يطمح النظام السوري عبر قانون الاستثمار الجديد رقم 18 لعام 2021 إلى توجيه الاستثمارات المأمولة نحو قطاعات "ذات أولوية" بحسب ما أوضحه وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية محمد الخليل، والتي كان على رأسها القطاع الزراعي.
وأصدر رئيس النظام بشار الأسد يوم الأربعاء الفائت قانون الاستثمار الجديد رقم (18) لعام 2021، وقالت وكالة أنباء النظام سانا إنه "يهدف إلى إيجاد بيئة استثمارية تنافسية لجذب رؤوس الأموال، والاستفادة من الخبرات والتخصصات المختلفة وتوسيع قاعدة الإنتاج وزيادة فرص العمل ورفع معدلات النمو الاقتصادي بما ينعكس إيجاباً على زيادة الدخل القومي وصولاً إلى تنمية شاملة ومستدامة".
الأولوية للقطاع الزراعي ثم التصديري
قال وزير الاقتصاد في حكومة النظام محمد الخليل في لقاء تلفزيوني، إن القانون الجديد بُني على دراسة شاركت فيها جميع الوزارات لتحديد "الاستثمارات التي تفيد البلد بشكل أكبر"، وبذلك لم يساو القانون الجديد بين القطاعات كافة من ناحية المزايا والإعفاءات.
وأوضح خليل أن الأولوية كانت للقطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، ولذلك قدم القانون للمستثمرين إعفاء كاملاً بنسبة 100% من ضريبة الأرباح (ضريبة الدخل) بدءاً من تاريخ دخول المشروع إلى الاستثمار، بالإضافة إلى إعفائها من الرسوم الجمركية المترتبة على المستوردات من أدوات وتجهيزات إنتاج.
واحتلت القطاعات التصديرية المرتبة الثانية في سلم الأولويات بالنسبة لحكومة النظام، وأشار خليل إلى أن القطاعات التي تُصدّر 50% وما فوق من إنتاجها، ستؤمن قطعاً أجنبياً للبلاد.
وأضاف: "ثقافة الصناعة والزراعة في سوريا ليست ثقافة المنتج التصديري.. الآن نعمل على تغيير هذه الذهنية بأن تكون المنتجات السورية تصديرية بامتياز وبالتالي تحقق مصلحة للعاملين كالفلاحين أو الصناعيين".
وبالتوازي مع القطاعات التصديرية، جاء قطاع السياحة أيضاً في المرتبة الثانية لأنه حصل على الامتيازات نفسها وهي إعفاءات بنسبة 75 في المئة على ضريبة الأرباح لمدة عشر سنوات وإعفاءات من جميع الرسوم الجمركية والمالية.
ويشمل ذلك مشاريع المجمعات السياحية والفنادق والمطاعم، ومنشآت الترفيه، ومشاريع الخدمات السياحية.
وبحسب صحيفة الوطن الموالية، منح القانون إعفاءات "غير مسبوقة" تتراوح نسبتها ما بين 50 و 75 في المئة على ضريبة الأرباح لمروحة واسعة من المشاريع الصناعية، أهمها مشاريع صناعة التقنيات، والصناعة الطبية والدوائية، والطاقات المتجددة، وتدوير النفايات والمشاريع الحرفية.
وتشمل ضمانات الاستثمار وفق القانون الجديد عدم جواز إلقاء الحجز الاحتياطي على المشروع أو فرض الحراسة عليه إلا بموجب قرار قضائي، وعدم نزع ملكية المشروع إلا للمنفعة العامة وبتعويض يعادل القيمة الحقيقية للمشروع، وفقاً للسعر الرائج بتاريخ الاستملاك، ويُسمح للمستثمر بإعادة تحويل مبلغ التعويض الناجم عن المال الخارجي الذي أدخله بغرض تمويل الاستثمار وذلك إلى الخارج وبعملة قابلة للتحويل، وعدم إخضاع المشروع لأي أعباء إجرائية جديدة ناجمة عن قرارات وتعاميم وبلاغات صادرة عن أي جهة عامة، غير واردة في الدليل الإجرائي المعمول به بتاريخ تقديم طلب الحصول على إجازة الاستثمار، باستثناء ما يتعلق بالبيئة والصحة العامة، وعدم إخضاع المشروع لأي أعباء مالية جديدة غير واردة في الدليل الإجرائي المعمول به بتاريخ تقديم طلب الحصول على إجازة الاستثمار خلال مرحلة التأسيس، وعدم إلغاء إجازة الاستثمار إلا بعد إنذار المستثمر بالمخالفات المنسوبة إليه التي تخص المشروع وإعطائه مهلة تسعين يوماً لإزالة المخالفة تبدأ من اليوم التالي لتبلّغه الإنذار ويكون قرار الإلغاء معللاً.
