icon
التغطية الحية

قفزة كبيرة بساق واحدة .. حكاية شاب سوري نجا من زلزال أنطاكيا واعتلى منصة التخرج

2023.06.10 | 05:41 دمشق

حكاية شاب سوري نجا من زلزال أنطاكيا واعتلى منصة التخرج
سري وتي
إسطنبول - حمزة خضر
+A
حجم الخط
-A

تحولت اللحظات الهادئة في المنزل الذي كان يسكن فيه الشاب السوري "سرّي وتّي" وأصدقاؤه إلى لحظات من الرعب فجر يوم 6 من شباط من العام الحالي، وذلك بعد تعرض 11 ولاية تركيا لزلزال مدمر أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص.

لم يكن يتوقع سري أنه في هذه الليلة ستتبدل معالم حياته بشكل كبير، وبأن مدينة أنطاكيا التي يحبها بسبب قربها من مدينته سلقين التي ضربها الزلزال أيضاً، ستشهد قصة "بداية عجزه" بحسب تعبيره، بعدما كانت محطة انطلاقه عندما قدم إليها مطلع عام 2017 باحثاً عن حياة جديدة غير تلك التي هرب منها تحت براميل وقصف النظام السوري.

يروي سري لموقع تلفزيون سوريا تفاصيل بداية رحلته إلى تركيا عندما قدم إليها متخطياً الحدود بطرق غير شرعية، باحثاً عن حلمه في إكمال تعليمه، بعدما فقد مقعده في كلية الحقوق بمدينة حلب، حيث تنقل بين ولايتي هاتاي وغازي عنتاب باحثاً عن عمل كي يعينه على تكاليف الحياة.

معوقات الأوراق

استطاع سري إيجاد عمل في أحد المقاهي في مدينة الريحانية التابعة لولاية هاتاي جنوبي تركيا على الحدود السورية، ومن ثم عمل في مكتب للخدمات الجامعية، والذي ساعده في إيجاد مقعد دراسي في ولاية كاستامونو التركية، إلا أن صعوبات الحصول على إذن سفر ونقل "الكملك" حال دون تحقيق حلمه في العودة إلى مقاعد الدراسة.

حاول سري الحصول على مقعد جامعي في ولاية أقرب يسهل الذهاب إليها في السنة المقبلة، واستطاع الحصول على قبول في كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية التابعة إلى جامعة ماردين أرتوكلو، حيث يدرس هذا القسم باللغة العربية مقابل مبالغ مادية رمزية، وبدأ مشواره الدراسي بعد عامين من محاولاته الحثيثة لتحقيق ذلك في ماردين.

وعاش سري سنواته الجامعية بطريقة رتيبة جداً بحسب وصفه، وبقي يتنقل بين مدينة أنطاكيا التي يحبها لقضاء عطلته الدراسية، وولاية ماردين التي يدرس فيها، ويتابع عمله في مكتب الخدمات الجامعية، إلى جانب عمله في تعليم اللغة العربية للأطفال العرب في الدول الغربية عبر الإنترنت، وصل إلى سنة التخرج من الجامعة.

سري الذي اعتاد على قضاء عطلته الدراسية في أنطاكيا برفقة أصدقائه، تصادف أن كان يقضي عطلة منتصف السنة في المدينة حين وقع الزلزال المدمر، والذي أصاب 11 ولاية تركية، ومناطق شمال غربي سوريا، بما فيها مدينته التي ينحدر منها، سلقين التابعة لمحافظة إدلب.

"انتظرت انقضاء أجلي"

كان سري وصديقاه يستعدون للنوم في المنزل الذي يستأجره في المدينة، عندما شعروا بزلزال ضعيف يهز المنزل، في البداية، لم يتوقعوا أن يكون الزلزال خطيراً، فقد تعودوا على هزات خفيفة في تلك المنطقة بحسب ما أخبر سري موقع تلفزيون سوريا، إلا أن قوة الزلزال بدأت تتزايد بشكل مخيف، وبدأ البناء الذي كانوا فيه يتأرجح بشدة.

بسرعة هائلة، قرر سري وصديقاه الهرب من المنزل. نزلوا سريعاً من الطابق الثاني إلى خارج البناء، وفي حين نجح صديقاه في الوصول إلى بر الأمان، إلا أن سري تعثرت قدماه عند الطابق الأول وسقط على الأرض، وقبل أن يتمكن من النهوض، انهار البناء فوقه لتحاصره الأنقاض وتمنعه من الحركة بشكل كامل، تاركة رأسه فقط دون قيود.

يصف سري اللحظات الأولى له تحت الأنقاض بعد أن انقطع تواصله مع صديقيه اللذين استطاعا النجاة من الكارثة: "بعد انهيار المبنى، أتت هزة ارتدادية أخرى، ومعها بدأت أسمع صراخ سكان البناء المحاصرين تحت الأنقاض في الطوابق العليا والسفلية، وأنا انضممت لهم في الصراخ، إلا أنني توقفت عن ذلك عندما أدركت بأنني أستجدي مساعدة من أناس يعانون مثلي، لذا صمت وانتظرت انقضاء أجلي".

فيديو التقطه شاب سوري لسري وهو تحت الأنقاض

طاقة أمل.. المنقذ المجهول صباح

ويؤكد سري أنه بدأ يفقد الأمل في الحياة، واستسلم إلى الموت، خاصة أنه فقد الشعور في قدميه تماماً، وسط عجزه عن الحركة، إلى أن جاء شخص سوري يدعى صباح، الذي كان يصرخ باحثاً عن ناجين في المبنى، واستطاع الوصول إلى سري والتحدث معه.

