اشتكى مواطنون في مدينة الرقة من استيلاء قوات سوريا الديموقراطية "قسد"، على منازلهم ومصادرة ممتلكاتهم وتوطين عائلات عناصرهم فيها.
وقال الشاب ع.خ (طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية)، لموقع تلفزيون سوريا "إنه عند بداية معركة الرقة بين قوات سوريا الديمقراطية وتنظيم الدولة انتقلنا إلى دمشق لمنزل أحد أقربائنا. وعند طرد تنظيم الدولة من الرقة أجّرنا منزلنا ليتصل بنا المستأجر بعد فترة ويخبرنا بأن جماعة لواء الشمال التابعة لقوات سوريا الديموقراطية قد استولت على المنزل".
وأكمل (ع.خ) "عاد والدي إلى الرقة وفعلاً كان هناك عناصر مع عائلاتهم قد استولوا على كل الشقق في المبنى بالإضافة إلى 12 بناية أخرى. وطردوا أصحاب الملك وصادروا منازلهم".
ونوه الشاب (ع.خ) إلى أن والده طالب بحقه بالمنزل من المسؤول عن لواء الشمال ويدعى (أبو عمر) مثبتاً ملكية المنزل بالأوراق القانونية إلا أن المسؤول رفض إعادة المنزل والحق لأصحابه".
وأضاف (ع.خ) توجه والدي إلى مجلس الرقة التشريعي ولكن دون أي جدوى، وبعد مراجعة عدة جهات مسؤولة لم يتم إعادة المنزل بل طلبوا منا في حال أردنا العودة إلى الرقة البحث عن منزل آخر لاستئجاره".
وأنهى (ع.خ) كلامه "طلب منا أن ننسى منزلنا، نحن وكل من سلبت بيوتهم قد سلمنا بالأمر طالما أن قوات سوريا الديموقراطية موجودة في الرقة".
وفي حديث مع السيدة (م.ت) لموقع تلفزيون سوريا أكدت أن عنصرا من لواء الشمال استقر بمنزل عائلتها منذ عام 2019، وعند مطالبته بالمنزل رد قائلا "لم تعودوا تمتلكون شيئا هنا، ويفضل لكم الانصراف حتى لا يتم اعتقالكم بتهمة التهجم".
وأضافت عند ذهابنا للمدعو عمر الإدلبي قائد لواء الشمال ومطالبته بمنزلنا أجابنا قائلاً "أخذت موافقة بتسكين جميع عناصري من قوات سوريا الديمقراطية فيجب على العناصر أن يسكنوا في نفس المنطقة التي يعملون فيها".
وأكدت (م.ت) أن منزلها أصبح مقرا أمنيا بموافقة قوات سوريا الديموقراطية كما أن (الإدلبي) سيطر على أكثر من منزل وطوقها ضمن نطاق أمني كامل لمنع أي شخص من الدخول وحذرنا من الاقتراب من المنزل.
وأشارت (م.ت) أن هناك نحو 80 منزل قد تم سلبها من أصحابها، ولا يوجد أي جهة أو منظمة تساعد هؤلاء بالمطالبة بحقوقهم واسترجاع منازلهم.
وفي السياق ذاته نشرت صحيفة (الميدل إيست آي) يوم الثلاثاء الماضي تقريرا بعنوان "سوريا: أصحاب الممتلكات في الرقة يحاربون المصادرة غير القانونية لممتلكاتهم".
ليعتمد التقرير على شهادات من أهل الرقة حيث وثقت الصحيفة لقاءات مع مواطنين معنيين مباشرة بهذه القضية وبالأخص المهجرين منهم خارج الرقة، وذكرت الصحيفة أن المهجرين يتهمون قوات سوريا الديمقراطية بالسيطرة على منازل خالية من سكانها كانت تقع ضمن مناطق تنظيم الدولة سابقاً.
وكتبت الصحيفة نقلاً عن (وائل) خمسيني من الطائفة المسيحية من الرقة أن الوضع في المدينة هو عبارة عن مشهد مكرر، فعندما فر وائل من المدينة إلى حمص عام 2014، كان هارباً من تنظيم الدولة الذي سيطر على الرقة، وجعلها عاصمته بحكم الأمر الواقع وحكمها بيد من حديد في ظل (الخلافة المزعومة).
ونقلت الصحيفة عن وائل أنه لم يفهم سبب مصادرة السلطات المحلية لمنزله الذي عاش فيه لمدة 30 عاماً. قائلاً " طلبت من جيراني أن يطلبوا من السلطات إعادة منزلي إلي، لكن كان الجواب لماذا يعيش في حمص؟ قل له أن يأتي، يمكننا حمايته من داعش".
وذكر وائل للصحيفة أن قوات سوريا الديمقراطية كانت تتصرف بنفس الطريقة التي تصرف بها من كان يسيطر على المدينة قبلهم مؤخراً
" المفارقة هي أن الأسرة التي تعيش الآن في منزلي هي عائلة أحد قضاة قوات سوريا الديمقراطية. إذن، إذا قام الأشخاص الذين من المفترض أن يكونوا مسؤولين عن العدالة بذلك، فما الذي مكن أن نتوقعه من الآخرين في السلطة؟ يسأل وائل موقع ميدل ايست آي
قرر وائل البقاء في حمص في الوقت الحالي، خاصة أن التقارير تشير اليوم إلى عودة تنظيم الدولة إلى سوريا والعراق حيث قال "الوضع في الرقة ليس آمنًا بما يكفي لأعود إلى هناك الآن. وإن عمليات الاغتيال تنفذ كل أسبوع من قبل خلايا تنظيم الدولة واليوم بدأت حياة جديدة هنا في حمص، لكن كل هذا ليس سبباً لمصادرة قوات سوريا الديمقراطية منزلي في الرقة".
