يواصل عداد الموتى بسبب زلزالي سوريا وتركيا تصاعده، بعد خسارة أكثر من 40 ألف إنسان، ومن المرجح لهذا الرقم أن يرتفع أكثر خلال قادم الأيام مع إزالة الركام والردم، لتنضم تلك الكارثة لقائمة أكثر خمسة زلازل مدمرة في العالم خلال العقدين الماضيين.
تمحور التركيز على الأرواح التي فقدناها عقب الزلزالين، إلا أن هنالك الكثير من النفوس التي ما تزال مهددة بالموت خلال الأشهر القادمة، إذ في الوقت الذي يصعب فيه تعقب تلك الأخطار، بوسعنا أن نحلل من خلال حالات مماثلة بأن حصيلة الموتى لابد وأن ترتفع عند عدم توفر ما يكفي من الرعاية الطبية والمياه النظيفة والمأوى عقب وقوع تلك الكوارث.
بل يمكن لتلك الأزمات الثانوية أن تخلف آثاراً مدمرة، كما حدث في كوارث أخرى في العالم.
حصيلة القتلى يمكن أن ترتفع بعد فترة طويلة
بعدما ضرب إعصار ماريا بورتو ريكو في عام 2017، بلغت حصيلة الموتى الرسمية 64 قتيلاً، لكن سرعان ما تم تعديلها لتصل إلى نحو ثلاثة آلاف بعد مرور ستة أشهر على الإعصار، وقد عزيت تلك الزيادة الهائلة إلى تراجع الظروف الصحية بسبب خسارة البنية التحتية والخدمات الأساسية.
وفي شمال غربي سوريا، خلف النزاع الذي امتد لأكثر من عقد من الزمان البنية التحتية في حالة يرثى لها، حيث قدر البنك الدولي في عام 2017 بأن أكثر من ثلث مساكن السوريين قد تضررت أو دمرت خلال النزاع.
وفي مؤشر على الوضع المتقلقل للمباني قبل الزلزال، انهار مبنى مؤلف من خمسة طوابق خلال الشهر الماضي، فتسبب بمقتل 16 شخصاً، كما تمثل الأبنية التي تعرضت للقصف تهديداً مستمراً زاد من حدته وقوع هذا الزلزال.
انهيار مبنى مؤلف من خمسة طوابق في حلب قبل أسبوعين على الزلزال
أتى الزلزال أيضاً عقب تفشي الكوليرا في سوريا، دون أن تلقى سوى النذر اليسير من الاهتمام.
بعد الزلزال الذي ضرب هاييتي في عام 2010، احتاج تفشي الكوليرا التي أتى بها العاملون في المجال الإنساني لعقد من الزمان حتى يتم القضاء عليها، حيث أصيب أكثر من 820 ألف إنسان بهذا المرض، وتوفي بسببه نحو 10 آلاف نسمة.
حدث زلزال الأسبوع الماضي وسط شتاء صقيعي، فأصبحت معظم الأسر النازحة بسببه تقيم في العراء وسط البرد بعدما خسرت بيوتها، وقد وصلت درجة الحرارة في كهرمان مرعش التي كان فيها مركز الزلزال وفي عموم المناطق التي تضررت بسببه إلى -5 مئوية.
ولذلك يجب أن تتحول مسألة تشييد مأوى لحماية هؤلاء الناس إلى نقطة تركيز أساسية لعملية تطوير الاستجابة الإنسانية.
السوريون يعانون بالأصل
كانت الأوضاع في سوريا بالأصل مزرية قبل وقوع الزلزال، إذ في شمال غربي سوريا، أصبح 90% من مجموع السكان البالغ عددهم 4.6 ملايين نسمة يعتمدون على المساعدات الإنسانية في تلبية احتياجاتهم الأساسية.
كما بقي أمر إدخال المساعدات الإنسانية إلى شمال غربي سوريا أمراً معقداً، نظراً لوجود معبر حدودي وحيد مفتوح أمام تلك المساعدات، وهو معبر باب الهوى الذي تم التواسط من أجل فتحه أمامها في مجلس الأمن الدولي. وكدليل على وجود كثير من المصاعب التي تتصل بعملية تمرير المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا، لم تتمكن سوى قافلتي مساعدات فحسب من العبور من تركيا إلى سوريا خلال الأسبوع الماضي.
وفي عطلة نهاية الأسبوع، وافقت الولايات المتحدة على منح إعفاء من العقوبات لمدة ستة أشهر وذلك فيما يتصل بالمساعدات المخصصة للمنكوبين بسبب هذه الكارثة في سوريا، مما مهد الطريق أمام فتح ممرات بديلة للوصول إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. بيد أن النظام السوري طالب بتسليم كل المساعدات الإنسانية من خلال حكومته المثقلة بالأصل بمشكلات وأمور تتصل بتاريخها الطويل في مجال سرقة المساعدات طوال العقد الماضي.
عبور قافلتين للجانب التركي خلال الأسبوع الأول من وقوع الزلزال
طريق التعافي الطويل
مع استمرار عمليات الإنقاذ مع دخول كارثة الزلزال أسبوعها الثاني، صار الأهالي يتوقون لحالة التعافي، ولهذا تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإعادة بناء المناطق التي ضربها الزلزلان في غضون عام، في حين يشتد التحدي بالنسبة للمجتمعات في سوريا فيما يتعلق بإعادة البناء والإعمار بسبب النزاع والآن بسبب الزلزال.
تعلمنا دروساً أخرى من كوارث مماثلة بأن المجتمعات المتضررة قد بدأت لتوها بالسير على الطريق الطويل نحو التعافي وإعادة الإعمار.
ومع اتضاح التحديات المستمرة بالنسبة لإدخال المساعدات الإنسانية، من الضروري أن تصبح المنظمات المحلية التي تعمل في شمال غربي سوريا في عين هذه الاستجابة، فقد لعبت منظمة الخوذ البيضاء أو الدفاع المدني السوري وغيرها من المنظمات المحلية دوراً محورياً خلال فترة النزاع التي امتدت لعقد من الزمان، ولا شك أنها ستبلي بلاء حسناً مرة أخرى خلال الأسابيع والأشهر المقبلة.
لقد كان الزلزلان الأخيران بمثابة فرصة لكسر الحدود السياسية التي أعاقت عملية إعادة إعمار سوريا، بيد أن حالة الضعف والتردي التي ساءت وتضاعفت بفعل هذه الكارثة لا يمكن التوصل إلى حل لها بسهولة، وهذا الحل لابد وأنه متجذر وبشكل عميق ضمن البنى الاجتماعية والسياسية في كل من سوريا وتركيا.
كيف يمكنك المساعدة؟
قد تغريك عزيزي القارئ فكرة التبرع بمنتجات وأشياء مادية، ولكن من الأفضل التبرع بالأموال لدعم الجهود الإنسانية بدلاً من إرسال المواد العينية، وذلك لأن المال يسمح للمنظمات الإنسانية بالتكيف بصورة سريعة مع الاحتياجات المتغيرة، كما يمنح الأسر والأهالي القدرة على التأقلم ليحددوا أولوياتهم بالضبط.
ثم إن صندوق سوريا للمساعدات الإنسانية عبر الحدود يساعد الشركاء في العمل الإنساني، لاسيما المنظمات السورية العاملة على الأرض، على الوصول إلى أصعب المناطق المتضررة بفعل الزلزال.
المصدر: The Conversation