أنشودة رمضانية طالما رددتها حناجر الأطفال الدمشقيين عند اقتراب إطلاق مدفع الإفطار في شهر الصيام، تقول: (طاطا يا طاطا.. صحن السلطة.. كبة على رغيف.. صاحوا يااااا لطيف.. شعل الضو.. انطفا الضو.. صاح المدفع بوووو.. بقلب العدووو).. فمن أين أتى تقليد مدفع الإفطار؟ الذي أصبح من أهم الطقوس المرافقة لشهر رمضان، عرفاً وموروثاً في أغلب الدول العربية والإسلامية.
وكان السوريون قبل العام 2011 مثابرين على هذا التقليد في غالبية المدن، وخصوصاً دمشق وحلب وحماة، حيث كانت المدافع تنصب على القلاع الأثرية في تلك المدن ليكون دوي المدفع واضحاً ومسموعاً لغالبية السكان وكان يطلق عليه في سوريا (دويّ الطوّب)، ليعلن عن بدء موعد الإفطار.
ومع بداية الحرب اختفى هذا التقليد ليحل محله دوي مدافع النظام وروسيا، ثم عاد مجدداً بشكل تدريجي حاملا معه نكهة الشهر الفضيل.
روايتان من مصر
وتعود أصول هذا التقليد بحسب معظم الروايات إلى المصادفة البحتة، ما أكده الدكتور حسام شاكر في كتابه "أصل الكلام" وعزز الرواية الدكتور "علي الطايش" أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بكلية الآثار بجامعة القاهرة، حيث يتفق المؤرخان بأن القاهرة كانت المدينة الأولى التي يطلق المدفع فيها.
وتذكر الروايات؛ أنه في عهد السلطان المملوكي "خوشقدم" عام 1460 ميلادي الموافق 865 هجري، أراد السلطان أن يجرب مدفعًا جديداً وصل كهدية له من مصنع ألماني وصادف إطلاق المدفع مع وقت المغرب في أول يوم من شهر رمضان، الحادثة التي ظنها العامة مقصودة لإعلامهم وتنبيههم إلى موعد الإفطار، ولكن في اليوم التالي لم يطلق المدفع في موعد أذان المغرب، فتوجه الأهالي إلى قصر الحاكم مطالبين بإطلاق المدفع، ولكون القاهرة مدينة مترامية الأطراف فإن الأذان لا يسمع فيها بنفس التوقيت، فاستحسن الأهالي فكرة إطلاق المدفع في وقت الغروب، ليكون إشارة على بدء موعد الإفطار.
وتذكر الرواية، أن الحاكم لم يكن في القصر فقابل الأهالي زوجته وتدعى "الحاجة فاطمة"، التي قبلت طلب الأهالي وتوسطت لدى الحاكم، ليعلن على إثر ذلك "فرمانا" يأمر بتنصيب المدفع في قلعة صلاح الدين بالقاهرة، وإطلاق المدفع كل يوم في موعد أذان المغرب لإعلان موعد الإفطار، ليطلق الأهالي على المدفع (مدفع الحاجة فاطمة).
وبسبب عدم وجود قنوات اتصال بين مسجد القاهرة الكبير وقلعة صلاح الدين، كان يعمد إلى إضاءة قناديل على مئذنة الجامع الكبير وقت صلاة المغرب فيراها رامي المدفع في برج قلعة صلاح الدين ويقوم بإطلاق القذيفة لتعلن بدء موعد الإفطار.
وفيما بعد انتقل هذا التقليد إلى بلاد الشام، وخصوصا دمشق وحلب وطرابلس في لبنان.
بين محمد علي والخديوي إسماعيل
عدة روايات أخرى تتحدث حول أصول هذا التقليد، لكنها تعتبر أقل موثوقية تاريخية، حيث لم يتفق عليها الباحثون، وتقول إحدى الروايات إن إطلاق المدفع جاء على يد "محمد علي باشا" في أثناء حكمه لمصر، وإن الأمر جاء بتجريب مدفع في وقت أذان المغرب.
بينما تنسب رواية أخرى الحدث لخطأ غير مقصود في عهد الخديوي إسماعيل عام 1871، حين كان الجنود يقومون بصيانة أحد المدافع لتنطلق على إثرها قذيفة دوت في سماء القاهرة، وتزامن ذلك مع وقت أذان المغرب في أحد أيام رمضان.
ورغم اختلاف الروايات التاريخية حول أصل مدفع الإفطار في رمضان، إلا أن إطلاق مدفع الإفطار بالإضافة لمدفع الإمساك بات عرفاً سائداً في الدول الإسلامية، وأيضاً إطلاق ٢١ طلقة مدفع للإعلان عن قدوم الشهر الفضيل و٢١ طلقة للإعلان عن عيد الفطر.