ينبغي على بريطانيا أن تواجه مجموعات الارتزاق الروسية بحسب ما ذكره وزير الدفاع البريطاني، وذلك بمجرد أن ظهرت صور مأخوذة عبر الأقمار الصناعية تكشف كيف يقوم فلاديمير بوتين بمد جيشه الخاص بالدبابات والطائرات.
وعن هذه المجموعة يعلق بين والاس فيقول بأنها تمثل قوات تضم مرتزقة يديرها شخص يُعرف بطباخ بوتين، وهي تعكس كيف تتغير الحرب العصرية بشكل سريع.
هذا وقد أتى تعليق وزير الدفاع البريطاني بعد الكشف عن تلك الصور التي التقطت لصالح جهاز الاستخبارات في بريطانيا والتي تظهر مجموعة فاغنر وهي تستخدم معدات عسكرية روسية نظامية في ليبيا، مما يوحي بالنتيجة بأن هذه المجموعة جزء مسكوت عنه من جيش الكرملين.
ويعتقد خبراء في مجال الأمن بأن مجموعة فاغنر تستخدم بلا ريب لاستعراض القوة العسكرية التي تتمتع بها موسكو، وذلك عبر دعم الأنظمة الضعيفة أو التي فقدت شرعيتها، حيث يتم ذلك غالباً من خلال الدعم العسكري المباشر من قبل الجيش الروسي.
وقد نشطت هذه المجموعة في سوريا وليبيا والصحراء الكبرى بأفريقيا على وجه الخصوص، حيث يكافَأ من يقدم الدعم العسكري بإطلاق يده في مجال مخزون الطاقة والذهب وغير ذلك من المعادن الثمينة الموجودة في تلك البلاد.
ولهذا حذر مسؤولون أمنيون بريطانيون من أن الاستعانة بتلك القوات غير النظامية يعكس مدى التهديدات التي يمكن لتلك الدولة أن تشكلها تحت العباءة التقليدية للنزاع المسلح.
وقد علق بين والاس على ذلك بالقول: "إن هذه الجماعات الغامضة التي تتلقى الدعم اليوم بكل وقاحة من قبل جيوش ذات تدريب عال وتمويل جيد ما هي إلا بداية مشكلة معقدة لا بد أن تعترض القوات المسلحة الغربية، ولذلك يتعين على المملكة المتحدة وحلفائها أن يعدّوا العدّة للوقوف في وجه جماعات الارتزاق هذه وأن يطوّروا مرونتهم أمام تلك التأثيرات الخبيثة التي تحملها تلك الجماعات. كما ينبغي منازعتهم في المجال الذي يعملون فيه، وإلا ستفلت تلك القوات الأمنية الخاصة من عقالها، بما أنها لا تخضع لقيود القوانين الدولية التي تحكم الجيوش النظامية، وعندئذ ستقوم تلك المجموعات بتنفيذ أنشطة لصالح دولة ما وبوسع تلك الدولة أن تنكر تلك الأنشطة وأن تتنصل منها إلى جانب تمتعها بالحصانة وإفلاتها من العقاب".
وحذرت الحكومة البريطانية في أحدث مراجعة شاملة لها بالنسبة للسياسة الخارجية والدفاع والأمن والتنمية من الدول المعادية للمملكة المتحدة والتي أصبحت: "تتعاون بشكل متزايد مع عناصر فاعلة لا تمثل أي دولة حتى تحقق أهدافها، ويشمل ذلك الوكلاء في النزاع، لأن ذلك يساعدهم على الإنكار ومسح الخط الفاصل بين تهديدات الدولة وغير ذلك من أشكال التهديدات الأمنية، مثل الإرهاب والجريمة المنظمة" كما ورد في تلك المراجعة.
روسيا تعمل ضمن المنطقة الرمادية
يعتقد أن هذه الصور التي تم نشرها والتخلي عن سريتها قد وصلت عبر أقمار تجسس صناعية أميركية، وتظهر منظومات دفاع جوي روسية من طراز SA-22 مع طائرة شحن عسكرية من طراز IL-76 ومركبات مصفحة مضادة للألغام وهي تعمل في البلاد.
ثم إن الخلط بين الأصول العسكرية وغير العسكرية يعد مثالاً لما وصفه السيد والاس: "بالعمل ضمن المنطقة الرمادية".
إذ تعتقد وكالات الاستخبارات الأميركية بأن روسيا قامت وبشكل مباشر بتزويد مجموعة فاغنر في ليبيا بطائرات حربية مقاتلة وعربات مصفحة ونظم دفاع جوي وغير ذلك من المعدات العسكرية.
