تخوض نهائيات كأس أمم إفريقيا 2023 غمار اللفة الحاسمة قبل بلوغ خط التتويج، بوصول أربعة فرسان محطة المربع الذهبي بعد مشوار مظفّر ومرهق مليء بالعقبات الصعبة، حيث ستتواجه نيجيريا مع جنوب إفريقيا، في حين سيصطدم صاحب الأرض كوت ديفوار مع الكونغو الديمقراطية، يوم الأربعاء المقبل.
كوت ديفوار ونيجيريا وجنوب إفريقيا والكونغو الديمقراطية، أربعة منتخبات؛ لكلّ منها قصة كفاح ملهمة منحته بطاقة العبور إلى مربع الكبار، ليتبقّى الصراع على المشهد الأخير في هذا "الكان" هو فيصل الأحقية بينها، ولئن علّمتنا هذه النسخة الرابعة والثلاثون أنّ لغة التكهنات محض لغة عقيمة ولم تُجدِ أي نفع مع نسخة مجنونة شهدت تقلبات بالجملة ونتائج صادمة وثائرة على المألوف، غير أنّه لا مناص من طرح هذا السؤال.. مَن الأقرب لمعانقة "الأميرة السمراء" بين الفرسان الأربعة؟
"قدر" كأس أمم إفريقيا 2023 يغازل أهل الدار
لم يكن أشد الايفواريين تفاؤلاً بنسخة كأس أمم إفريقيا 2023 يتوقّع درامية السيناريو الذي عايشته "الفيلة" في هذه "الكان"، فبعد البداية بفوز مشجع أمام غينيا بيساو بثنائية، انتكست الطموحات مبكرًا بالهزيمة في أول امتحان حقيقي أمام نيجيريا بهدف نظيف، قبل أن يحين موعد السقوط من أعلى طابق وبرباعية نظيفة أمام غينيا الاستوائية، ليقتنع الجميع في دار الضيافة بواقع النهاية الحزينة.
كلّ الذي كان منتظراً، هو الانتهاء من منافسات الدور الأول، حتى يتسنّى إضفاء الصبغة الرسمية على مغادرة كوت ديفوار سباق "الكان" لأنّه حسابيًّا كان معنيًا بالحفاظ على حظوظه، التي كانت تحتاج معجزة للبقاء على قيد الحياة، غير أنّ المعجزة حدثت فعلاً، وبمساعدة غير مباشرة من تونس والمغرب، منحت المشيئة الإلهية صاحب الأرض قدراً جديداً في البطولة، وُلِد من رحم العدم.
في دور الـ16 من كأس أمم إفريقيا، ردّت كوت ديفوار دين الفرصة الذهبية للبطولة، وتمكنت من إزاحة حامل اللقب السنغال بقيادة مدرب الطوارئ والدولي السابق إيمرسي فاي، الذي حلّ بديلًا للمُقال خلال البطولة، الفرنسي جان لوي غاسيه.
إزاحة السنغال بركلات الترجيح (5-4) بعد إدراك التعادل قبل 4 دقائق فقط من نهاية الوقت الأصلي من علامة الجزاء بقدم القائد فرانك كيسي، أضفت مشروعية جديدة لمن يتبنّى فكرة "أنّ قدر البطولة اختار كوت ديفوار دون غيرها"، وهو قدرٌ تضاعفت نسبة الإيمان به بعدما كرر "الفيلة" مسلسل "الريمونتادا" الذي أضاف له نصيباً أكبر من بهارات الإثارة، إثر قلب تأخره إلى حدود الدقيقة (71) أمام مالي إلى فوز هيتشكوكي بهدفين، الأول أعاد إحياء الآمال في الدقيقة (90)، والثاني اغتال أحلام "نسور باماكو" في آخر دقيقة قبل اللجوء إلى ركلات الحظ (120+2).
كلّ ما فات من سرد لـ"قدريّات" كوت ديفوار في هذه البطولة، بات يلوح بتكهّنات ترتقي إلى مستوى اليقينية، بأنّ الكأس لن تغادر أرض "الأفيال"، رغم أنّ جميع السيناريوهات تبقى مفتوحةً على مصراعيها في هذه النسخة الجنونية.
نيجيريا تغيّر ثوبها لأجل عيون نجمة رابعة
دخل منتخب نيجيريا نسخة كأس أمم إفريقيا الحالية بعثرة أمام غينيا الاستوائية (1-1)، ثم تمكّن منذ ذلك الوقت من حصد الانتصارات المتتالية حيث أزاح تباعًا -إلى حدود بلوغه نصف النهائي- كُلًّا من كوت ديفوار (1-0)، ثم غينيا بيساو بذات النتيجة، ثم الكاميرون (2-0) في دور الـ16، ثم أنغولا -إحدى مفاجآت البطولة- (1-0) في ربع النهائي، مسجّلًا 6 أهداف ولم تهتزّ شباكه سوى في مناسبة يتيمة وفي أول ظهور له في "الكان".