أما بالنسبة لماهر وهو جار حاول مساعدة وائل في استعادة منزله فيقول "إن السكان المحليين مازالوا يعانون تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية" وذكر ماهر "بدأت قوات سوريا الديمقراطية بمصادرة منازل المدنيين منذ حوالي عام ونصف. هذه هي نفس الانتهاكات التي ارتكبها تنظيم الدولة وفصائل المعارضة ومن قبلهم نظام الأسد في الماضي".
وعندما غادر تنظيم الدولة الرقة، كان السكان يأملون في السلام وبداية جديدة. اليوم يخشون كل السلطات في المدينة.
وتحدث أب لثلاثة أطفال للصحيفة "بدأت قوات سوريا الديمقراطية بإعادة إنتاج الأخطاء التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية قبلها. على سبيل المثال، في الحي الذي نسكنه، استولت قوات سوريا الديموقراطية على 25 شقة مدنية من أصل 64.. أي جماعة مسلحة تسيطر على الرقة أسوأ من سابقتها".
المصادرة (غير الشرعية) للمنازل
وأشارت الصحيفة إلى أن الرقة شهدت أعنف قتال في عام 2017، وألحق أضراراً بمعظم البنية التحتية للمدينة وأجبر العديد من السكان على الفرار، وأفرغ مئات المنازل من ساكنيها.
وفي تاريخ 5 آب الماضي أصدر مجلس الرقة المدني المدعوم من قوات سوريا الديموقراطية قانونا مثيرا للجدل يهدف إلى "حماية ممتلكات الغائبين". وتضمن 21 مادة يصرح للحكومة الذاتية بالسيطرة على العقارات الشاغرة في مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية، أو ما يقرب من 70 بالمئة إلى 80 بالمئة من المدينة، ومنع أصحابها من تأجيرها أو بيعها.
إلا أن هذا القانون علق فجأة بعد أيام قليلة، نتيجة غضب وإدانة السكان على وسائل التواصل الاجتماعي، ومعظمهم من النازحين السوريين الذين أجبروا على مغادرة منازلهم.
وذكر القاضي السوري السابق والباحث القانوني عبد الرزاق الحسين للصحيفة، أن مبادرة السلطات في الرقة كانت غير دستورية إذ لا يمكنك تسميته قانونا لأن القوانين يجب أن تكون جزءا من دستور رسمي يمثل إرادة الشعب. لذا في هذه الحالة، كان مجرد قرار اتخذته سلطة غير شرعية على الرغم من أنهم أطلقوا عليه اسم "القانون".
وأضاف لا يمكن لأي سلطة أن تحرم مواطنيها من حق تفويض طرف ثالث لإدارة ممتلكاتهم، مما يجعل هذا القانون "غير قانوني تماما". كما أشار إلى أنه لا يمكن وصف الشخص بأنه " غائب" إلا إذا لم يكن أحد قادرا على معرفة مكان وجوده أو ما إذا كان على قيد الحياة أو ميتاً، مؤكداً أن الغائب وفق المادة 203 من القانون المدني السوري- شخص مجهول المصير.
وحاول موقع ميدل إيست آي التواصل مع مسؤول بلدية الرقة أحمد إبراهيم في محاولة لمعرفة الدافع وراء القانون لكن لم يحصل الموقع على أي رد.
وفي معرض تحقيقها حول موضوع الملكية تساءلت الصحيفة عن مالكي العقارات في الرقة وعرضت الصحيفة حالة المواطن أيمن جرادي وهو من المواطنين الذين فروا من مدينة الرقة عام 2016. وروت الصحيفة عودة أيهم إلى الرقة في كانون الثاني 2019 لاستعادة منزله في حي مساكن الحود، بعد أن استولت عليه قوات سوريا الديمقراطية دون أي سبب قانوني. ليفاجأ بوجود عائلة من الأكراد المهجرين من عفرين تقطن منزله. لتقوم قوات سوريا الديمقراطية بتخصيص منزل آخر له في المدينة (وهو اقتراح رفضه جرادي في البداية) ولكن قوات سوريا الديمقراطية رفضت إعادة منزله إليه. وقال جرادي للموقع "لا أريد أن أرتكب نفس الخطأ وأن أعيش في منزل لا يخصني، دون إذن أصحابه".
في نهاية الأمر اتضح أن أمامه خيارين فقط إما انتظار مغادرة الأسرة المهجرة لمنزله أو قبول المنزل البديل الذي تعرضه قوات سوريا الديمقراطية، ويعيش جرادي اليوم في منزل لعائلة سورية لاجئة في ألمانيا لكنه يشعر بالذنب نتيجة قبوله هذا الخيار حيث إن هذا المنزل أكبر وأفضل من منزله خاصة أنه لم يطلب الإذن من أصحاب المنزل، ليتواصل معهم لاحقاً ويطلب إذنهم وسمحوا له بالبقاء.
مسألة ضياع ملكية العقارات شكلت هماً كبيراً لدى من تم تهجيرهم من مجمل المناطق السورية ولعل هذا ما دفع هذه الصحيفة التي تهتم بشؤون الشرق الأوسط لأن تولي تقريراً لهذا الموضوع، والرقة ليست استثناءً في هذه القضية. فما يحصل في الرقة حصل مع أهالي ريف دمشق وبعض أحياء دمشق وفي مدن ومناطق أخرى من سوريا حيث استولى النظام على ممتلكات المواطنين دون وجه حق وبشكل غير قانوني.