في الذكرى السنوية الخامسة لتدخلها العسكري في سوريا، لم تجد روسيا أي جديد تعلن عنه، باستثناء "إنجازات سابقة" في مجال التصدي لما سمته "الإرهاب" ودعم الأسد.
أما التعاون مع تركيا وإيران في سوريا، فلم يعد من "النجاحات" التي يتفاخر بها الجنرالات الروس، وعوضا عن ذلك يعبرون عن مخاوفهم من تعزيز إيران نفوذها في سوريا، وتأثيره بصورة خاصة على تمويل إعادة الإعمار، والعملية السياسية.
وفي الأثناء رأت صحيفة روسية أن الانجازات في المجال العسكري ليست سوى جزء وأنه، بعد مضي خمس سنوات لا تزال أمام روسيا تحديات جمة في سوريا، وشككت بقدرة روسيا على تحقيق نجاح سياسي عبر مسار الدستورية في جنيف.
وزير الدفاع الروسي يكتب افتتاحية "النجمة الحمراء"
وإذ يكشف غياب الموضوع السوري عن العناوين الرئيسية في الصحف الروسية تراجع اهتمام الرأي العام المحلي بالتدخل العسكري في سوريا، فإن هذا الاهتمام لم يتراجع بالنسبة لوزارة الدفاع الروسية، التي ترى في ذلك التدخل "عملية فريدة" على حد تعبير وزير الدفاع سيرغي شويغو، في مقال طويل كتبه بمناسبة "خمس سنوات على العملية في سوريا"، بعنوان "على الخطوط الأمامية في مواجهة الشر العالمي"، ونشره في صحيفة "النجمة الحمراء"، الصادرة عن وزارته.
ويمكن القول إن المقال لم يحمل أي جديد، إذ ركز على الوضع في سوريا قبل التدخل الروسي، وأشار إلى أن "القضية حين بدء العملية في سوريا كانت قضية استمرار وجود الدولة ككيان (...) وتوقع كثيرون انهيارها"، لافتا إلى أنه نتيجة تلك العملية تم القضاء عمليا على تنظيم "الدولة" بحسب تقديره، وعرض بعض التفاصيل العملياتية، فضلا عن التحضيرات لتلك العملية وكيف تم سرا نقل القوات إلى سوريا، وغيرها من معطيات لا جديد فيها.
ويتفق الجنرال المتقاعد سيرغي تشفاركوف، قائد مركز المصالحات الروسي في سوريا عام 2016، مع تقديرات وزير دفاعه بأن "نتائج استخدام القوات الجوية الروسية في سوريا واضحة، وهي منع انهيار الدولة، والقضاء على المجموعات الإرهابية الأكثر قدرات قتالية، وإعادة أجزاء كبيرة من البلاد تحت سيطرة الحكومة". وأقر الجنرال الروسي صراحة بأن "الدعم الروسي للأسد وقواته جرى بالتعاون مع ميليشيات "القدس" وتشكيلات موالية وميليشيات شيعية. وبعد تأكيدات روسية طيلة السنوات الماضية أن العمليات كانت ضد "الإرهابيين"، ولم تستهدف مجموعات المعارضة المعتدلة، كشف تشفاركوف حقيقة ما كان يجري، حين قال إن ذلك التعاون في دعم الأسد، ساعد في القضاء على المجموعات الأقوى في "تنظيم الدولة"، فضلا عن "تدمير البؤر المستقرة لما يُسمى معارضة معتدلة ومعارضة متعنتة في محافظات حلب ودمشق وحماة وحمص". وحمل قوات التحالف الدولي المنتشرة في بعض المناطق السورية المسؤولية عن فشل النظام وقواته في "تحقيق نجاحات أكبر عسكريا".
مع حديثه عن "نجاحات" السياسة الروسية في سوريا، ورغم تأكيده على دور وأهمية التنسيق الروسي مع كل من تركيا وإيران خلال العمليات، كشف الجنرال الروسي بوضوح ولأول مرة عن المخاوف الروسية من دور البلدين.
توجس من أثر النفوذ الإيراني في سوريا
وبعد إشارته إلى اتفاقيات اقتصادية بين دمشق وطهران حذر من أن "تنفيذ تلك الاتفاقيات سيؤدي من جانب أول إلى تعزيز موقف إيران في سوريا، وتقوية ارتباط الأسد بطهران، ومن جانب آخر فإن التمويل الإيراني للمجموعات الشيعية ومحاولة التشييع في المناطق السنية الأصيلة، سيؤدي إلى توتر في العلاقات مع السنة والأكراد داخل سوريا".
