نشر موقع "ناشونال إنترست" تقريراً تحدث فيه عن البرنامج النووي في سوريا، وجهود نظام الأسد في تطوير سلاح نووي، وكيف دمرت إسرائيل هذا البرنامج مع بدايات نشوئه.
وعلى عكس العراق وإيران، لم يبذل نظام الأسد سوى القليل من الجهد لبناء وتقوية المنشآت النووية، ونظراً للقرب الجغرافي بين سوريا وإسرائيل، كان من الصعب تخيل كيف يمكن أن يمر إنشاء مشروع نووي في سوريا من دون أن تكتشفه إسرائيل.
وأشار الموقع إلى تدمير مفاعل "الكُبر" في دير الزور، حيث دمّرت مقاتلات إسرائيلية، في 6 أيلول من العام 2007، منشأة غامضة بالقرب من نهر الفرات، وحينئذ لم تتسبب الضربة في أي رد فعل يذكر من جانب النظام.
وذكر إعلام النظام أن هجوماً إلكترونياً أعاق التعبئة العسكرية الدفاعية، وحتى الاحتجاج الدبلوماسي كان خافتاً لا يذكر، كما لم تعلق أي حكومة عربية على الهجوم، ولم يعترف الإسرائيليون بالعملية إلا بعد وقت طويل.
ولم ينظر لتدمير منشأة "الكُبر" على أنه قرار مكتمل الأركان، سواء في إسرائيل أو الولايات المتحدة، إذ إن القلق من قوة الاستخبارات في أعقاب حرب العراق بقي الأبرز لواشنطن، بينما القلق من رد الفعل العربي، أو الرد العسكري المحتمل من الجانب السوري، كان مصدر القلق لتل أبيب.
هل يوجد برنامج نووي سوري؟
ويشير "ناشونال إنترست" إلى أنه كان من الصعب تقييم إلى أي مدى كانت سوريا ستبتعد عن تطوير سلاح نووي لو لم تُعرقل جهودها، فعلى الرغم من صعوبة الحصول على معلومات كاملة فيما يتعلق باهتمام سوريا ببرنامج نووي، فإنه نشأ عن تلك الضربة فجوة متزايدة في القدرات التقليدية بين سوريا وإسرائيل.
ورغم أن نظام الأسد نفى دائماً نيته تثبيت أي جزء من برنامج نووي، فإن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكدت لاحقاً أن موقع "الكُبر" كان على ما يبدو مفاعلاً نووياً.
وأوضح الموقع أنه ليس هناك شك في أن البرنامج السوري كان بدائياً مقارنة ببرامج إيران أو كوريا الشمالية، ومع ذلك فإن النظام كان بإمكانه الاعتماد على المساعدة الفنية من إحدى الدولتين، ومن المحتمل جداً أن تكون كوريا الشمالية قدمت المساعدة الفنية لتطوير منشأة "الكُبر" على نهر الفرات.
وكان النظام بحاجة إلى السيطرة على سلسلة من التحديات التقنية، وليس هناك ما يشير إلى أن البنية التحتية الاقتصادية في سوريا كانت قادرة على تحمّل التحدي المتمثل في إدارة العقبات الصناعية الخطيرة جداً التي من الممكن مواجهتها، رغم أن الاقتصاد السوري حينئذ كان أكبر من اقتصاد كوريا الشمالية، فإنه أكثر اعتماداً على استخراج الموارد، مما يجعله أقل قدرة على إدارة التحديات التقنية المرتبطة بالمحور النووي، فضلاً عن افتقار سوريا إلى الثروة النفطية الهائلة التي تتمتع بها كل من إيران والعراق خلال مساعيهما النووية.
"عقيدة بيغن"
وبعد تدمير منشأة "الكُبر"، أصبح من الواضح أن نظام الأسد لم يكن ملتزماً بدفع التكاليف اللازمة لتطوير الأسلحة النووية، وعلى عكس العراق وإيران، بذل النظام قليلاً من الجهد لتعزيز وتقوية منشآته النووية، فضلاً عن صعوبة بناء برنامج نووي في دولة معادية مجاورة لإسرائيل.
ويشير ذلك إلى أن السياسات البيروقراطية للبرنامج النووي كانت معقدة، ولم تكن سوريا قد مرت بتطويرها، حتى مع غياب الضربة الإسرائيلية، ومع ذلك، شعرت إسرائيل أنه حتى مع الاحتمال البعيد لوجود قوة نووية في سوريا، فإن ذلك يستحق المجازفة.
