باتت الضربات العسكرية التي ينفذها سلاح الجو الإسرائيلي على مراكز نفوذ القوات الايرانية الموجودة في سوريا روتيناً متكرراً، حيث تجاوز عدد الضربات المئات.
وارتفعت وتيرة الضربات بشكل مكثف بعد عملية طوفان الأقصى 7 تشرين الأول 2023، حيث اغتالت إسرائيل في 25 كانون الأول 2023 رضي موسوي في دمشق، وهو ضابط برتبة عميد في الحرس الثوري الإيراني، وفي 1 نيسان 2024 اغتالت محمد رضا زاهدي ومحمد عادي حاجي رحيمي إلى جانب مجموعة من قادة الميليشيات بغارة على القنصلية الإيرانية في العاصمة دمشق، وقد سبق هذه العملية بثلاثة أيام وبالتحديد بتاريخ 29 آذار 2024 تنفيذ إسرائيل لضربات على مطار حلب الدولي، حيث تم استهداف مجموعة من مقاتلي حزب الله اللبناني.
وتختلف أهمية وخلفيات كل استهداف بحسب موقع ووزن الشخصية المغتالة، فعلى سبيل المثال قصف القنصلية الإيرانية واغتيال شخصيات كبيرة ومؤثرة في الجيش لا يشبه ضرب النقاط العسكرية، فقصف القنصلية بهذا الشكل محرم دولياً، وتوجد قوانين وأعراف دولية موقع عليها ضمن اتفاقية فيينا تحمي الممثلات الدبلوماسية للدول من أي اعتداءات أو تجاوزات. لكن يجب ألا ننسى أن أيران ليست بعيدة عن خرق هذه القوانين وهي تشبه إسرائيل بهذا السلوك، فقد سمحت القوات الإيرانية لمجموعة من المتظاهرين بحرق القنصلية السعودية في إيران عام 2016.
تحاول هذه المقالة وضع قراءة أولية للضربات العسكرية التي تنفذها إسرائيل ضد القوات الإيرانية على الأراضي السورية، لتحديد الخاسرين والرابحين من هذه الضربات التي توحي بأنها لن تتوقف على المدى القصير، بل ستكون مكثفة في قادم الأيام.
من الصعب التنبؤ برغبة النظام في التخلي عن إيران، مقابل التقرب من دول الخليج.
الرابحون
وفي ظل الضربات العسكرية الجوية التي تنفذها إسرائيل داخل الأراضي السورية ضد مراكز نفوذ القوات الإيرانية وما يرتبط بها من ميليشيات،من هم أبرز الرابحين أو المستفيدين من ذلك؟
ليس من المفاجئ اذا قلنا أن النظام السوري هو أكبر المستفيدين من الضربات الإسرائيلية على القوات الإيرانية، لأن ذلك قد يؤدي في نهاية المطاف إلى الحد من النفوذ الإيراني في سوريا والذي سيقابله انفتاح خليجي. لطالما طالبت بعض الدول الخليجية من النظام السوري بتقليص النفوذ الإيراني مقابل استثمارات ودعم برامج التعافي المبكر - قد تدعمها السعودية والإمارات بدرجة أولى عن طريق منظمات دولية، وذلك منعاً لتعرضهم للعقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأميركية.
وبهذه المعادلة يحقق النظام خرقاً كبيراً باستعادة جزء من عافيته الاقتصادية والسياسية ومن نفوذه على بعض مؤسسات الدولة. لكن من غير الممكن في الوقت الحالي التنبؤ بخصوص قدرة النظام على تقليص النفوذ الإيراني على الرغم من الضربات الموجعة المستمرة التي تتلقاها القوات الإيرانية.
كما أنه من الصعب التنبؤ برغبة النظام في التخلي عن إيران، مقابل التقرب من دول الخليج، لأن الأخيرة لم تكن يوماً حليفاً استراتيجياً له، في حين أن طهران كانت ولا تزال حليفاً استراتيجياً تاريخياً من الصعب التضحية به بشكل كامل.
وفوق كل ذلك عملت إيران خلال عقود على تثبيت نفوذها في سوريا على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وانطلاقاً من ذلك يمكن القول بأننا أمام سيناريو تقليص النفوذ الإيراني في سوريا وليس التخلي عنه، بما يضمن حدوث فراغ قد تملؤه دول مجاورة خليجية عبر الدعم المالي، لاسيما أن روسيا منشغلة في حربها على أوكرانيا وصراعها مع حلف الناتو.
