تعد مقبرة نجها الواقعة على مشارف مدينة دمشق، الموقع المخصص لضحايا فيروس كورونا، والتي وصلت إلى 212 حالة وفاة وفق ما صرحت به وزارة الصحة في حكومة، النظام أمس الأربعاء، إلا أن "نعوات" الوفاة التي كانت تُلصق في أحياء العاصمة وتُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي لمتوفين من الكوادر الطبية، وأكاديميين، ومحامين، وأهالي المدينة خلال الصيف الماضي بشكل شبه يومي، تُشير إلى أن عدد الوفيات من جراء الفيروس أكبر من الرقم المعلن عنه.
وبحسب وكالة رويترز فإن مقبرة نجها تشهد يومياً نحو 40 عملية دفن، والتي خصصتها حكومة نظام الأسد للمتوفين من فيروس كورونا.
شهادات دفن الموتى في دمشق ارتفعت ثلاثة أضعاف
قال عبد الرحيم بدير الذي يصدر شهادات الوفاة في مقبرة نجها لوكالة رويترز، إن "عدد الموتى الذي أصدر لهم شهادات وفاة ارتفع إلى أكثر من ثلاثة أضعاف في شهر تموز الماضي عما كان عليه في السابق".
وأضاف أن "شهر آب الفائت شهد ارتفاعاً أكبر بعدد الموتى عما كان عليه في تموز المنصرم، وأن الأعداد لا تزال أكبر بكثير من المتوسط".
وأفاد أنه "لم يشهد مثل هذه الزيادة في عمليات الدفن على مدار الـ 30 عاماً الماضي"، مؤكداً أن "بعض الجنازات أقيمت ليلاً لتفادي تراكم الجثث، وأنهم يحفرون بالفعل مقبرة جماعية يمكنها استيعاب الآلاف".
في حين لا توجد إحصائيات مستقلة تكشف عن عدد المصابين بفيروس كورونا والوفيات الناجمة عنه في مناطق سيطرة النظام، وأن ما صرح به بدر لرويترز يتفق مع تقارير بعض المنظمات غير الحكومية وموظفي الإغاثة الذين يؤكدون أن البيانات الرسمية لعدد المصابين والمتوفين من جراء كورونا تمثل قدرا ضئيلا من الحصيلة الحقيقية.
مسؤولون في حكومة النظام يمتنعون عن التصريح عن حقيقة ضحايا كورونا
امتنع عدة مسؤولين في قطاع الصحة ووزارة الإعلام في حكومة النظام عن التعليق لرويترز حول الاختلاف بين العدد الرسمي المُعلن عنه والعدد الحقيقي لضحايا كورونا.
خاصة أن سوريا معرضة بشكل كبير إلى تفشي كورونا في ظل ضعف المنظومة الصحية في البلد، والافتقار إلى المعدات الطبية اللازمة في مناطق سيطرة النظام للكشف عن الفيروس، بالإضافة إلى العديد من الأشخاص المُعرضين للإصابة بالعدوى بسبب الفقر والنزوح.
وأمام هذا الواقع الذي وصف بالمأساوي، لم يُصرح النظام عن العدد الفعلي لضحايا كورونا واكتفى بالإعلان عن عدد ضئيل من الحالات، مقارنة بما سجلته الدول المجاورة، والتي يعاني بعضها ارتفاعا كبيراً في عدد الإصابات.
اقرأ أيضاً: النظام يتستر.. تفشٍ واسع لـ"كورونا" في دمشق والمستشفيات ممتلئة
اقرأ أيضاً: مستشفيات دمشق.. تدني الخدمات الطبية مع تفشي كورونا
منظمة الصحة العالمية لم تعترض في الشهور الأولى من انتشار فيروس كورونا على إحصاءات المصابين بالفيروس التي قدمتها حكومة نظام الأسد، لكنها في الآونة الأخيرة قالت إن "إمكانيات الفحص المحدودة عن الفيروس في سوريا أخفت حجم الأزمة، خاصة حول العاصمة دمشق".
أكثر من"120 حالة دفن يومياً في دمشق"
قالت "أكجيمال ماجتيموفا" ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا لرويترز، نقلا عن بيانات رصد وتحليل وبائي وتقارير وزارة الصحة في حكومة النظام، إنه "لا تزال هناك حالات كثيرة من المصابين بكورونا لم يتم الإبلاغ عنها، والعدد الحقيقي للمصابين بالفيروس أعلى بكثير من الرقم المعُلن، ودمشق وريفها هما الأكثر تضررا".
وأكد منسقٌ في منظمة غربية غير حكومية اشترط عدم الكشف عن اسمه لرويترز، أنه "جرى رصد ارتفاع كبير لم يسبق له مثيل في شهري تموز وآب الماضيان، وصل إلى 120 حالة وفاة يومياً بشكل متوسط"، مضيفاً أن "العدد تراجع إلى نحو 60 حالة دفن خلال أيلول الماضي".
وأضاف أن "الازدحام في شوارع دمشق وعدم اتخاذ المواطنين للإجراءات الاحترازية وخاصة في المناطق العشوائية والفقيرة المعرضة لتفشي الفيروس ربما تُمثل فرصة لانتشاره من جديد".
وقال مات همزلي مستشار السياسات لدى أوكسفام والمقيم في دمشق لرويترز إن "كل الظروف متاحة هناك لانتشار الفيروس بسرعة وهذا ما يحدث بالفعل، فمدينة دمشق وريف دمشق هما البؤرتان الساخنتان لتفشي وانتشار كورونا".
وفيات في صفوف الكوادر الطبية بمناطق النظام
ونشرت نقابة الأطباء في حكومة النظام عبر صفحتها على فيسبوك في الـ 16 من آب الماضي، قائمة بأسماء 61 طبيباً قضوا خلال الأيام الماضية "، وذكر مصدر من النقابة لرويترز أن "هناك ما لا يقل عن 87 وفاة مؤكدة أخرى في صفوف العاملين بالقطاع الطبي منذ ذلك التاريخ".
وحذر نقيب المحامين في سوريا الفراس فارس زملاءه عبر رسالة في التاسع من آب الماضي من "انتشار الوباء بشكل كبير في الدوائر والمحاكم التابعة لوزارة العدل ووفاة عدد كبير من المحامين".
وأدى العجز في القطاع الصحي في مناطق سيطرة نظام الأسد إلى تحويل بعض منازل الأهالي من الطبقة المتوسطة إلى مراكز علاج من كورونا، وشجع مسؤولون في قطاع الصحة عبر وسائل إعلام النظام هذا الإجراء لتخفيف الضغط عن المشافي التي تعاني أصلاً من نقص في الخدمات الأساسية للمصابين بكورونا.
وأكدت مصادر طبية ومنظمة غير حكومية لوكالة رويترز أن "الدعم المقدم من الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية لنظام الأسد منذ الإعلان عن إصابات كورونا، يُمكن السلطات من شراء الكثير من اللوازم الطبية والتي تساهم في تخفيف الضغط على المستشفيات، والتي طلب البعض منها من المرضى إحضار أسرَّة وأسطوانات أكسجين لأنفسهم".
اقرأ أيضاً: "كورونا" تعطل سياسة النظام في التعتيم والناس أمام مصير مجهول