في حين كشفت الصور التي نشرتها القيادة الأميركية في أفريقيا عن مجموعة عسكرية روسية حديثة موجودة في ليبيا، وقد تم استخدامها إما من قبل مجموعة فاغنر أو من قبل القوات الروسية النظامية لدعم تلك الشركة العسكرية الخاصة.
وفي ذلك خرق واضح لقرار مجلس الأمن رقم 1970، والذي تمت الموافقة عليه بالإجماع في عام 2011، حيث تم الاتفاق على حظر توريد السلاح أو الجنود للنزاع القائم في ليبيا.
وقد تحدث وزير الدفاع حول ذلك فقال: "إن صوراً كهذه يجب أن تدفعنا إلى تغيير تفكيرنا حول التهديد، بما أن التهديد يتمثل بما صدر في وثيقة القيادة التي نشرت مؤخراً والتي وضعت قواعد للقوات المسلحة الجديدة والمعاصرة".
مجموعة مضللة ذات أصول مشبوهة
كأغلب الأمور التي تحيط بمجموعة فاغنر، نشعر بأن أصولها مشبوهة.
إذ يرى خبراء في مجال الأمن بأن صوراً لضحايا من الجيش الروسي العائدين من أفغانستان خلال ثمانينيات القرن الماضي قد قوضت وبشكل كبير الاتحاد السوفييتي الذي كان قائماً حينذاك، كما ساعدت على انهيار ذلك النظام.
ويعتقد بأن الكرملين قد شجع على الاستعانة بمصادر خارجية للقيام بأنشطة عسكرية وذلك لتفادي أي أخطار مشابهة قد تظهر مستقبلاً.
وهكذا فإن مجموعات كهذه تقوم بتدريب الجيوش وحماية القادة وتأمين مصادر الطاقة والموارد الطبيعية، مثل الذهب والماس والمعادن النادرة.
وبالمقابل تمنح مجموعات المرتزقة تلك في أغلب الأحيان امتيازات حصرية ورخصاً لشراء الأسلحة والأجهزة التقنية المتطورة والموارد الطبيعية.
ولهذا تفضل روسيا اليوم الاستعانة بقوات عسكرية لا يمكن أن تنسب إليها في مناطق مثل أوكرانيا أو سوريا أو ليبيا أو جمهورية أفريقيا الوسطى، وذلك لتحقق أغراضها السياسية من جهة، ومن جهة أخرى ليتحول ذلك إلى وسيلة لجمع المال.
إذ يتوق الرئيس بوتين لتوسيع نفوذ روسيا في أفريقيا على وجه الخصوص، أما ليبيا فغنية بالنفط وبوسعها أن تتحكم بتدفق المهاجرين إلى جنوب أوروبا.
وخلال العام المنصرم، ورد في تقرير صادر عن وزارة الخارجية الألمانية بأن روسيا كانت: "قد ضمنت عبر التعاقد بأن يسمح لها بناء قواعد عسكرية في ست دول"، وهي جمهورية أفريقيا الوسطى، ومصر، وأريتريا، ومدغشقر، وموزامبيق، والسودان.
كما ورد في تلك الوثيقة السرية بأن فلاديمير بوتين وضع أفريقيا في أعلى رتبة ضمن سلم أولوياته.
معركة تدمر
إن طبيعة الروابط بين موسكو ومجموعة فاغنر ليست واضحة المعالم، ولهذا أشار مسؤولون أميركيون إلى أن تلك القوات قد تمت الاستعانة بها في سوريا لتأمين مرافق النفط لصالح نظام الأسد، مع حصول موسكو على تعويض يناسبها.
بيد أن إحدى تلك العمليات التي جرت في عام 2018 تمخضت عن اصطدام مباشر مع القوات الأميركية وذلك عندما قامت قوات نظام الأسد التي يزعم بعضهم أنها كانت تدعم مقاتلي مجموعة فاغنر، بمحاربة القوات الأميركية بالقرب من دير الزور.
ونتيجة لذلك قتل نحو 200 مرتزق روسي وجندي تابع للنظام بسبب نيران استهدفتهم من الجو وعلى الأرض، من دون أن تظهر أي إصابة بين صفوف الجنود الأميركان.
ويعتقد بعض المسؤولين الأمنيين الغربيين بأن تلك الإهانة إلى جانب الاعتماد المستمر على دعم الجيش الروسي النظامي قد تسببت بإفساد العلاقة بين بريغوزين، 59 عاماً، ووزير الدفاع الروسي وقائد الجيش سيرغي شويغو، 65 عاماً.
