أعادت حادثة طعن الكاتب البريطاني/ الهندي سلمان رشدي إلى الأذهان حوادث عديدة تعرّض فيها كتّاب ومفكرون عرب لهجمات مختلفة تراوحت بين التكفير والتهديد بالقتل، وهدر الدم، والطعن، والقتل أيضاً.
ورأت وكالة الصحافة الفرنسية (فرانس برس) في تقرير أوردته اليوم الخميس، أنه لولا الفتوى الإيرانية بهدر دم رشدي، لكان من الممكن أن تمر رواية "آيات شيطانية" دون أن يلاحظها أحد، خاصة وأنها لم تصدر باللغة العربية وإنما تُرجمت على نطاق محدود وضيق وغير معلن.
الفتوى الإيرانية التي أصدرها "مؤسّس الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران (آية الله روح الله الخميني)" قبل نحو 33 عاماً (1989)، كانت نتيجتها تعرض الكاتب رشدي للطعن في بطنه ورقبته بيَد شاب أميركي من أصل لبناني في نيويورك الأسبوع الماضي، قبل أن يُنقل إلى المستشفى ويبدأ في التماثل للشفاء.
وعندما صدرت الرواية عام 1988، كان العالم العربي منهكاً بنهاية الحرب بين إيران والعراق والتي تسببت في مقتل نحو مليون شخص من الجانبين، فضلاً عن اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى. وفي كلّ من بريطانيا محل إقامة الكاتب، وشبه القارة الهندية مسقط رأسه، خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين احتجاجاً على الرواية التي قالوا إنها "تسيء" للنبي محمد عليه الصلاة والسلام.
ونقلت فرانس برس عن الكاتبة المصرية "أهداف سويف" التي كانت تعيش في بريطانيا آنذاك، قولها إن ما صدم القراء باللغة الإنكليزية هو "المفردات التافهة المستخدمة في وصف النبي الكريم، والتي تتعارض جذرياً مع القدسية المعتادة".
مفكرون سوريون: "للكاتب الحق في الحياة"
ووفق الوكالة، لم يتحدث أحد عن الرواية في العالم العربي. وفي مصر، حظرها مشايخ الأزهر بسبب عنوانها المستفز بشكل واضح لمشاعر المسلمين، إلا أن محتواها لم يكن غريباً بالنسبة لبعض طلاب دراسات الفقه الاسلامي.
وأضافت أهداف سويف بأن بعض الأحداث المذكورة في الرواية "وردت في العديد من السير الذاتية المبكرة للنبي (محمد)، عليه الصلاة والسلام".
إلا أن الأمر لا يقتصر على رأي أدبي أو رأي ديني فحسب، بل امتد للسياسة وهو ما جذب انتباه العالم العربي. فبعد أيام من فتوى الخميني، نشر أربعون مثقفاً وفناناً عربياً خطاباً مفتوحاً من سوريا بعنوان "دفاعاً عن حق الكاتب في الحياة".
جاء في خطاب المثقفين: "لسنا هنا للدفاع عن الكتاب ولا نميل إلى ذلك، لكننا ندافع عن الكاتب وحقه في الحياة والكتابة معاً"، منددين بما سمّوه "جهاد قوى الظلام ضد العقل والمدافعين عنه فتحرق الكتب وتعدم كل من كتب كتابا لا يعجبها".
اغتيالات كُتّاب وطعن نجيب محفوظ
في عام 1993، وبعد نجاح "متطرفين إسلاميين" في اغتيال مفكرين عرب مثل الطاهر جعوط في الجزائر وفرج فودة في مصر، كتب العديد من المفكرين والمثقفين الكبار ردوداً تستنكر حادثتي الاغتيال، مثل الفلسطينيين إدوارد سعيد ومحمود درويش واللبناني أمين معلوف والجزائري محمد أركون.
وكذلك كتب الكاتب المصري نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل في الأدب، مقالاً علّق فيه على فتوى الخميني وعلى محاولة الربط بين رواية محفوظ "أولاد حارتنا" ورواية رشدي "آيات شيطانية"، فكتب: "أنادي بأن تكون حرية الرأي مقدسة ولا يصحح الفكر إلا الفكر". وفي عام 1994 نجا محفوظ من محاولة اغتياله بسبب روايته تلك واعترف الجانيان في محاكمتهما أنهما لم يقرآها قط!
التواصل الاجتماعي "المساحة الوحيدة للتعبير"
عندما اتجهت أنظار العالم إلى حادثة طعن رشدي في نيويورك، كتب المؤلف المصري عز الدين فيشر إن "نجيب محفوظ طُعن من جديد".
فبعد أكثر من ثلاثة عقود، ما زال الجدل مستمراً حول كتابات ومؤلفات المثقفين، لكن يتم تبادله بشكل أكبر اليوم عبر المنصات الإلكترونية. وعن ذلك قال الكاتب المصري سيد محمود: "الآن أصبحت المساحة الوحيدة المتاحة للتعبير هي مواقع التواصل الاجتماعي".
أما الصحفي اللبناني رضوان عقيل، فقال بعد يوم من الهجوم عبر مقابلة تلفزيونية إنه "على المستوى الشخصي لا يتبنى محاولة قتل أي إنسان، ولكن سلمان رشدي لا يحمل مواصفات الكاتب.. وفتوى الخميني كانت بمحلها آنذاك". وتابع: "لو قال هذا الكلام بحق السيد المسيح.. أكيد سأرفضه".