"إلى ميّ سكاف وباسل الصفدي وباسل شحادة وعمر أميرلاي. وإلى جنى وكل السوريين المولودين بعد آذار 2011" إلى كل هؤلاء يهدي الفنان السوري فارس حلو والمخرج رامي فرح، فيلم "فارس حلو.. حكاية ممثل خرج عن النص".
فيلم وثائقي يتناول في مجمله قصة فارس حلو في أثناء مشاركته الاحتجاجات الأولى للثورة السورية ضد نظام الأسد، وبعد خروجه من سوريا مع مخرج الفيلم، رامي فرح، في مطلع الأحداث على خلفية موقفه من النظام ووقوفه بصف المتظاهرين السلميين.
تصوّر مجريات الفيلم التغيّر الجذري الذي طرأ على حياة الحلو بعد مشاركته السوريين في تظاهراتهم المطالبة بإسقاط النظام في شوارع دمشق، وأيامه التي قضاها ويقضيها اليوم في منفاه الفرنسي مع عائلته في محاولة لتكوين حياة جديدة من دون أن ينفصل عن المتغيّرات التي تحيط بالسوريين وثورتهم.
إلا أن المشاهد لم تقتصر فقط على السنوات التي قضاها فارس وبعض أصدقائه بعد اندلاع الثورة، بل حرص المخرج على استهلال فيلمه باستعراض سريع للحقبة "الأسدية" التي بدأت مع سيطرة حافظ الأسد على مقاليد السلطة في سوريا بجميع صورها، التشريعية والتنفيذية والقضائية.. وليغدو حافظ الأسد –صاحب نسبة الـ99%- "الأب المطلق" ولتمثّل المرحلة "بداية الخوف" بحسب المعلّق، المخرج نفسه الذي يُرفق المشاهد بصوته.
مات الأسد عاش الأسد!
عام 2000.. "مات الأسد عاش الأسد" يعلّق رامي على مشهد "تتويج" بشار الأسد رئيساً داخل مبنى البرلمان بعد موت أبيه في منتصف ذلك العام. وتابع: "عندما جاء بشار الأسد كان عمري 20 سنة من الخوف وحاجة لتغيير هذه الصورة إلى صورة أخرى تشبه الأمل والحرية".
تلك المقدمة كانت ضرورية بلا شك قبل المضي في حكاية الفيلم الرئيسة، فارس الحلو، وعلاقته مع تلك الصورة التي ينشدها صانع الفيلم.
"فارس الحلو، نجم حر لا يخاف.. الملايين يحبونه، وأنا أيضاً. يمثل شخصيات تشبهنا.. وكأنه يحدثنا" يقول المعلّق وهو يقلّب صوراً لأدوار مختلفة أدّاها الحلو عبر مسيرته الدرامية.
بعد ذلك، يأتي دور المحطات التاريخية المفصلية: صيحات الحرية والسلمية.. دمشق 15 آذار 2011.. درعا 18 آذار.. حمص.. بانياس.. الغوطة الشرقية.. دير الزور.. حماة.. وباقي المدن.
ثم يأتي يوم الـ16 من تموز 2011. فارس الحلو محمولاً على أكتاف المتظاهرين في حي القابون الدمشقي، ويصيح: "الله أكبر حرية..".
عملياً، شكّل المشهد مع تلك الصيحة البداية الحقيقية للفيلم، ولعلها كانت البداية الحقيقية لحكاية حياة الحلو الجديدة.
تتوالى بعد ذلك الأحداث المشهدية التي بالرغم من بساطتها وحقيقتها الخالية من أي لحظة تمثيلية، لا تخلو من حالات الانقباض المرافقة لكل ما يختلج الإنسان من مشاعر، وأولها الخوف.
الوقوف بسيارته عند حاجز للأمن وتطاول العنصر على فارس وشتمه وضربه.. (زيارته) من قبل عناصر يستقلون سيارات من دون لوحات.. تهريبه من بين البساتين كالمجرمين الفارين من العدالة.. امتناعه من الإفصاح لأقاربه ولأقرب أصدقائه عن مكان وجوده.. قلّة نومه.. محاولات النظام لاستدراجه.. محادثاته الهاتفية الرقيقة مع زوجته ورفيقته "سلافة عويشق".
