إذا حالفه الحظ في أحد الأسابيع فسيقوم مهند بتنظيف خمسة بيوت في إسطنبول حيث يقيم، وهو كلاجئ يعتبر من بين المحظوظين، فقد استطاع أن يجد لنفسه عملاً لدى شركة تنظيف بعد أشهر من وصوله إلى تركيا من جارتها العراق. ويخبرنا مهند الذي طلب عدم الكشف عن كنيته حفاظاً على سلامته فيقول: "من الصعب أن تجد عملاً في تركيا بسبب وجود كثير من اللاجئين فيها، ولهذا أرى بأن شركة التنظيف التي عملت لديها أنقذتني، وقدمت لي الكثير من الدعم".
وهذه الشركة هي عبارة عن شركة تقدم خدمات التنظيف في إسطنبول، وهي شركة أسسها لاجئون وتقوم بتوظيف لاجئين، إذ انطلق هذا المشروع في شهر تشرين الثاني من عام 2018، وأصبح ينمو بشكل مطرد منذ ذلك الحين.
ويخبرنا مؤسس هذه الشركة عبد الواحد كباكيبو عن تجربته فيقول: "بدأنا المشروع بسؤال أصدقاء أصدقائنا عن رغبتهم بتشغيل شخص مقابل 10 أو 20 دولار باليوم، ثم بدأنا بالبحث عن أشخاص من مجتمعنا يبحثون عن عمل".
وفي عام 2018 هرب مهند البالغ من العمر 26 عاماً من العراق الذي دمرته الحرب والفساد، وما تزال أسرته تعيش في بغداد، لكنه يحدثنا عن تجربته فيقول: "أشتاق للعراق ولأصدقائي وللحي الذي سكنته ولبيتي ولأسرتي، بالطبع أشتاق للعراق".
لم يكن قرار مغادرة البلاد بالهين عليه، فقد كان مدرب فنون قتالية، ومثل بلده في بطولات إقليمية، ولهذا يقول: "أود لو أنام وأمارس الرياضة، فقد كنت أرغب بأن أصبح خبيراً في الفنون القتالية، ومعالجاً فيزيائياً، ولكن بسبب كل ما حدث بعدما غادرت العراق، ينبغي علي أن أتخلى عن كل ذلك".
في بداية الأمر لم تكن تركيا الوجهة المفضلة بالنسبة له، ولهذا توجه إلى أوروبا الغربية، لكنه اعتقل في اليونان بعدما دفع لمهربين حتى يساعدوه على اجتياز البحر. ثم أعيد إلى تركيا، حيث حكم عليه بالسجن لمدة سنة بسبب عبوره للحدود بطريقة غير شرعية.
غير أنه لم يبق في السجن أكثر من شهر وذلك بسبب مرضه، ولهذا أطلقت السلطات التركية سراحه بشرط عودته إلى بلده.
يذكر أن تركيا تؤوي أربعة ملايين لاجئ تقريباً، بينهم 3.6 مليون سوري.
فالسيد كباكيبو الذي أسس شركة تنظيف تحمل اسم A Clean Start هرب من مدينته حمص في سوريا إلى تركيا في عام 2016، وحول ذلك يقول: "أتيت إلى هنا بسبب الحرب في سوريا، فقد طلبت للخدمة العسكرية، ولم أكن أرغب بالانضمام لجيش النظام".
وفي الوقت الذي هرب فيه السيد كباكيبو من بلده، أخذت مدينته الأم تتحول إلى ركام، فقد قتل آلاف السوريين في حمص وحدها خلال الحرب السورية التي هزت البلاد على مدار تسع سنوات.
وقد درس السيد كباكيبو الصيدلة في سوريا، لكن ليؤمن قوت يومه في إسطنبول اضطر للعمل في العديد من المهن إلى أن وجد فرصته في إطلاق مشروع التنظيف هذا.
إذ قامت شركةA Clean Start بتأمين فرص عمل لحوالي 35 لاجئ على الأقل منذ انطلاقتها، كما أصبح لديها قائمة طويلة بأسماء العملاء الأجانب، ومن بينهم تسنيم عنجروالا، وهي أميركية مقيمة في إسطنبول طلبت المساعدة في تنظيف شقتها فحصلت على ما تريده، وتحدثنا عن هذه التجربة بالقول: "أصبحت على قناعة أكبر بأنني إذا كان علي أن أدفع مقابل خدمة ما، فيجب أن أتأكد من أن المال الذي أدفعه يذهب باتجاه ما أؤمن به. إذ فقط بسبب وجودك هنا بصفة مهاجر أو لاجئ لا يعني بالضرورة أنه ليس لديك القدرة على القيام بالعمل الذي تدربت عليه، بل إنه ليس بمقدورك أن تجد هذا العمل أصلاً".
إذ لا يرحب الكل هنا بوجودك كلاجئ، فقد أخبرنا مهند أنه يتعرض للعنصرية والتمييز بصورة يومية، ويروي لنا حادثة جرت معه في منطقة كاديكوي بإسطنبول فيقول: "هنالك الكثير من الآراء العنصرية المعادية للاجئين، ففي إحدى المرات كنت في كاديكوي فتعرضت لهجوم من قبل أربعة شبان وامرأتان، وقد رماني أحدهم بحجر وهو يسألني: "هل أنت عربي؟ هل أنت سوري؟"
ومع ذلك قدمت شركة A Clean Start لمهند فرصة عمل لم يحصل عليها كثيرون غيره، ولهذا يقول: "لقد حسنت مهاراتي اللغوية بالتركية والإنكليزية وسمح ذلك لي بالتعرف إلى أحياء كثيرة، وطريقة الوصول إليها باستخدام المواصلات العامة، كما أتاح ذلك لي التعرف على الزبائن، فأصبح لدي أصدقاء بينهم".
وخلال ذروة انتشار الجائحة، اضطرت هذه الشركة للإغلاق طيلة أشهر عدة، غير أن هذا المشروع عاود نشاطه من جديد، وأصبح على مهند والفريق الذي يعمل معه أن يلتزموا بالإجراءات الصحية مثل ارتداء القفازات وتعقيم كل شيء كلما سنحت الفرصة. بيد أن كوفيد-19 ليس الشيء الوحيد الذي يقلق بال مهند الذي عبر عن ذلك قائلاً: "إنني خائف بالطبع، إذ يمكن ترحيلي بوصفي لاجئاً في أي وقت إن ارتكبت مخالفة أو حدثت معي أي مشكلة، حتى ولو لم يكن الذنب ذنبي، بل حتى إن لم أكن السبب في ذلك".
المصدر: بزنس إنسايدر