثمارات في العديد من دول العالم. ومن المحتمل أن تتوجه استثمارات الصندوق إلى قطاع التصنيع العسكري الذي يشهد نمواً مرتفعاً إضافة إلى قطاع البتروكيماويات، والمصارف.
  • ثانياً: تشجيع الأسواق المحلية على رفع مستوى الاستيراد من الأسواق التركية. وللحكومة السعودية القدرة على التحكم في واردات السوق الداخلية بشكل غير مباشر عن طريق توجيه الأسواق والرأي العام بالتوجه في استهلاك واستيراد السلع من دولة معينة. وللسوق السعودية قيمة كبيرة للصادرات التركية، ومن المعروف أن السعودية دولة مستهلكة، ويبلغ عدد سكانها بما فيهم المقيمون قرابة 35 مليون نسمة، مما يجعلها سوقاً مهمة للصادرات. وقد يسعى الرئيس أردوغان في زيارته المرتقبة للرياض إلى العمل مع الجانب السعودي لتشجيع الاستيراد من تركيا بشكل أكبر مما سينشط عجلة الاقتصاد في البلاد ويعود عليها بتدفقات نقدية، ويخفض نسب البطالة.
  • ثالثا: فوز الرئيس أردوغان في الانتخابات واستقرار البلاد لخمس سنوات قد يدفع لاستقرار العلاقات السياسية بين البلدين من خلال تفعيل الاتفاقيات الاستراتيجية الموقعة بين البلدين في عام 2017. وتحقيق الاستقرار سيكون مهما لتدفق السياح السعوديين والذين بلغ عددهم قبل توتر العلاقات مليونَ سائح في السنة، ويشكلون قيمة عالية لقطاع السياحة الذي يعتبر من أهم مصادر الدخل الاقتصادي التركي، وتبلغ متوسط إيراداته سنوياً 70 مليار دولار. أيضاً ستدفع عودة العلاقات بين البلدين إلى تنشيط الاستثمارات المباشرة للمواطنين السعوديين في قطاع العقارات.
  • رابعا: مساهمة الشركات التركية في عملية بناء وتطوير البنية التحتية في السعودية وفقاً لـ "رؤية 2030" والتي تصل كلفتها إلى 3.2 تريليون دولار. فالرياض في صدد بناء مدينة نيوم، وتأسيس 4 مصانع للطائرات بلا طيار، ومصنعين لصناعة السيارات الكهربائية، بالإضافة لإنشاء خطوط المواصلات، كما أعلنت عن إنشاء أربع مدن اقتصادية. ويبدو أن مساهمة تركيا في عملية التنمية قد بدأت، فبحسب بلومبرغ، التقت شركة أرامكو مع شركات تركية بشأن مشاريع قيمتها 50 مليار دولار، وتقول إن أرامكو تخطط لتشييد مصفاة وخطوط أنابيب ومبانٍ إدارية وإنشاءات بالبنية تحتية، كما التقت أرامكو مع مسؤولين في شركات مقاولات تركية في أنقرة. ومن الجدير بالذكر أن للشركات التركية تجارب جيدة في عمليات البناء في السعودية وخاصة بعد نجاحها في بناء مطار المدينة المنورة الدولي في عام 2016.
  1. مستقبل الدور الإماراتي في الاقتصاد التركي

أعادت الإمارات تطبيع علاقاتها مع تركيا في عام 2021، وفي ذلك الوقت استثمرت 10 مليارات دولار في الأسواق التركية، وتركزت تلك الاستثمارات على القطاع المصرفي والتكنولوجيا والطاقة. ومع نهاية عام 2022 قدرت قيمة إجمالي التجارة بين الإمارات وتركيا 19 مليار دولار بزيادة قدرها 40% عن عام 2021، حيث أصبحت تركيا الشريك الأسرع نمواً بين أكبر 10 شركاء تجاريين لدولة الإمارات، فيما أصبحت الإمارات أكبر شريك تجاري عربي بالنسبة لتركيا. كما وقعت الإمارات مع تركيا في 4 مارس/ آذار من العام الجاري اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة تهدف إلى تحفيز التبادل التجاري وزيادة الاستثمارات المتبادلة بين البلدين، وخلق فرص العمل المشتركة. ومن أبرز بنود الاتفاقية خفض الرسوم الجمركية على 82% من المنتجات بين البلدين. وتسعى الدولتين إلى رفع قيمة التبادل التجاري غير النفطي إلى 40 مليار دولار سنوياً في غضون  الأعوام الخمسة القادمة، وإلى توفير 25 ألف وظيفة جديدة في الإمارات، و100 ألف وظيفة في تركيا بحلول 2031. ومن المحتمل أن تحقق الاتفاقية منفعة مشتركة للطرفين، وتحفز النمو الاقتصادي طويل الأمد والمستدام والشامل في كلا البلدين. ومن المحتمل أن تسرع الإمارات بالعمل بالاتفاقية بعد فوز الرئيس أردوغان، ودخول البلاد في مرحلة استقرار على المستوى الداخلي والخارجي.

ومن المتوقع أن تزيد الإمارات من وارداتها من السوق التركية من أجل إعادة التصدير، فالإمارات تمتلك سوقا حرة هي الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، تقوم عبرها باستيراد السلع من العديد من دول العالم وتعيد تصديرها باسم الإمارات، وقد سجلت القيمة الإجمالية لإعادة التصدير 600 مليار درهم في عام 2022.

الاستثمارات الخليجية لن تكون بمنزلة هدية مجانية لتركيا، لذلك لابد من الرئيس أن يقدم ضمانات تتعلق بمستقبل واستقرار اقتصاد البلاد. وأعتقد أن الأمر لن يقف على الربح المادي فقط بقدر المكاسب السياسية والعسكرية التي يتوقع أن تطالب بها الرياض وأبوظبي. فالسعودية بحاجة لشريك أمني قوي وموثوق يعتمد عليه في تحقيق الاستقرار في المنطقة، لأن السعودية تحاول تحقيق الاستقرار الداخلي والإقليمي بما يضمن لها نجاح عملية التنمية التي تطمح في إنجازها. وبالنظر إلى الفواعل الإقليمية الحالية قد تكون السياسة الخارجية التركية هي الأقرب منهجياً إلى السياسة السعودية، فضلا عن الدور التركي المؤثر في عدد من ملفات المنطقة. كما أن السعودية والإمارات في طور استراتيجية جديدة في تنويع علاقاتهم الدولية ومصادر تسليحهم، وقد تكون تركيا أحد مصادر السلاح الخليجي في المستقبل القريب. والأهم من ذلك أعتقد أن ثمن دعم أبوظبي والرياض للاقتصاد التركي هو الطلب من تركيا بنقل جزء من تكنولوجيا التصنيع العسكري إلى دولهم.

في السنوات الخمس المقبلة من المحتمل بشكل كبير أن يركز الرئيس أردوغان على السياسة الداخلية، وبالدرجة الأولى الاقتصاد الذي يمس المواطن بشكل مباشر لضمان ديمومة حكم حزب العدالة لعقود. لذلك سيسعى الرئيس أردوغان بالمساومة السياسية لكسب استثمارات وقروض ومشاريع من دول الخليج، والتي سيكون لها دور كبير في إعادة الاستقرار للاقتصاد التركي.