انتقل أسامة أبو حجر إلى أيرلندا بغرض الدراسة بعدما هرب من الحرب الدائرة في بلاده، ولكن عندما أجبر الفيروس الكليات على الإغلاق، بدأ يخاف على مستقبله.
إذ عندما شرعت الكليات بإغلاق أبوابها في المراحل المبكرة لانتشار الجائحة، انتابت أسامة أبو حجر المخاوف ذاتها التي أحس بها قبل سنوات عندما كان في سوريا واضطر لترك دراسته والهرب من تلك البلاد.
فأسامة الذي يبلغ من العمر 27 عاماً، بدأ بدراسة الهندسة الكهربائية في حلب ثاني أكبر مدينة في سوريا عام 2011، أي في العام نفسه الذي اندلعت فيه الحرب، وعندما تحول النزاع إلى العنف، خاف هذا الشاب على أمنه وسلامته، ويحدثنا عن ذلك بالقول: "كنا أنا وأخي ندرس على ضوء الشمعة ويلتحف كل منا ببطانية بسبب البرد الشديد في الشتاء وانقطاع الكهرباء".
ثم بات من الواضح بالنسبة لعائلة أسامة أنه لم يعد بوسعها البقاء في سوريا، ولهذا ترك كليته وسافر إلى لبنان في عام 2013، حيث ذكر أنهم قطعوا عدة حواجز هددهم فيها الجنود بأخذه إلى الجيش، ولكن عند نهاية تلك الرحلة الطويلة أحس الجميع بالأمان.
وفي بيروت تمكنت أسرة أبو حجر من أن تجد لنفسها مأوى، بعيداً عن الظروف المأساوية في مخيمات اللجوء، وبعد مرور شهرين على ذلك عمل أسامة كتقني في مجال الحاسوب لدى مدير متجر ليعيل أسرته، ويحدثنا حول هذه التجربة فيقول: "كانت دراستي الهدف الأساسي في حياتي دوماً، لذا كنت أعمل لكني لم أشعر بالسعادة حينها، لأنني أردت أن أعود إلى كليتي".
وبما أن أسرة أبو حجر لديها أقارب في أيرلندا، حيث عاش عمه فيها منذ 30 عاماً، وبما أن شقيقته ولدت في أيرلندا في عام 2002، لذلك، وبما أن أخته حصلت على الجنسية بحكم الولادة، فهذا يعني أنها مواطنة أيرلندية، ولهذا سعت المنظمة الدولية للهجرة للعمل على انتقال تلك الأسرة للعيش في أيرلندا.
وفي عام 2014 قامت أيرلندا بإعادة توطين 95 لاجئاً بينهم أسرة أبو حجر، وتبين أحدث الأرقام الصادرة عن وزارة العدل بأن 785 شخصاً قد تمت إعادة توطينهم خلال العام المنصرم أي بزيادة تعادل 700% مقارنة بالأعداد التي تمت إعادة توطينها خلال السنوات الخمس الماضية.
وهنا يخبرنا أسامة أنه كان متلهفاً للعودة إلى الدارسة بمجرد أن وصل إلى دبلن، إلا أن التواصل كان مشكلة وتحدياً كبيراً بالنسبة له، ولهذا يقول: "أجرينا بعض الامتحانات باللغة الإنكليزية في حلب لكننا لم نمارس التحدث بتلك اللغة على الإطلاق، ولهذا كانت تلك مشكلة كبرى، إذ كنت أعرف بعض الكلمات، لكن التحدث بها هنا في أيرلندا مختلف تماماً وذلك بسبب اختلاف اللهجة".
وبعد عام من المثابرة لتحسين اللغة الإنكليزية واكتشاف أيرلندا، وجدت الأسرة منزلاً في بورتليواز في شهر حزيران 2015، ومع اقتراب العام الدراسي الجديد ارتأى أسامة أن الوقت قد حان للتقدم بأوراقه إلى الكلية، وهكذا حصل على قبول في كلية الأعمال بدبلن ليخضع لدورة برمجة، فأخذ يسافر من دبلن وإليها طيلة عام كامل.