ويحكي لنا مقاتل سابق لدى مجموعة فاغنر، كيف اختلف بريغوزين وشويغو حول المعركة التي قامت من أجل مدينة تدمر السورية في عام 2016، حيث كشف ذلك الخلاف على ما يبدو عن روابط وثيقة بين الدولة الروسية وتلك الشركة العسكرية الخاصة التي يمكن التبرؤ منها في أي لحظة، فقد ورد على لسان ذلك الرجل ما يلي: "قبل تدمر، كانت كل الأمور بخير، وكان الدعم يصل من قبل الجيش الروسي، وعندما تمت استعادة تدمر للمرة الأولى، كان لدى هذه الشركة العسكرية الخاصة دبابات من نوع T-90 ومدافع مزودة بقاذف، ورشاشات تايغر، وناقلات جنود مصفحة. ولكن عندما أبلغ شويغو رئيس الأركان بأننا استعدنا تدمر، غضب بريغوزين مدير شركة فاغنر، وهذا ما دفعه للقول: من استعاد تدمر هو نحن وليس أنت! فقد سيطرت مجموعة فاغنر على كل المرتفعات المحيطة بتدمر، وبعد ذلك توجهت قطعات من وزارة الدفاع بهدوء وتوغلت في عمق البادية، من دون أن تواجه أي مقاومة تذكر. أي أن عملية الهجوم الأصعب نفذتها فاغنر".
ويخبرنا هذا الرجل أنه بعد ذلك الشجار، انقطعت جميع المعدات العسكرية المتطورة وأصبح على مجموعة فاغنر أن تعتمد على معدات قديمة أو منهوبة.
ويعتقد أن لدى مجموعة فاغنر مقاتلين يصل تعدادهم إلى ثلاثة آلاف مقاتل، بالرغم من أنه لم يتضح ما إذا كانوا بأجمعهم متعاقدين عسكريين من القطاع الخاص أو يخدمون بشكل نظامي لدى الجيش في مفارزهم.
موسكو تختبئ خلف إنكار الأمر بطريقة منطقية
صوّت مجلس الدوما الروسي في آذار من العام 2018 على سحب الشرعية من الشركات العسكرية الخاصة واعتبارها غير قانونية.
إلا أن الرئيس فلاديمير بوتين ذكر في المؤتمر الصحفي الذي يعقده سنوياً، والذي صادف شهر كانون الأول من العام نفسه: "طالما ظلت الشركات العسكرية الخاصة لا تخالف القانون الروسي، فلديها الحق بالعمل وبالسعي وراء مصالحها التجارية في أي بقعة من بقاع الأرض".
وفي شهادة أمام لجنة الشؤون الخارجية الأميركية أدلت بها البروفسورة كيمبرلي مارتن من قسم العلوم السياسية لدى جامعة كولومبيا خلال العام الماضي، ذكرت هذه السيدة بأن الإبقاء على عدم شرعية الشركات العسكرية الخاصة في روسيا قد عزز من إمكانية إنكارها بطريقة معقولة أمام الدولة الروسية، وذلك عبر السماح للكرملين بالنأي بنفسه بعيداً عن أي تصرفات شائنة أو محفوفة بالمخاطر قامت بها تلك المجموعات.
حيث رأت تلك البروفسورة بأن عدم شرعية تلك الشركات يحقق هدفين أيضاً أولهما: ضمان ولاء تلك الجماعات للكرملين وبوتين شخصياً، ثانيهما: "فرض قيود على السوق مع ضمان استفادة المقربين من بوتين من تلك الأنشطة، وبذلك يمكن ملاحقة أي شخص من خارج دائرة بوتين ومعارفه قضائياً في حال حاول أن يؤسس مجموعة كهذه، كما يجوز حبسه بتهمة الارتزاق".
وقد تحدثت البروفسورة مارتن كيف نال بعض العناصر من مجموعة فاغنر الذين قتلوا في المعارك ميدالية الشجاعة عند الموت وهي ميدالية عسكرية روسية، تمنح عادة للعناصر النظامية فقط.
وأظهرت مقاطع فيديو لتحديد الموقع الجغرافي عناصرَ فاغنر في معركة ديبالتسيف شرقي أوكرانيا في شهر كانون الثاني من عام 2015، برفقة شاحنات مصفحة جديدة روسية من طراز BPM-97 Vystrel، وفي ذلك دليل آخر على تعاون تلك المجموعة من الدولة الروسية. وفي كانون الأول من عام 2016، حصل زعيم فاغنر ديمتري أوتكين على ميدالية الشجاعة التي قدّمها له بوتين في الكرملين.