كما أن الضربات سيكون لها فائدة إضافية في تعزيز "عقيدة بيغن"، وهي التي رسّخها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، مناحيم بيغن، الذي شجع، بعد عملية "أوبرا" في العراق، على أن تكون الضربات الإسرائيلية على المنشآت النووية في الدول المعادية سابقة لكل حكومة مقبلة في إسرائيل.
الحرب السورية قيّدت تطوير برنامج النظام النووي
ووفق "ناشونال إنترست"، فإنه على أي حال، من المستبعد جداً أن تتمكن سوريا من تطوير سلاح نووي بنجاح، رغم أنه لم يعترضها أحد بذلك بخلاف الضربة الإسرائيلية، وخاصة مع بداية "الربيع العربي"، حيث فرضت بداية الحرب السورية ضرائب باهظة على نظام الأسد، إلى درجة جعلت من الصعوبة بمكان أن يستمر نظام الأسد في بناء أي برنامج نووي.
مع تصاعد الحرب السورية، قدّمت المعارضة السورية تعهدات على أمل أن تعزز الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي دعمها العسكري للفصائل العسكرية المعارضة، إلا أن الغرب قدّم مساعدة عسكرية محدود ومدروسة، ودعماً إعلامياً أكبر للإطاحة بالأسد.
ومن الواضح أن البرنامج النووي للنظام لم يكن ليثني الغرب أو يغير من توجهاتهم، فلم يكن من الممكن أن يستطيع الأسد إنتاج سلاح قابل للتطبيق بحلول العام 2011، ومع ذلك، فإن المعرفة بالبرنامج الحالي ربما أضعفت من مكانة الأسد في الغرب بشكل كبير، مما يجعل التدخل ضده أكثر جاذبية للولايات المتحدة والدول الغربية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنه من المفترض أن يكون البرنامج النووي السوري حقق درجة معينة من النجاح التقني فيما يتعلق بإنتاج البلوتونيوم، وتطوير التقنيات النووية المرتبطة به، فضلاً عن تدريب كادر من العلماء والمهندسين، لذلك ربما كان هذا النجاح خصوصاً ما جعل الغرب متوتراً بما يكفي لاتخاذ سياسة أكثر حزماً ضد نظام الأسد.
هل كانت غارة "الكُبر" توجيهاً نحو إيران؟
ويطرح "ناشونال إنترست" تساؤلاً حول التأثير المحتمل للحرب السورية على المعرفة والبنية التحتية التي تم تطويرها حول البرنامج النووي، وكيف وجد المهندسون والمواد طريقهم إلى أيدي "تنظيم الدولة"؟
ويضيف أن "تنظيم الدولة" سيطر على موقع "الكُبر" في عام 2014، فلو كان المفاعل نشطاً لكان نظام الأسد دافع عنه بقوة أكبر، ورغم أن التنظيم لم يكن ليتمكن من صنع سلاح صالح للاستخدام، ومن المحتمل أن تكون الولايات المتحدة أو حتى نظام الأسد قد دمّرا أي منشآت قبل أن تقع في أيدي التنظيم، فإنها تبقى مدعاة للقلق.
وفي الوقت الذي لم يكن بوسع "تنظيم الدولة" استخدام الخبرات أو المعدات بشكل مباشر، حاول الاستفادة منها عبر تصديرها، ما جعل حلفاء الولايات المتحدة الأميركية، "قوات سوريا الديمقراطية"، تسرع لتستولي على المنطقة في عام 2017.
ويختم "ناشونال إنترست" تقريره بالقول إن الضربة الإسرائيلية على سوريا ربما لم تكن حاسمة في منع نظام الأسد من الحصول على سلاح نووي، فالبرنامج كان طويلاً منذ البداية، وكان سينتهي على الأرجح مع بداية الحرب الأهلية، إلا أن الضربة ساعدت على تأكيد الإحساس الإقليمي بالقوة العسكرية الإسرائيلية بعد إخفاقات الحرب ضد "حزب الله".
كما أنها أقنعت، بلا شك، كلاً من واشنطن وطهران بأن إسرائيل ستفكر في استخدام القوة العسكرية لمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية، وذلك أدى بدوره إلى توجيه استراتيجيات التفاوض إلى جميع الأطراف في خطة العمل الشاملة المشتركة، وهي مستند الاتفاقية حول برنامج إيران النووي، والتي لا تزال تحكم علاقات إيران مع المجتمع الدولي.