وبالرغم من أن لغته الإنكليزية قد تحسنت، إلا أن اللغة الأكاديمية المستخدمة في الكلية كانت صعبة عليه، إذ يقول: "أتذكر أول يوم لي هناك عندما قال الأستاذ أن لدينا assignment يجب أن ننجزها في أسبوعين، لكني لم أفهم ما تعنيه كلمة assignment /وظيفة حينها".
ومع ذلك تفوق أسامة في مهارات البرمجة على زملائه في الصف، لذا ساعدهم بالتشفير كما ساعدوه على تحسين لغته الإنكليزية.
وبعدما غادر تلك الكلية، تقدم بطلب انتساب لكليات عبر مكتب الطلبات المركزي فحصل على وظيفة لدى معهد التقانة في كارلو في عام 2016 ليخضع لدورة مخصصة لغير الخريجين في مجال هندسة البرمجيات، فكان يحضر كل المحاضرات ويجلس دوماً في الصف الأول، وحول ذلك يخبرنا فيقول: "عرفت قيمة الكلية وأهميتها، فقد عرفت مدى صعوبة ترك الكلية في السابق".
ويحدثنا أحد من درّسوا أسامة واسمه كريستوف ميوديك فيقول: "كان أسامة محباً للاطلاع بشكل كبير كما كان يسعى إلى التعلم دوماً، وقد خدم نفسه كثيراً في هذا المجال".
فقد شارك أسامة أيضاً في النوادي والجمعيات التابعة للكلية وذلك بهدف التعرف على أشخاص جدد، وهذا ما أخبرنا به عندما قال: "تعرفت على العديد من الأيرلنديين الذين كانوا منفتحين وراغبين بمساعدتي، فقد أدركت منذ البداية أنني إذا أردت أن أكون عضواً جيداً في ذلك المجتمع عندها يتعين عليّ أن أتمكن من اللغة وأن أتعرف على ثقافة تلك البلاد".
وخلال السنة النهائية له في الكلية، تحدث أحد الأستاذة للطلاب حول قرب تفشي جائحة تهدد بإغلاق كل شيء في البلاد. وبما أن كلمة جائحة Pandemic كانت جديدة عليه، لذا قام بترجمتها وبمجرد أن أدرك معناها راودته تلك المخاوف حول احتمال إغلاق الكلية بسبب كوفيد-19 واحتمال ضياع فرصة استكمال دراسته مرة أخرى بسبب ذلك.
وهكذا تابع أسامة رئيس الوزراء الإيرلندي وهو يعلن عن أول إغلاق في شهر آذار عبر أثير تلفزيون RTÉ، وبما أنه سبق أن عاش فترة النزاع في سوريا، لذا أدرك بأن ذلك هو الشيء الصحيح للحفاظ على سلامة البشر، وذلك لأن السلامة أهم من أي شيء آخر حسب قوله، ويضيف: "أعتقد الآن أنك عندما تشعر بالأمان عندها يمكنك أن تنطلق لتحقيق أهدافك".
وهكذا أتم هذا الشاب دراسته عبر زوم وعبر المحاضرات التي تم تسجيلها سلفاً في مطلع هذا العام، وقبل موعد امتحانه النهائي في أيار عرض عليه العمل في شركة إريكسون للاتصالات متعددة الجنسيات وذلك للعمل على تطوير الجيل الخامس، وهنا يخبرنا عما جرى بقوله: "أريد أن أريكم أن كل شيء ممكن، فقد عملت بجد وقد لاحظت تلك الشركة ما قمت به".
واليوم يعمل أسامة من بيته في بورتليواز ويخبرنا أنه يفكر دوماً بالأشخاص الذين ساعدوه على الانتقال من الدراسة من تحت البطانية في مدينة حلب التي مزقتها الحرب إلى العمل في واحدة من أهم الشركات وأكثرها ابتكاراً على مستوى العالم، وهنا يقول: "لقد قدم لي الشعب الأيرلندي الكثير، وحان دوري الآن بعد الكلية لأقدم لهم ولأعمل ولأسد الدين الذي برقبتي تجاه هذا البلد".
المصدر: تايمز