لم يستثن التصوير حتى الخطط التي كان يرسمها مع أصدقائه للتظاهرات والدعوة لـ "اعتصام داخل المقابر في أثناء زيارة السوريين للقبور في أول أيام عيد الفطر".
الوصول إلى المنفى
ظل القلق يرافقه حتى اللحظة التي وصلت بها زوجته إلى فرنسا عقب وصوله بشهرين، فوجودها وحدها مع ابنتيه في سوريا، ضمن مناطق سيطرة النظام، كان كافياً لإحداث كوابيس قاتلة.
وهناك، في فرنسا، تبدأ حكاية أخرى وثورة أخرى وأمل آخر، بصحبة سياسيين ومثقفين وفنانين سوريين، منهم من رحل تاركاً غصّة، كـ ميشيل كيلو، ومنهم من يستمر، كـ هيثم حقي ومحمد آل رشي ومريم رحيل، وهالا وأسامة محمد، وسميح وأسامة شقير، وإبراهيم الجبين وسامي عجوري، وزوجته الفنانة سلافة عويشق.
قرابة ساعة ونصف من التفاصيل التي تستحق المشاهدة والإنصات بإمعان. فكل سوري مهجّر سيتابع قصته الخاصة من خلال حكاية فارس الحلو، وعلى الأغلب سيرى المتابع وجهه بدل وجه الحلو!
الفيلم من إنتاج ليانا صالح، وسيني بيرجي سورينسن، وسيندي لوتامبليه. وحظي بدعم من جهات عديدة أبرزها مؤسسة (صن دانس) غير الربحية، برنامج الأفلام الوثائقية التابع لمؤسسة المجتمع المفتوح، ومؤسسة الدوحة للأفلام، والصندوق العربي للثقافة والفنون. كما ساهم في الإنتاج كل من الجزيرة الوثائقية والتلفزيون الدنماركي.
وعُرض الفيلم للمرة الأولى في مهرجان أمستردام الدولي للأفلام الوثائقية (IDFA) نهاية 2019. ويشارك في نسخة هذا العام من مهرجان قمرة في الدوحة. ولم يعرض حتى الآن سوى في الدنمارك وفرنسا والنرويج وقطر والأردن.
فارس الحلو
ولد في مشتى الحلو عام 1961، درس التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق وتخرج منه عام 1984 ليصبح عضواً في نقابة الفنانين. بعدها قدّم العشرات من الأدوار التي عاشت وبقيت حتى اليوم في أذهان الناس، بفضل الحرارة التي يبثها في تعابيره وأدائه للشخصيات. أبرز أعماله: أحلام ابو الهنا, عيلة خمس نجوم, نهاية رجل شجاع, سيرة آل الجلالي, الحصرم الشامي, لعنة الطين. في العام 2006 أسّس ورشة البستان للثقافة والفنون، وهي تجمع نقابي قانوني يهدف إلى تنشيط الحراك الثقافي ويدعم السياحة الثقافية من خلال إقامة ملتقيات فنية في النحت والموسيقا والرسم والتصوير.
شارك في المسلسل الفرنسي ( Le Bureau des Légendes مكتب الأساطير- إخراج إريك روشان) في جزأيه الأول والثاني ويمثل دور رجل أعمال سوري، ويذكر أنه قد تخطّى حوالي 300 ممثل حتى وقع الاختيار عليه.
حصل على جائزة أفضل ممثل من مهرجان فالنسيا الدولي في إسبانيا، عن دوره في فيلم “علاقات عامة” للمخرج السوري سمير ذكرى عام 2007.
المخرج رامي فرح
مخرج سينمائي شاب من مواليد 1980، درس الرقص لأول مرة في المعهد العالي للفنون بدمشق، ثم درس أفلام وثائقية في المعهد العربي للسينما في عمان. بعد تخرجه من المعهد العربي في عام 2007، صوّر رامي وأنتج فيلماً وثائقياً مدته 35 دقيقة حول مرتفعات الجولان بعنوان Silence.