أطلقت "الإدارة الذاتية" في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) شمال شرقي سوريا، سراح عشرات الأشخاص لديها بتهمة الانتماء لــ تنظيم الدولة (داعش)، وذلك بسبب "حسن سلوكهم"، في حين ما تزال تخفي قسرياً آلاف المعتقلين في سجونها، بحسب تقرير الشبكة السورية لـ حقوق الإنسان.
وبحسب مصادر لـ موقع تلفزيون سوريا، فإنّ "الإدارة الذاتية" أفرجت عن نحو 80 شخصاً متهماً بالانتماء لـ"داعش" من ثلاثة مراكز احتجاز في الرقة والحسكة وعلى عدة دفعات، وذلك بمناسبة عيد الفطر الفائت.
وكان آخر هذه الدفعات الإفراج عن 22 سجيناً من السجن المركزي في الرقة، يوم 19 نيسان الفائت، سبق ذلك الإفراج عن أكثر من 60 شخصاً آخرين من سجني "علايا" في مدينة القامشلي، و"غويران المركزي" في مدينة الحسكة.
"دواعش فقط"
قالت ناشطة من مدينة منبج شرقي حلب لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّ شقيقها معتقل منذ عامين لدى "قسد" بتهمة "كاذبة" هي التواصل مع تركيا والجيش الوطني السوري، مردفةً يبدو أنّ العفو الصادر عن "الإدارة الذاتية" خاص بعناصر "داعش"، لذلك لم يخرج شقيقها، كما لم يخرج أي من سجناء منبج.
اقرأ أيضاً.. قسد تطلق عملية "القَسَم" وتعتقل 36 ناشطاً بتهمة "العمالة" لتركيا
وشدّدت على أن العفو هو "دعائي" لـ مؤسسات "الإدارة الذاتية"، التي تزعم أنها تستطيع إصلاح حتى عناصر "داعش"، علماً أنّ أولئك العناصر قد لا يكونون من المنتمين للتنظيم، إنّما تتهم "قسد" بذلك.
"اعتقال بلا محاكمة"
شاب ينحدر من ريف القامشلي تحدّث لـ موقع تلفزيون سوريا من ألمانيا التي وصلها مؤخراً، قائلاً إنّه اعتُقل لمدة شهرين في منزل بالقامشلي ثم نقل إلى سجن جركين، حيث أمضى فيه أكثر من شهر ونصف، قبل أن يُفرج عنه بعد دفع عائلته 8 آلاف دولار، مشيراً إلى أنّه "قرّر مغادرة سوريا بسبب استمرار ملاحقته ومحاولة تجنيده كـ مخبر لدى جهاز استخبارات قسد".
وأضاف الشاب - فضّل عدم الكشف عن اسمه - أنّ اثنين من أقربائه هم الآن في سجون "قسد" بعد اعتقالهم بتهمة الانتماء لـ"داعش"، عام 2016، علماً أنهم يعيشون في القامشلي ولم يسبق لهما الإقامة خارج مناطق سيطرة "قسد"، كما أنّهما لم ينخرطا في صفوف أي فصيل عسكري، ورغم ذلك اعتقلا لمدة عام وتعرّضا للتعذيب.
اقرأ أيضاً.. طلال سلو يتحدث لتلفزيون سوريا عن انتهاكات "قسد" في سجونها
وتابع: "عُرضا لاحقاً أمام (محكمة الإرهاب) في القامشلي، والآن يقضيان عقوبة السجن في سجن علايا"، لافتاً إلى أنّ "اعتقالهما وحكمهما بالسجن كان بناء على تقارير أمنية كاذبة لا أساس لها من الصحة، وبطبيعة لم يُفرج عنهما ضمن قرار العفو، بحسن السلوك".
مَن يحاكم المعتقلين؟
تتولى "محكمة الشعب" أو "محكمة الإرهاب" التابعة لـ"الإدارة الذاتية" والتي أسّست بداية 2014، للنظر في الجنايات المتعلقة بالإرهاب لكن ما يسمى بميثاق العدالة الاجتماعية لا يتضمن أي تفاصيل عن آلية عمل المحكمة، وقد وُجّهت إليها انتقادات عدة لكونها محكمة استثنائية تشكّل خرقاً لقوانيين الإدارة ذاتها.
