عاشت مدينة القامشلي في محافظة الحسكة على مدار الأيام الماضية، وما زالت، توترا أمنيا متصاعدا بين "قوى الأمن الداخلي" (أسايش) التابعة لـ "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) من جهة، وقوات نظام الأسد وميليشيا "الدفاع الوطني" من جهة ثانية، تركز هذا التوتر في حي طي داخل المدينة.
هذا التوتر ليس بجديد على المشهد في القامشلي والحسكة عموما، فهو يتكرر بين الحين والآخر، ويرتبط بشكل وثيق برغبة "قسد" (القوة الأبرز في المكان) إعادة ترتيب المحافظة وفرد كامل سيطرتها العسكرية والأمنية عليها، وذلك لن يحدث إلا بتحقيق حاجتها في إخراج قوات نظام الأسد وميليشياتها من المحافظة إلى حدودها الإدارية حيث القطع والثكنات العسكرية كـ فوجي "كوكب" و"طرطب".
ما جرى في التوتر الأخير يحمل دلالات على تكراره
خلال الأيام الثلاثة الماضية وحتى مساء أمس الأحد، انتشرت أخبار عن توصل طرفي الصراع في القامشلي إلى "هدنة دائمة" بضمانة روسية، وصدرت عن "أسايش" بيانات عدة بهذا الخصوص، إلا أن جميع تلك التفاهمات تذهب أدراج الرياح بعد ساعات على بدء تنفيذها.
وبرز خلال هذا التوتر استخدام "أسايش" أنواعا من الأسلحة اقتصرت استخدامها على التوترات السابقة، ما يشير إلى أن "أسايش" تسير في اتجاه إيقاع أكبر عدد من الخسائر في صفوف النظام، ودفعه إلى التراجع عن سيطرته الأمنية بشكل نهائي وعبر الحلول العسكرية من القامشلي.
موقع تلفزيون سوريا رصد من خلال تسجيلات مصورة نشرتها شبكات وقنوات إخبارية كردية، استخدام قناصة "زاغروس" في عمليات الاشتباكات داخل حي طي ضد ميليشيا "الدفاع الوطني"، وهي قناصة من الحجم الكبير، ويجري الحديث عن أنه تم تطويرها على يد "وحدات حماية الشعب" (العمود الفقري لقسد) في سوريا أثناء عمليات القتال ضد تنظيم "الدولة" قبل سنوات.
وتم تطوير "زاغروس" عبر استخدام أجزاء من مدفع رشاش روسي ثقيل وزناد من قذائف "آر.بي.جي"، وهي بإمكانها اختراق العربات المدرعة، وفق تقارير لوسائل إعلام كردية.
كما استخدمت "أسايش" بشكل متكرر رشاشات متوسطة نوع (بي كي سي) كالتي تستخدم في المعارك، إضافة إلى عدة أنواع من القنابل الهجومية.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن معظم التوترات السابقة بين الطرفين كانت تقتصر على استخدام الرشاش الخفيف (بندقية كلاشينكوف)، حيث لم تشهد تلك التوترات سقوط عدد كبير من القتلى مقارنة بما يجري الآن في القامشلي.
وفي ضوء استخدام هذا النوع من الأسلحة، يتوقع مراقبون أن التوتر الحاصل حاليا قد يعود بين الطرفين، على الرغم من المساعي الروسية المتكررة لسحب فتيل الأزمة.
وكان موقع تلفزيون سوريا، حصل قبل أشهر على وثيقة سرية تتحدث عن إصرار "قسد" وبدعم من التحالف الدولي على إنهاء وجود نظام الأسد عسكريا وإداريا في مناطق "الإدارة الذاتية" وتحديدا في محافظة الحسكة، وكانت هذه الوثيقة قد نُوقشت مع الروس والنظام على دراية بها.
إلى جانب السلاح.. "قسد" استقدمت تعزيزات عسكرية من مقاتلين عرب إلى القامشلي
منذ الأيام الأولى للتوتر، طلبت "قسد" من "لواء الشمال الديمقراطي" التابع لها إرسال تعزيزات من عناصره إلى مدينة القامشلي، ليخوض مع "أسايش" اشتباكاته ضد قوات نظام الأسد والميليشيات المواليه لها.
كما أعلن فصيل "جيش الثورة" التابع لـ "قسد" استعداده لإرسال تعزيزات إلى القامشلي في حال طُلب منه ذلك.
ويمتلك النظام في مدينة القامشلي فرعاً لـ "أمن الدولة" وآخر لـ"الأمن العسكري" في بداية حي الوسطى شمالي شارع الرئيس، إلى جانب مديرية أمن المنطقة والمحكمة الواقعتين في حي الوسطى وشارع القوتلي وحي طي أيضا يسيطر عليه النظام، وهذه المناطق تشكل مربعه الأمني، أما في الحسكة فيتمثل مربع النظام الأمني في مركز المدينة وحي الميريديان ومساكن المحطة وهذا الحي تمكنت "قسد" خلال التوتر الأخير من السيطرة على أجزاء منه، لتصبح الكنيسة الآشورية هي الحدود الفاصلة بين الطرفين.
ويمثل استقدام مقاتلين من المكون العربي إلى القامشلي خطوة لافتة من قبل "قسد"، يرى فيها مراقبون أن "قسد" ترمي إلى تعزيز فرضية أن عناصرها مؤلفة من جميع المكونات وليس من الأكراد فقط، خاصة أن تسليط الضوء على هذه الفرضية سيكون مثمرا حاليا لما تحمله القامشلي من أهمية كبرى بالنسبة لـ "قسد" وقياداتها العسكرية والسياسية، حيث يتوقع استمرار التوتر وسقوط عدد من القتلى ولعلها -أي قسد- تريد أن يكون هؤلاء من "لواء الشمال الديمقراطي" و"جيش الثورة" وليس من "أسايش" وباقي مكونات "قسد" الأساسيين كـ "وحدات حماية الشعب".