وتعلق البروفسورة مارتن على ذلك بالقول: "بناء على العلاقة الغامضة بين ذلك العمل التجاري، والحكومة، وأصدقاء بوتين، والقانون في روسيا، علينا ألا نعتبر مجموعة فاغنر مثالاً لشركة خاصة، بل إن المصطلح الذي يناسبها هو شركة عسكرية خاصة أو مجموعة ارتزاق، كونها مجموعة أمنية يمكن أن تكون غير رسمية وشبه حكومية".
من هو ييفغيني بريغوزين طباخ بوتين؟
جمع هذا الرجل ثروته من خلال عقود الإطعام المربحة التي أبرمها مع الكرملين، ولهذا أصبح يعرف باسم طباخ بوتين.
ثم أسس مجموعة فاغنر بعدما خرجت تلك المنظمة من رحم شركة عسكرية خاصة سبق لها أن مُنيت بالفشل.
وفي عام 2013، تم تسجيل مجموعة تحمل اسم الفيلق السلافوني كشركة في هونغ كونغ، وقامت تلك الشركة بعملية ارتزاق في سوريا لكنها منيت بالفشل، حيث ساعدت عاصفة رملية في إخفاء أمر انسحاب هؤلاء المرتزقة بعدما تكبدت تلك المجموعة خسائر فادحة، بيد أن السلطات الروسية لم يعجبها ما حصل.
يذكر أن الفيلق السلافوني أسس على يد مواطنين روسيين: اسم الأول فاديم غوسيف والثاني ييفغيني سيدوروف، اللذين كانا حينئذ مجرد موظفين لدى شركة عسكرية خاصة تعرف باسم مجموعة موران الأمنية.
وقد حبس كلا الرجلين في عام 2014 بعد تلك الهزيمة المدوية، ولكن تم إطلاق سراح كل مقاتلي الفيلق السلافوني، وكان من بينهم ديميتري أوتكين وهو عضو سابق في المخابرات العسكرية الروسية ولد في أوكرانيا، وقد أسس هذا الرجل شركة جديدة مع العديد من المقاتلين السابقين لدى مجموعة موران الأمنية.
وبعد رعاية ييفغيني بريغوزين لأوتكين الذي يعدّ من المعجبين بالرايخ الثالث، أطلق هذا الرجل على تلك المنظمة اسم مجموعة فاغنر تيمناً بالمؤلف الموسيقي المفضل لدى هتلر.
وثمة صور لأوتكين في حفل استقبال جرى بالكرملين في التاسع من كانون الأول من العام 2016، حيث تم تقليده وسام الشجاعة، نظير خدماته التي قدمها في أوكرانيا، بحسب ما أورده مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.
وبالإضافة إلى مجموعة فاغنر، يعتقد بأن بريغوزين هو الراعي أيضاً لوكالة أبحاث الإنترنت في سانت بطرسبرغ، وهي عبارة عن شركة تسعى لتضليل الناس عبر الشابكة، ويعتقد أنها مسؤولة عن طرح معلومات مغلوطة والتدخل في المؤسسات الديمقراطية في دول معادية لموسكو.
ولهذا قامت السلطات الأميركية بفرض عقوبات على بريغوزين لاستعانته بحسابات إنترنت زائفة وبالتضليل الإعلامي في محاولة منه للتأثير على الانتخابات الرئاسية النصفية الأميركية التي جرت في عام 2018.
فقد ذكر وزير الخزانة الأميركية حينئذ، السيد ستيفن منوتشين بأن: "وزارة الخزانة تستهدف الطائرات واليخوت والشركات الخاصة التي تستخدم كواجهة لييفغيني بريغوزين وهو ممول روسي يقف وراء وكالة أبحاث الإنترنت ومحاولاتها لتخريب العمليات الديمقراطية الأميركية".
ورداً على ذلك صرّح بريغوزين بالآتي: "الأميركيون حساسون للغاية، فهم يرَون ما يريدون أن يرَوه. ولهذا لم أنزعج البتة لورود اسمي في هذه القائمة، فإن كانوا يودون أن يرَوا الشيطان فلندعهم يروه بأم أعينهم".
ثم انتشرت إشاعات عبر الإعلام الروسي ووسائل التواصل الاجتماعي في تشرين الأول من عام 2019 حول مقتل بريغوزين في حادثة تحطم طائرة عسكرية روسية كانت تقوم بنقل أسلحة في جمهورية الكونغو الشعبية.
ولكن لم ترشح أية أدلة تثبت تلك المزاعم، كما لم يظهر بريغوزين على الملأ منذ ذلك الحين، بما أنه لم يكن شخصية عامة ومشهورة للغاية في يوم من الأيام بحسب ما ترى البروفسورة مارتن التي علقت على ذلك الخبر بالقول: "من المنطقي أن نفترض حالياً بأنه ما يزال على قيد الحياة".
المصدر: تيليغراف