ويشوب قانون الإرهاب المعمول به الغموض، خاصة أنه لم يُنشر في الصحف والوسائل الرسمية في مناطق سيطرة "قسد"، كما أنّ المحكمة لا تقبل المرافعة والدفاع عن المتهم، إذ أكّدت منظمات دولية على رأسها العفو الدولية ومجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة على اعتقال بعض الأفراد لفترات تصل إلى سنة من دون تهمة أو محاكمة.
وتابعت المصادر أنّ الإجراءات المتخذة بحقهم كانت جائرة على نحو صارخ إذ تعرضوا للتعذيب وحُرموا من حقوقهم بالاطلاع على الأدلة الموجهة ضدهم أو الاتصال بمحام. كما أنها تدار من جانب كوادر حزب العمال الكردستاني بشكل مباشر الذين يشرفون على تعيين قضاتها وسير العملية القضائية برمتها، وفقا لكتاب بحثي أصدره مركز عمران بعنوان "الإدارة الذاتية مدخل قضائي في فهم النموذج والتجربة" صدر بالعام 2021.
آلاف المعتقلين عند "قسد" منذ 2012
نور الخطيب - عضو الشبكة السورية لـ حقوق الإنسان - قالت لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّ الشبكة وثّقت ما لا يقل عن 52 شخصاً أفرجت عنهم "قسد" بمناسبة مرور ذكرى احتفالية عيد النوروز، وذلك خلال شهري آذار ونيسان 2023، مشيرةً إلى أنّ معظمهم أٌفرج عنهم من سجن "الكم الصيني" جنوبي الحسكة.
وأوضحت "الخطيب" أنّ معظم المُفرج عنهم تراوحت مدة اعتقالهم ما بين السنة والخمس سنوات، وقد اعتُقلوا بتهمة الانتماء لتنظيم الدولة (داعش).
ووثّقت الشبكة السوريّة ما لا يقل عن 4513 شخصاً، بينهم 779 طفلا و524 سيدة، وجميعهم ما يزال قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري في مراكز الاحتجاز التابعة لـ"قسد"، وذلك منذ تأسيس "وحدات حماية الشعب - YPG" في تموز 2012 وحتى آذار 2023.
كذلك وثّقت الشبكة اعتقال ما لا يقل عن 149 شخصاً، بينهم 16 طفلا و2 سيدة، تعتقلهم "قسد" منذ كانون الثاني 2023 حتى نيسان 2023، وأُفرج عن 29 شخصاً منهم، في حين تحوّل 120 إلى مختفين قسرياً. وهو تقريباً ضعف ما أُفرج عنهم خلال شهر نيسان.
"عفو بإعادة تدوير"
الصحفي السوري مصعب الحامدي قال لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّ "قسد" تحتفظ بمئات المعتقلين من الناشطين والمدنيين المعارضين لها وهذا مثبت في تقارير حقوقية عدّة، كما لديها آلاف المحتجزين من عناصر "داعش"، ولكنّها تحاكم الجميع بتهمة الانتماء لـ"داعش" تقريباً، وهو ما يجعل مَن يخرج من سجونها ومعتقلاتها يوصم بتهمة "داعش" ولو لم يكن منخرطاً أو متعاوناً مع التنظيم.
وتابع: "قسد تتعمد في أحيان كثيرة إخراج عناصر داعش من سجونها بهدف ضمان استمرار حالة عدم الاستقرار في المنطقة، وبالتالي استمرار دعمها"، مشيراً إلى "رصد حالات إعادة اعتقال لخارجين من سجون قسد أكثر من مرة بالتعاون مع التحالف الدولي، وهذا يؤكد فرضية إعادة التدوير.
يشار إلى أنّ التحالف الدولي نفّذ، في 17 نيسان الفائت، عملية إنزال جوي في قرية السويدة بمنطقة جرابلس شمال شرقي حلب، لاعتقال إبراهيم المعن - ينحدر من مدينة السفيرة شرقي حلب - وقد عُثر عليه مقتولاً برصاص التحالف في محيط المنطقة، واللافت أن "المعن" كان معتقلاً في سجون "قسد" ووصل إلى قرية السويدة قبل نحو 6 أشهر فقط.