والرابح أو المستفيد الثاني هو السعودية التي عانت في الحقيقة من التهديدات الإيرانية لاسيما التي وقعت على منشآت النفط. واستطاعت الرياض بعد صراع طويل دام لعقود مع طهران أن توقع في عام 2023 اتفاقاً مع إيران برعاية صينية لتجميد الخلافات بين الدولتين ولو بشكل مؤقت ولتطبيع العلاقات السياسية أيضاً، وبما لا يسمح لأي من الدولتين بارتكاب أية أعمال عدائية ضد بعضهم البعض.
ولطالما شكلت المليشيات الشيعية الموالية والمنتشرة في العراق واليمن ولبنان وسوريا قلقاً للسعودية، تأتي الضربات الإسرائيلية على الميليشيات والقادة الإيرانيين في سوريا كخدمة لأمنها الوطني، لأنها تضعف من قوتهم وتنسيقهم وتساهم في تشتتهم، وبذات الوقت تحافظ الرياض على اتفاقها مع إيران بما يحفظ الدولة من أي عملية تصعيد، لانحصار المواجهة بين إسرائيل وإيران.
والأردن هو ثالث أكبر الرابحين، لأن المملكة ترى في تحشد القوات الإيرانية على حدودها مصدر تهديد لأمنها القومي. وإضعاف النفوذ والميليشيات الإيرانية داخل الأراضي السورية عبر الضربات الجوية الإسرائيلية من أهم الأدوات الفعالة لوقف التمدد الشيعي الإيراني إلى داخل الحدود الأردنية. وبذلك تعتبر عمان كل العمليات الموجهة ضد القوات الإيرانية والمرتبطة بها في سوريا لصالح الأمن القومي الأردني.
عملت إيران خلال عقود على تثبيت نفوذها في سوريا على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
الخاسرون
لا شك أن للضربات التي تتعرض لها القوات الإيرانية في سوريا انعكاسات سلبية جمة عليها: أولاً، فهي تضعف من عقيدة الحرس الثوري الإيراني من حيث إن غالبية الشخصيات التي اغتيلت هي شخصيات متعصبة لسياسة الخميني والحرس الثوري.
ثانياً، تضعف من فعالية الحرس الثوري، حيث يخسر أكثر الضباط خبرة وفعالية من بين الذين خدموه في سوريا، وتحييدهم سيخلق فراغاً يصعب تعويضه في القريب العاجل.
ثالثاً، سوف تؤدي الضربات إلى بعثرة القوات الإيرانية في سوريا بشكل كبير، بسبب التخوف من عمليات الاغتيال المستمرة، ومن الممكن أن نشهد انسحاب شخصيات رفيعة من سوريا، إلا أن إيران لن تتنازل بسهولة.
رابعاً، استياء الرأي العام الإيراني من اغتيال قاداتهم وعدم الرد من قبل الحكومة.
خامساً، سوف تساهم هذه العمليات إذا استمرت وصعدت من بنك الأهداف وهو متوقع بعد سيناريو وصول ترامب إلى البيت الأبيض إلى تخفيض النفوذ العسكري الإيراني لدرجة أن تنخفض درجة تأثيره على المعادلة السورية.
سادساً، ستخسر إيران مراكز نفوذها على المؤسسات السورية بعد تقييد حركتها.
وإلى جانب إيران تبرز جماعة حزب الله اللبناني من بين الأطراف الأكثر تضرراً من الضربات الإسرائيلية على سوريا، حيث يعتبر عناصر حزب الله هدفاً مباشراً للضربات العسكرية، الأمر الذي يُرغِمُ الحزب على تخفيض عدد قواته في سوريا خوفاً من ضربات أوسع قد تقضي على عدد أكبر من عناصره، وبذلك تتلاشى مراكز قوته في البلاد.
تؤدي الضربات إلى بعثرة القوات الإيرانية في سوريا بشكل كبير، بسبب التخوف من عمليات الاغتيال المستمرة.
وفي النتيجة، يعيش النظام السوري حالة استقرار في الوقت الحالي، ونسبة عودة العمليات العسكرية الداخلية في سوريا تكاد تكون معدومة في الوقت الحالي وعلى المدى المتوسط، وهذا يعني عدم حاجة النظام للقوات الإيرانية والميليشيات المرتبطة بها، بقدر ما أصبحت عائقاً أمام انفتاح النظام على دول الخليج العربي. ومن المهم الإشارة إلى نقطة في غاية الأهمية، وهي أن الضربة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في العاصمة دمشق لم تكن لولا وجود مساندة ودعم دولي يدعم تقليص النفوذ والقوات الإيرانية في سوريا، لأن إسرائيل من المستبعد أن تقوم بهذه الضربة إذا لم يكن بحوزتها موافقة دولية ضمنية.