كيف أثرت العقوبات الاقتصادية في الروبل الروسي؟

2023.08.05 | 06:32 دمشق

كيف أثرت العقوبات الاقتصادية على الروبل الروسي؟
+A
حجم الخط
-A

عندما فُرضت العقوبات في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022، فقد الروبل في البداية أكثر من 60٪ من قيمته مقابل الدولار الأميركي، لكنه تعافى بالكامل بعد ذلك، مما أثار تكهنات بخصوص جدوى العقوبات الغربية ومدى تأثيرها على سعر صرف العملة الروسية.

كان الغزو الروسي لأوكرانيا بمنزلة تذكير بأهمية الجغرافيا السياسية للاقتصاد الدولي، بسبب ما أثاره من فوضى في أسواق السلع والطاقة وتسببه بواحدة من أسوأ موجات التضخم على الصعيد العالمي.

عندما فرضت الدول الغربية حزم العقوبات على الاقتصاد الروسي، انهار سعر الروبل ودخل في سوق هابطة أمام العملات الرئيسية الأخرى، فقد الروبل أكثر من 60 ٪ من قيمته مقابل الدولار الأميركي. ثم تعافى بالكامل ليعود إلى مستوياته قبل الحرب، ليعاود الانخفاض مع بدء الهجوم الأوكراني المعاكس من جهة وانخفاض أسعار الطاقة على المستوى العالمي وازدياد عجز الحساب الجاري الروسي.

طرحت حركة سعر صرف العملة الروسية تساؤلات كثيرة حول جدوى العقوبات الاقتصادية الغربية في التأثير على الاقتصاد الروسي الكلي.

إن فرض عقوبات على الصادرات والأصول الاحتياطية الرسمية يقلل المعروض من العملات الأجنبية، ويؤدي إلى انخفاض سعر صرف العملة الوطنية

من خلال دراسة تاريخ العقوبات الاقتصادية وتأثيرها على سعر الصرف، يتبين أن حركة سعر الصرف تتوقف على طبيعة العقوبة المفروضة، فمثلا إن فرض عقوبات على الصادرات والأصول الاحتياطية الرسمية يقلل المعروض من العملات الأجنبية، ويؤدي إلى انخفاض سعر صرف العملة الوطنية، في حين أن فرض عقوبات على تجميد الواردات يقلل من الطلب على العملات الأجنبية ويجبر الدولة الخاضعة للعقوبات على تحويل الإنفاق نحو السلع المحلية، مما يؤدي إلى ارتفاع حقيقي للعملة.

تعتبر الفترة من 1914 إلى 1945 هي أكثر الفترات التي شهدت فرض عقوبات اقتصادية مشابهة للسيناريو الروسي، وهي حقبة استُهدفت فيها الاقتصادات الكبيرة والصغيرة بالعقوبات المتعددة الأطراف. من حصار قوى عالمية كبيرة خلال الحرب العالمية الأولى إلى غزو إثيوبيا من قبل إيطاليا وتجميد الولايات المتحدة للأصول الأجنبية خلال الحرب العالمية الثانية.

البلدان التي واجهت عقوبات اقتصادية خلال الحرب العالمية الأولى وفترة ما بين الحربين كانت بحجم اقتصادي مماثل لحجم الاقتصاد الروسي اليوم - نحو 2-3٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي والتجارة. وكانت البلدان التي واجهت عقوبات اقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية في المتوسط أصغر بعشر مرات، حيث شكلت نحو 0.2-0.3 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

يمكن الاستنتاج أن تأثير العقوبات على سعر الصرف على نوع العقوبة المفروضة، والتوازن بين العرض والطلب على العملة، وعوامل أخرى مثل الوضع الاقتصادي العام للبلد الخاضع للعقوبات والتي تتلخص في ما يلي:

  1. عقوبات على قطاع الاستيراد: تقلل الطلب على العملات الأجنبية، مما قد يؤدي إلى ارتفاع العملة الوطنية، وذلك لأن الدولة الخاضعة للعقوبات تحتاج إلى عملات أجنبية أقل لشراء الواردات. على سبيل المثال، عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات استيراد على إيران في عام 2018، ارتفعت العملة الإيرانية، الريال، مقابل الدولار الأميركي.
  2.  عقوبات قطاع التصدير: تقلل المعروض من العملات الأجنبية، مما قد يؤدي إلى انخفاض قيمة العملة. هذا لأن الدولة الخاضعة للعقوبات تكسب عملات أجنبية أقل من الصادرات. على سبيل المثال، عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات تصدير على روسيا في عام 2022، انخفضت قيمة الروبل الروسي مقابل الدولار الأميركي.
  3.  عقوبات على أصول البنك المركزي: يمكن أن تؤثر العقوبات المفروضة على احتياطيات النقد الأجنبي على سعر الصرف. عندما يتم تجميد احتياطيات النقد الأجنبي لدولة ما، يكون لديها عملات أجنبية أقل متاحة لشراء الواردات أو سداد الديون. هذا يمكن أن يتسبب في انخفاض قيمة العملة. على سبيل المثال، عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على البنك المركزي الفنزويلي في عام 2019، انخفضت قيمة البوليفار الفنزويلي مقابل الدولار الأميركي.

بالإضافة إلى نوع العقوبة، يؤثر ميزان العرض والطلب على العملة أيضًا على سعر الصرف. إذا كان الطلب على العملة مرتفعًا وكان العرض منخفضًا، فسوف ترتفع العملة. إذا كان الطلب على العملة منخفضًا وكان العرض مرتفعًا، فسوف تنخفض قيمة العملة.

يمكن أن تؤثر عوامل أخرى مثل الوضع الاقتصادي العام للبلد الخاضع للعقوبات أيضًا على سعر الصرف. إذا كان اقتصاد البلد الخاضع للعقوبات يعمل بشكل جيد، فقد تقل احتمالية انخفاض قيمة العملة. ومع ذلك، إذا كان أداء اقتصاد البلد الخاضع للعقوبات ضعيفًا، فمن المرجح أن تنخفض قيمة العملة.

تعافت العملة الروسية في منتصف مارس 2022 من انخفاضها الأولي في وقت أدت فيه عقوبات أشد على الواردات من الصادرات إلى زيادة المعروض من العملات الأجنبية، وسط ارتفاع أسعار النفط والسلع الأخرى التي تعتبر روسيا مصدرًا رئيسيًا لها

يمكن أن يتغير تأثير العقوبات على سعر الصرف أيضًا بمرور الوقت. على سبيل المثال، ارتفعت قيمة الريال الإيراني مقابل الدولار الأميركي على المدى القصير بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات استيراد في عام 2018. ومع ذلك، انخفض الريال مقابل الدولار الأميركي على المدى الطويل حيث كان للعقوبات تأثير سلبي على الاقتصاد الإيراني.

وهو ما يمكن أن يفسر التطورات في سعر صرف الروبل بعد الغزو الروسي. تعافت العملة الروسية في منتصف مارس 2022 من انخفاضها الأولي في وقت أدت فيه عقوبات أشد على الواردات من الصادرات إلى زيادة المعروض من العملات الأجنبية، وسط ارتفاع أسعار النفط والسلع الأخرى التي تعتبر روسيا مصدرًا رئيسيًا لها، بالإضافة إلى ضوابط رأس المال الشديدة التي طبقها المركزي الروسي لقمع الطلب على القطع الأجنبي، ولكن مع انتقال العقوبات إلى قطاع التصدير وتطبيق سقف السعر على صادرات روسيا النفطية عاود الروبل الهبوط ليفقد نحو 30% من قيمته منذ نوفمبر الماضي.

بشكل عام، فإن تأثير العقوبات على سعر الصرف معقد ويعتمد على مجموعة متنوعة من العوامل. لا توجد إجابة واحدة تناسب الجميع على السؤال المتعلق بكيفية تأثير العقوبات على سعر الصرف. وبالتالي لا يمكن اعتباره مقياسًا مناسبًا لنجاح أو فشل العقوبات الاقتصادية.