وبموجب القانون، "تُحدث هيئة عامة ذات طابع إداري تسمى (هيئة الاستثمار السورية)، وتحل محل الهيئة المحدثة بموجب المرسوم التشريعي رقم /9/ لعام 2007 بما لها من حقوق وما عليها من التزامات، وتتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، وترتبط بالوزير، يكون مقرها دمشق ويجوز لها إحداث فروع في المحافظات أو مكاتب بقرار من مجلس الإدارة، وتتقاضى الهيئة بدلات لقاء الخدمات التي تقدمها للمستثمرين".
ويحق للمستثمر وفقاً للقانون الجديد "تملك واستئجار الأراضي والعقارات اللازمة لإقامة المشروع أو توسيعه في حدود حاجة المشروع بعد الحصول على موافقة المجلس في حال تجاوز سقف الملكية، كما يحق له فتح الحسابات المصرفية لمصلحة مشروعه بالليرة السورية والقطع الأجنبي لدى المصارف العاملة في الجمهورية العربية السورية بالإضافة إلى الحصول على التسهيلات الائتمانية لمصلحة مشروعه بالليرة السورية والقطع الأجنبي من المصارف السورية والمصارف الأجنبية وفق أحكام القرارات والتعليمات الصادرة عن مجلس النقد والتسليف ومصرف سورية المركزي لهذه الغاية، وتحويل الأرباح والفوائد السنوية وحصيلة التصرف بحصته من المشروع إلى الخارج فيما يخص المال الخارجي المستثمر، وذلك بعد تسديد الالتزامات المالية والضرائب والرسوم الواجبة وتدقيق القوائم المالية من مدقق حسابات خارجي معتمد، وفق التعليمات التي يضعها مجلس النقد والتسليف ومصرف سورية المركزي، وتسديد الالتزامات المترتبة على المشروع بالقطع الأجنبي تجاه الخارج عن طريق أحد المصارف بموجب وثائق تثبت صحة هذه الالتزامات، وذلك بعد إعلام الجهة التي يقع المشروع ضمن قطاعها في حال فرضت القوانين الناظمة للقطاع مثل هذا الإجراء".
قوانين الاستثمار في سوريا:
نشر مركز "جسور للدراسات" تقريراً بعنوان "قانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021: تجميع لقوانين سابقة أم تحفيز للبيئة الاستثمارية؟"، عرض فيه تاريخ قوانين الاستثمار في سوريا:
- في عام 1991 تم إصدار القانون رقم (10)، المعروف بقانون الاستثمار، والذي أعطى للمستثمر إمكانية الدخول إلى قطاعات غير مسبوقة، ووفر إعفاءات ضريبية وجمركية، وللمرة الأولى تمت فيه المساواة بين المستثمرين الأجانب والسوريين في المعاملة.
- شهدت بيئة الاستثمار بعد ذلك تحسينات إضافية من خلال قوانين عديدة، كالقانون رقم 7 لعام 2000، والذي أتاح التملك لأغراض المشروع وحرية نقل الأموال. ومن أبرز الصعوبات التي واجهت المستثمرين آنذاك إقناعُ الجهة المختصة بأن المشروع المستهدَف يندرج في سياق القانون رقم 10، وهو أمر لم يكن ممكناً من دون دفع مبالغ طائلة كرشاوى.
