رغم الأشجار المزينة والأضواء، ومحاولة إظهار السعادة والفرح مع حلول أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية، فإن الوجوه التي تراها في شوارع دمشق تبدو حزينة، ولم تستطع إلا فئة قليلة منها حجز مقاعد في الحفلات التي تنظمها مطاعم ومقاهي وفنادق العاصمة السورية.
يعيش عدد كبير من السوريين الذين يقطنون في مناطق سيطرة النظام تحت خط الفقر، وفق أرقام الأمم المتحدة، ونسبة كبيرة من هؤلاء لا يعرفون من أين سيحصلون على ثمن الوجبة التالية، في ظل ارتفاع نسب تضخم الأسعار إلى أعلى المستويات. لكن ذلك لا يعني عدم وجود فئة مقتدرة مادياً على أن تحيي رأس السنة الميلادية، حيث امتلأت العديد من المقاهي والمطاعم ومحال السهر بالمحتفلين بحسب ما رصده موقع تلفزيون سوريا.
أرخص حفل يكلف راتب شهر كامل
وتراوحت أسعار حضور حفلة رأس السنة مع عشاء في عدد من المطاعم والمقاهي بين 90 ألف إلى 900 ألف ليرة سورية للشخص الواحد.
وفي حارات الشام القديمة، كما هو معروف تحولت العديد من البيوت الدمشقية العريقة إلى مطاعم 3 أو 4 نجوم، تحاول أن تستغل فترة الموسم في هذه الأيام مستقطبة أكبر عدد ممكن من الزبائن في السهرات التي تمتد من التاسعة أو العاشرة مساءً إلى ما قبل الفجر، بأسعار يعتبرها البعض خيالية، في الوقت الذي يجدها آخرون مقبولة أو واقعية في ظل الظروف التي تعيشها البلاد.
موقع "تلفزيون سوريا" استفسر عن الأسعار في أحد المطاعم في حي باب توما في دمشق القديمة، وأكّد العاملون فيه أن سعر الليلة تبدأ من 90 ألف ليرة للشخص متضمنة عشاء ومشروبات كحولية وحفلاً غنائياً يقيمه 4 مطربين شعبيين.
وبلغ سعر الليلة في مطعم يقع في منطقة مأذنة الشحم، بدمشق القديمة أيضاً 95 ألف ليرة إلى 150 ألف شملت العشاء والمشروب وحفل غنائي.
وبدأت الأسعار في مطعم يقع في منطقة طالع الفضة بباب توما بـ 150 ألف للشخص، تشمل وجبة عشاء ومشروبا ومطربا وراقصة.
من جهته، قال فادي شاهين، أحد منظمي هذه الحفلات، لموقع تلفزيون سوريا: "كان الإقبال جيداً نوعاً ما مقارنة بالظروف، إلا أن الأسعار مرتفعة نوعاً ما ونعلم ذلك، ولكننا لا يمكننا تخفيض الأسعار أكثر من ذلك، (ما بتوفّي معنا)".
من جانبه تحدث جورج حداد الذي يعمل نادلاً في أحد مطاعم دمشق القديمة، أن "من يسهر في هذه المطاعم معظمهم ليسوا من الفئات الشعبية فأولئك يحتفلون بعيد الميلاد ورأس السنة مع عائلاتهم في بيوتهم"، مضيفاً أن "الأسعار المرتفعة في مطاعم باب توما والقصاع وباب شرقي لا تتناسب مع دخل السكان والموظفين من أبناء تلك المناطق".
وبخصوص أسعار المشروبات الإضافية وسلطات الفواكه والأراكيل، قال "حداد" إنها "تختلف من مطعم لآخر، ولكن التذاكر المتصلة برأس السنة لا تشملها، لذلك تزيد الأسعار على العديد من الناس إلى الضعف أحياناً، حيث إن الأركيلة تصل إلى 10 آلاف ليرة فما فوق، وأي مشروب ساخن فوق 4 آلاف، والكوكتيلات من 8 آلاف، وسلطات الفواكه تبدأ من 11 ألفاً".
وفي رصد الأسعار وجد "تلفزيون سوريا" تذاكر حفلات كانت أرخص نوعاً ما من التي في دمشق القديمة، ففي مطعم يقع في شارع بغداد، كانت التذكرة على الشخص الواحد، تبدأ بـ 60 ألف ليرة شملت عشاء بلحم دجاج مع مقبلات ومشروب خفيف، وحفلة بحضور ممثلين ومطربين وراقصة، وتزيد الفاتورة بكمية الطعام وقرب الشخص من المسرح.
حفلات الفنادق بأسعار مضاعفة
وتعتبر هذه الأسعار رخيصة إذا ما قورنت بتلك التي تنظمها فنادق الخمس نجوم وسط دمشق، والتي ترتفع أسعار البطاقات فيها لأضعاف مضاعفة.
واختلفت أسعار فندق "داما روز" بحسب المطرب الذي يحي الحفل والقاعة التي تنظم فيه، ولكنها تبدأ من 500 ألف ليرة مع عشاء فاخر ومشاريب، إلى جانب مطرب و"دي جيه" وحفل استعراضي، في الوقت الذي بدأت الأسعار في فندق الشام بـ 700 ألف وتصل إلى 900 ألف، والذي يضاف فيه إلى جانب العشاء والحفل برنامج مسابقات.
ويرى أبو ضياء أن هذه الأسعار تظهر حجم التباين الاجتماعي والاقتصادي بين سكان دمشق، فمن يستطيع أن يدفع هذه المبالغ لحضور حفل من عدة ساعات لا شك أن مصروفه الشهري يتراوح بين 2 إلى 5 ملايين ليرة سورية في أقل تقدير، وهذه أرقام لا يمكلها أكثر من 90% من الأهالي في دمشق.
وأضاف "أبو ضياء" لتلفزيون سوريا: "ليست لدي مشكلة مع من يحتفل الآن أو قبل ذلك، المشكلة في الحال الذي وصلنا له.. اختفاء شبه تام للطبقة الوسطى في دمشق، وتشكل طبقة جديدة من المنتفعين والفاسدين والمرتشين الذين يملؤون طاولات تلك المطاعم والمقاهي والفنادق - دون تعميم - في ليلة رأس السنة وحتى على مدار العام".
وتشهد العاصمة دمشق ارتفاعاً كبيراً في الأسعار، في إطار فقدان الليرة السورية لقيمتها أمام العملات الأخرى، وتدني سلم الرواتب والمعاشات رغم زيادتها بنسبة 30% إلى 96 ألف ليرة، أي أقل من (26 دولارا أميركيا) بالحد الأدنى.
وقبل مراسيم زيادة المعاشات، رفعت حكومة النظام السوري، أسعار المواد والسلع الأساسية المدعومة كالخبز والسكر والرز، بالإضافة إلى رفع أسعار المازوت والبنزين والغاز، والكهرباء والاتصالات، وإزالة الدعم عن أكثر من نصف مليون شخص قبل نهاية العام، الأمر الذي زاد من حجم المعاناة التي يعيشها السوريون.