ويرى كذلك أن "استمرار تعزيز إيران موقفها في سوريا، سيخلق جملة من العقبات الجدية أمام المضي في الإصلاحات وتطوير العملية السياسية".
وفي تصريحات تؤكد أن روسيا تركز الآن على تهيئة الأجواء لجني "الثمار الاقتصادية" في سوريا عبر إعادة الإعمار، وبالتالي هي معنية بإزالة العقبات أمام تمويل تلك العملية، عبر تشفاركوف عن قلقه من أن تعزيز إيران موقفها في سوريا سيؤدي إلى "تعقيدات في العلاقة مع إسرائيل والولايات المتحدة وتركيا والعالم العربي السني"، ويرى أن هذا "سيزيد من تعقيد مهام تأمين مصادر تمويل بديلة لإعادة إعمار سوريا"، موضحاً أن "جهود روسيا وإيران وحدهما لن تكون كافية لذلك".
ويحذر بالتالي من أن "عدم توفير الموارد المالية لتلك العملية لن يسمح بتحقيق نجاح ملموس في إعادة بناء البنى التحتية، وفي العملية السياسية، ولا في مجال إعادة اللاجئين، وإجراء إصلاحات في الجيش والأمن.
هذا فضلا عن أن توسيع النفوذ الإيراني لن يؤدي إلى إلغاء محتمل للعقوبات الأميركية، يستحيل معها الحصول على تقنيات عصرية ومعدات ضرورية لإعادة تأهيل الاقتصاد، وجميع مجالات نشاط الدولة عمليا"، على حد قوله.
وفي حديثه عن موقف أنقرة قال القائد السابق لمركز المصالحات الروسي في حميميم إن هذا الموقف "ينطلق من التطلعات العثمانية للنظام الحاكم في تركيا"، واتهم أنقرة بأنها "تعمل حاليا على تشكيل مناطق حكم ذاتي مؤيدة لها في شمال وشمال غربي سوريا"، وأضاف: "هذا يشير بوضوح إلى أنهم على ما يبدو أتوا إلى هذا البلد للبقاء إلى الأبد".
ورأى أن هذا الأمر يوضح موقف تركيا الذي وصفه "سلبي" بشأن تنفيذ الاتفاقيات المتعلقة بالوضع في إدلب. وزاد بأن اتهم بشكل غير مباشر تركيا بتزويد "هيئة تحرير الشام" بأنظمة درونات وراجمات صواريخ متطورة تطال قاعدة حميميم، وذلك حين أشار إلى هجمات شنتها "الهيئة" على القاعدة بواسطة مثل تلك الأنظمة، لافتا إلى أنها "ربما تكون تركية وبأعجوبة ما أوصلتها إلى الهيئة".
موسكو ما تزال تواجه تحديات على الساحة السورية
إلى ذلك ومن تغطيات محدودة في الصحف الروسية لمرور خمس سنوات على التدخل العسكري في سوريا، كان لافتا مقال بتوقيع "إدارة التحرير" نشرته صحيفة "نيزافيسمايا غازيتا"، تحت عنوان "موسكو ما تزال تواجه تحديات على الساحة السورية"، استهلته بعرض سريع لتاريخ تلك العملية، ومن ثم قالت إنه في 30 أيلول 2020 تكون خمس سنوات قد مضت على التدخل العسكري في سوريا "إلا أنه حتى الآن لم يتم حل الكثير من قضايا الملف السوري"، وأشارت بصورة خاصة إلى أن "مشكلة انتقال السلطة في سوريا تبقى العقبة الأبرز وليس أمام الاصلاحات السياسية فحسب، بل وأمام الحصول على الدعم الدولي الضروري جدا لإعادة الإعمار". أما العملية الدستورية في جنيف، التي تعول روسيا عليها، فترى الصحيفة أنها "غير قادرة على إحداث أي تغيير جذري". وتنتقل بعد ذلك إلى "وحدة الأراضي السورية" وتقول بهذا الصدد إن سوريا باتت مقسمة الآن إلى مناطق نفوذ بين مختلف القوى، بينها تركيا وقسد. فضلا عن ذلك فشلت روسيا في تحقيق هدف أشار له خبراء، بأن تتمكن من بناء علاقات شراكة مع الولايات المتحدة عبر سوريا، حسب الصحيفة الروسية.