- عام 2007، تم إلغاء العمل بالقانون رقم 10 وإحلال المرسوم رقم (8)، والذي حاول تنظيم القضايا المتعلقة بالاستثمار، وتقديم بيئة استثمارية للراغبين في العمل في سوريا، وهو القانون المعمول به في سوريا بشكل رئيسي، إلى جانب مراسيمَ وقوانينَ فرعيةٍ.
- قدَّم المرسوم رقم 8 بعض الضمانات للمستثمرين، كاللجوء إلى محكمة الاستثمار العربية في حال النزاعات وحرية تحويل الأرباح والأموال، وقدم تسهيلات للمشاريع التي تُباشِر عملها في مناطق تنموية، كما تم كذلك إجراء عدد من التعديلات والقوانين والمراسيم الفرعية منذ ذلك التاريخ وحتى منتصف 2021، إلى حين صدور القانون رقم (18) بتاريخ 19 أيار/ مايو 2021 لتنظيم الاستثمار في سوريا.
أبرز ما جاء في القانون الجديد بحسب "جسور":
• تخضع لأحكام القانون المشاريع التي تؤسَّس من قِبل كل من القطاع العام والخاص، وتم إعطاء ضمانات باستقرار عملية تشجيع الاستثمار وعدم مصادرته إلا بقرار قضائي ولأغراض المنفعة العامة، وبموجب تعويض.
• تمت إضافة خبراء قانون واقتصاد إلى المجلس الأعلى للاستثمار؛ إضافة إلى الوزراء المختصين، وتمت إضافة ممثل عن غرفة السياحة وخبير قانوني إلى مجلس إدارة هيئة الاستثمار برئاسة وزير الاقتصاد، فيما يبدو محاولة لمنح الإدارة أهمية أكبر.
• تمت إعادة تسمية النافذة الواحدة لشؤون الاستثمار بـ"مركز خدمات المستثمرين"، من دون إجراء تعديلات جوهرية على طريقة عمله أو أسلوبه أو تجاوُز المشكلات القديمة التي كانت تحدث بتفضيل مستثمر على آخر، أو تأخير وعرقلة معاملات المستثمرين.
• تم إعطاء إعفاء كامل من ضريبة الدخل للمشاريع الزراعية وتخفيضات واضحة للمشاريع في المناطق التنموية، ونصَّ القانون بشكل مسبق على الإعفاءات الضريبية والجمركية، ولم يترك الأمر لتقديرات الجهات المسؤولة.
• تم إلغاء إمكانية العودة لمحكمة الاستثمار العربية؛ أو أي محاكم أو جهات إقليمية أو دولية في حال النزاعات، وإعادة الأمر للتوافق أو القضاء المختص، وتم إحداث مركز تحكيم في اتحاد الغرف السورية للإشراف على النزاعات الاستثمارية، أما في حال اللجوء إلى القانون الأجنبي فيجب ألا يتعارض الحكم مع القوانين السورية.
• تم إقرار تقييد عملية تحويل الأجور والرواتب للخبراء والعمال الأجانب بـ50%، شرط أن تكون عبر مصرف سوري معتمَد، ولا يجوز تحويل نسبة أكبر من ذلك.
وأشار تقرير "جسور" إلى أن القانون (28) "لم يأتِ بجديد" بل حلّ محل جملة قوانين مبعثرة سابقة، هي المرسوم 8 لعام 2007 والمرسوم 9 للعام نفسه، كذلك لفصول من القوانين رقم 186 عام 2007 وغيرها".
وبحسب "جسور"، حاول القانون أن يُحدد الإعفاءات الضريبية والجمركية بشكل واضح، وألا تُترك للجهات المشرِفة، ولكنه لم يحدد آلية عمل تلك الجهات أو ضمان استجابة الجهات لتنفيذ أحكام القانون، حيث تمثلت أزمة الاستثمار في أوقات سابقة في أن إعطاء الموافقات يكون أسرع للجهات المدعومة من النظام، في حين تواجه الاستثمارات الأخرى عمليات تقييد وتأخير، من أجل دفع المستثمرين لدفع الرشاوى المطلوبة لتسيير أمورهم.