ومن النقطة الأخيرة يأتي مربط الفرس، فالوجه الراهن للنيجيريين يقطع مع ماضيهم الذي كانوا مميزين فيه بعروضهم الهجومية والفرجوية، والتي كلفتهم أحيانًا كثيرة خروجًا محزنًا في ظل غياب الانضباط والواقعية، أمرٌ نَسَفه المدرب البرتغالي جوزيه بيسيرو، الذي أضفى على المنتخب صبغة انتهازية براغماتية، هدفها انتزاع الفوز وكفى، مستغلًا بذلك أسلحةً فتّاكةً خاصةً في الخط الأمامي، بقيادة ثنائي الـ"كالتشيو" المرعب، فيكتور أوسيمين نجم نابولي وأفضل لاعب إفريقي عام 2023 وأديمولا لوكمان هداف أتلانتا بيرغامو، بالإضافة إلى خط خلفيّ صلب بزعامة الصخرة ويليام تروست إيكونغ.
واقعية بيسيرو التي غيّرت ثوب نيجيريا في كأس أمم إفريقيا 2023، قد تمنح "النسور الخضر" التحليق نحو لقب رابع بعد تتويجه في سنوات 1980 على أرضه و1994 بتونس و2013 بجنوب إفريقيا.
منتخب الفريق الواحد.. ترهيب للجميع
صحيح أنّ بداية كأس أمم إفريقيا 2023 حملت سقوطاً مبكراً أمام مالي بثنائية، غير أنهّ ومنذ الحين، يعيش منتخب "الفريق الواحد" الذي يتكوّن في غالبيته من لاعبي "البعبع القاري" ماميلودي صن داونز بنسبة تفوق 80٪، مستوى متصاعدًا في البطولة، بفضل فريق في قمة التجانس والتفاهم، يقوده حارس مرعب اسمه رونوين ويليامز، ومنظومة لعب جماعية باهرة، تلفت انتباه كلّ عاشق لهذه اللعبة.
برغم حصده 4 نقاط فقط من الدور الأول، غير أنّ إقصاء "الأولاد" لمنتخب المغرب في دور الـ16، وهو أحد أبرز المرشحين للتتويج باللقب، أعطى البافانا بافانا جرعة ثقة إضافية، ليتقدّم في البطولة أكثر ويضم منتخب الرأس الأخضر إلى قائمة ضحاياه، ولو بركلات الترجيح (2-1).
أحفاد مانديلا لا يعوّلون فقط في حلم التتويج باللقب الثاني بعد عام 1996 على جهود نجوم أمثال بيرسي تاو والمدفعجي تيبوهو موكوينا فحسب، إنما يثقون كذلك في مدربهم الداهية البلجيكي هوغو بروس، الذي يعرف جيدًا خبايا بطولات "الكان"، كيف لا؟! وهو الذي قاد "أسود الكاميرون غير المروّضة" إلى لقبها الخامس في البطولة عام 2017 بالغابون.
"فهود كينشاسا".. هدوء ما قبل العاصفة
بقيادة الفرنسي سيباستيان ديسابر الذي يعرف السير في أدغال القارة جيدًا، حيث اختبر محطات عدة بين الأندية والمنتخبات وآخرها أوغندا، يدخل منتخب الكونغو الديمقراطية امتحان المربع الذهبي في كأس أمم إفريقيا بطموح إعادة نجاحات "الفهود" إلى الواجهة، بعد التتويج باللقب عامي 1968 و1974.
منتخب الكونغو وإن كانت بدايته هادئة بعد حصد ثلاث تعادلات في الدول الأول كانت كافية لحجز مقعد الوصافة في مجموعته، غير أنّه كشّر عن أنيابه في دور الـ16 بإخراجه، حامل الرقم القياسي في التتويج بالكان منتخب مصر بركلات الترجيح (8-7) بعد التعادل 1-1، ثم افترس منتخب غينيا في ربع النهائي بنتيجة 3-1 بعد أن كان متأخراً بهدف.
الهدوء الذي يتميز به منتخب الكونغو الديمقراطية وإيقاع القوة البدنية، الذي يفرضه أغلب لاعبوه على المواجهات، قد يمنحه أفضلية، لأنه منتخب واقعي بشدة، كما يمتلك أسلحة موجعة لا سيما في آليات الهجوم المضاد، إذ يتمتّع بالسرعة والفنيات العالية، ومنها -على سبيل الذكر لا الحصر- يوان ويسا وفاكو أرثر ماسوكو وشانسيل مبيمبا.
مباريات الدور نصف النهائي من كأس أمم إفريقيا 2023:
المصدر: winwin