سري الذي لم يكن يعرف ما حدث خارج حدود البناء القابع تحته، علم من صباح أن زلزالاً ضرب جنوبي تركيا، وبأن الطرق تقطعت إلى هذه المدينة، واطلعه على وضعه حيث كان "بيت الدرج" والمصعد قابعين فوقه ويمنعانه من الحركة أو تلقي المساعدة.

يكرر سري ذكر اسم صباح بكثرة خلال حديثه إلى الموقع، فهو الذي أحضر "قزمة" وهي مطرقة كبيرة تستخدم عادةً لهدم الأبنية، واستعملها في فتح ما يشبه الشباك الصغير مما أتاح دخول الضوء والهواء إلى سري بعد قضائه أكثر من 12 ساعة تحت الأنقاض.

"الألم الشبحي"

ويكشف سري بأن الكثير من أصدقائه بدؤوا بالتوافد إليه بهدف المساعدة، إلا أن صعوبة الموقف حالت دون قدرتهم على تقديم أي نوع من أنواع المساعدة، وبقي تحت الأنقاض مدة 40 ساعة قبل أن تأتي فرق الإنقاذ التركية لتقديم المساعدة المطلوبة.

سري الذي فقد شعوره بقدميه، أبلغته فرق الإنقاذ بضرورة بتر قدميه الاثنتين قبل إخراجه، إلا أن أصدقاءه الذين كانوا في الجوار رفضوا هذا الأمر، ودفعوا نحو إخراجه دون إجراء أي عملية بتر تحت الأنقاض، وهو ما استجابت له فرق الإنقاذ واستطاعت إخراجه من تحت الأنقاض وسط تصفيق من المتجمعين.

ونقل سري وتي إلى المشفى الجامعي في أنطاكيا، حيث كانت حالته الصحية في تدهور مستمر. تعرض لنزيف وفقدان الإحساس في قدميه، واضطر للبقاء في مشفى مرسين لعدة أيام لتلقي العلاج اللازم. بذل الأطباء قصارى جهدهم لإنقاذ ساقه اليمنى التي كانت منتفخة بشكل خطير، إلا أنهم لم يتمكنوا من ذلك، مما دفعهم إلى نقله إلى مشفى "جام وساكورة" في إسطنبول عبر طائرة الإسعاف.

وأجرى الأطباء في إسطنبول بتاريخ 16 من شباط، عملية جراحية لسري الذي استعاد وعيه بعد يومين ليكتشف أن ساقه اليمنى قد بُترت، حيث أخبره الأطباء أنه لم يتمكنوا من إنقاذ ساقه وكان من الضروري بترها للحفاظ على حياته، إلا أنه لم يصدق ذلك: "لم أصدقهم، كنت أشعر بوجودها، إلا أنهم أخبروني بأنني سأعاني لفترة من الوقت بما يسمى الألم الشبحي، وما زلت أشهر بقدمي المبتورة وبأصابع قدمي أيضاً".

وكتب وتّي منشوراً على حسابه في فيسبوك مرفقاً بصورة له، قال فيه: "هنا و ابتداءاً من يومنا هذا انتهت حياتي و انا اخطو خطوتين، إلا انني املك بعض الطاقة التي تؤكد لي قدرتي على بدء مسيرة جديدة ذو خطوة واحدة وكّلي امل على انها ستعادل الخطوتين تلك باذن الله."

إتمام الدراسة وإعادة التأهيل

وأعرب سري عن رغبته الشديدة في استكمال تعليمه الجامعي والتخرج خلال زيارة أقاربه وأصدقائه له، وتلقى دعماً كبيراً من أساتذته في الجامعة. حيث ساعدوه في إكمال إجراءات التسجيل ووفروا له الدعم الأكاديمي اللازم للتحضير للامتحانات. وبفضل جهوده الذاتية والدعم الذي تلقاه، نجح سري في اجتياز جميع المواد التي قدمها وتحقيق حلمه بالتخرج.

سري وتي

ومن اللافت للانتباه، أن الحكومة التركية ساعدت سري وأسرته من أجل حضور حفل التخرج الذي أُقيم في جامعة ماردين، ومنحوا عائلته تأشيرة دخول إلى تركيا من أجل أن يشاركوه فرحته بتخرجه، والذي شكل نقطة تحول في حياته بعد سنوات من الجهد والتحصيل العلمي.

وكتب سرّي في منشور على فيسبوك يوم تخرجه من جامعة ماردين: "" نحن محكومون بالأمل".

وفي ختام حديثه، أشار سري إلى أنه خضع لعدة جلسات علاج فيزيائي لتعافي قدمه اليسرى التي تعرضت للبتر. وعلى الرغم من أنه يستخدم الآن كرسياً متحركاً، إلا أنه يطمح في تركيب طرف صناعي لاستعادة حركته واستقلاليته، وهو ما يشكل تحدياً مالياً كبيراً نظراً لارتفاع كلفة الطرف الصناعي الذي يزيد سعره على 10 آلاف دولار، مما يعرقل بدء مرحلة إعادة التأهيل بالكامل. ومع ذلك، يظل سري مصمماً على تجاوز هذه المرحلة الصعبة ومواصلة حياته بتفاؤل وقوة إرادة.