حققت "قائمة الشهباء" فوزاً كاسحاً في انتخابات مجلس غرفة تجارة حلب والتي جرت في 24 أيلول الجاري، باستحواذها على 11 مقعداً في مجلس الغرفة، وتضم القائمة المحسوبة على رجل الأعمال والعضو في برلمان الأسد، حسام قاطرجي، مجموعة من رجال الأعمال الحلبيين الأكثر قرباً من النظام، وعلى رأسهم محمد فاضل قاطرجي، في حين حصلت "قائمة حلب التجارية" على مقعد واحد في مجلس الغرفة من أصل 12 مقعداً، أما قائمة "طريق الحرير التجارية" فقد خرجت من الانتخابات خالية الوفاض.
وبلغ عدد التجار المقترعين 1554 ناخباً من أصل 3642 تاجراً يحق لهم الانتخاب وبنسبة مشاركة 44.87 بالمئة فقط، وتصدر التاجر محمد عامر حموي لائحة الفائزين بعضوية مجلس إدارة الغرفة تلاه بالترتيب، محمد علي أبو راس ومحمود عاصي ومحمد فاضل قاطرجي وعبد الله محمد أيمن بادنجكي وسامر عبد العزيز نواي ومحمد صالح الملاح ومحمد يمان ناصر وأيمن محمد أمين الباشا ورفعت كمال مصطفى آل عمو ومحمد ديب كزارة وعلي رضا تركماني، وجميع هؤلاء محسوبون على "قائمة الشهباء" ما عدا محمد صالح الملاح.
الأثرياء الجدد
استفادت "قائمة الشهباء" من الفقرة 5 من القانون رقم 8 لعام 2020، الخاص بتنظيم غرف التجارة، والتي ألزمت التجار بتسجيل عمالهم في التأمينات الاجتماعية، إذ إن عدداً كبيراً من التجار ليس لديهم عمال، والذين يعملون معهم هم من أفراد عائلاتهم، وهؤلاء التجار لم يتمكنوا من تجديد عضويتهم في الغرفة لذا انخفض عدد الناخبين ما أثر على وضع "قائمة حلب التجارية" بشكل مباشر.
لم تكن نتائج انتخابات غرفة التجارة مفاجئة بالنظر إلى حجم الثروة والنفوذ الذي يتمتع به أعضاء "قائمة الشهباء" والحملة الدعائية والأجواء الاحتفالية التي سبقت الانتخابات، وبدت النتائج مطابقة للواقع الاقتصادي الحلبي الذي شهد تغيراً دراماتيكياً بعد انطلاق الثورة السورية في العام 2011، حيث برزت شخصيات جديدة في قطاع المال والأعمال من حديثي الثروة، وشكل هؤلاء تحالفات معلنة مكنتهم أخيراً من الوصول إلى زعامة مجلس غرفة التجارة، وإقصاء مجموعة من الأسماء التقليدية التي بقيت في زعامة الغرفة لعدة عقود، وبطبيعة الحال لا يقتصر أثر التحالفات المفترضة على المشهد الاقتصادي في حلب، حيث شهدنا سيناريو مشابها في انتخابات برلمان الأسد التي تصدرها "القاطرجي" ممثلاً عن حلب ومعه مجموعة من الشخصيات من الدائرة المقربة التي برز اسمها للمرة الأولى.
نائب وزير التربية والتعليم في "الحكومة السورية المؤقتة"، وعضو الهيئة التدريسية في جامعة حلب في المناطق المحررة، الدكتور فاتح شعبان، قال لموقع "تلفزيون سوريا" بأنه لا يستغرب حصول تغييرات كبيرة في زعامة القطاعات الاقتصادية السورية عموماً، وفي حلب بشكل خاص، وصعود أسماء جديدة وأفول أخرى تقليدية لم تعد تلائم شكل الاقتصاد السوري الحالي الذي أنتجه نظام الأسد، ألا وهو اقتصاد العصابة، ويضيف شعبان بأن "النظام الميليشياوي سهل صعود طبقة جديدة من الأثرياء الجدد كجائزة لهم على خدماتهم التي قدموها منذ العام 2011 لنظام العصابة، والتشكيلة التي ضمتها قائمة الشهباء التجارية التي تمثل عائلة قاطرجي خير مثال على ذلك"
مضافة تجار القاطرجي
نظمت "قائمة الشهباء" احتفالية باذخة بمناسبة انتخابات مجلس غرفة تجارة حلب، وحولت مسبح ومطعم فندق الشهباء بحلب (المريديان) إلى مضافة استقبلت الوفود والزوار من التجار والصناعيين وشيوخ العشائر وقادة ميليشيات النظام وضباط وعناصر الفروع الأمنية طيلة الأيام الأربعة التي سبقت يوم التصويت في 24 أيلول/سبتمبر، وبدت حملة القائمة الانتخابية مكثفة منذ بداية شهر أيلول/سبتمبر مقارنة بالحملات الدعائية لكل من قائمتي "حلب التجارية" و "طريق الحرير"، وذلك من ناحية نشر صور مرشحي القائمة في شوارع المدينة والإعلانات المأجورة في شبكات التواصل الاجتماعي المحلية، الموالية للنظام، وروجت القائمة لبرنامجها الانتخابي الذي وعدت فيه بحل مشكلات التجار ورؤوس الأموال الحلبية وتنظيم معارض داخلية وخارجية وجلب استثمارات، وعلى الصعيد الاجتماعي وعدت القائمة بخلق فرص عمل جديدة وتدريب وتأهيل كوادر القطاع التجاري.
تشبه الاحتفالية التي نظمتها "قائمة الشهباء" تلك التي أقامها، حسام قاطرجي، أثناء حملته الدعائية التي سبقت انتخابات برلمان الأسد في حلب قبل أشهر قليلة، حينها استقبل قاطرجي الزوار والموالين له من قادة ميليشيات وشيوخ عشائر وتجار وصناعيين مقربين في مضافته الواقعة عند دوار 3000 شقة في حي الحمدانية غربي المدينة، وتبدو إلى حد بعيد احتفالات انتخابات غرفة التجارة والحملة الدعائية المرافقة من تنظيم فريق "القاطرجي" أيضاً.
زعامة الغرفة للأقوى
لم يتمكن موقع "تلفزيون سوريا" من الحصول على معلومات كافية عن محمد فاضل قاطرجي الفائز بعضوية غرفة تجارة حلب، وما هي صلة القرابة التي تربطه برجل الأعمال وعضو برلمان الأسد، حسام قاطرجي، لكنه حتماً ينتمي إلى العائلة التي تمتلك مجموعة كبيرة من الاستثمارات والشركات في قطاعات التجارة والنفط والنسيج والنقل والاستثمار والتطوير العقاري، وفي حلب خاصة، وظهر محمد فاضل بشكل متكرر في مضافة القاطرجي في حي الحمدانية. وبدا مقصوداً تناول صحف ومواقع إعلامية موالية اسم القاطرجي في قائمة أعضاء مجلس إدارة الغرفة الجدد، والإشارة إلى أن ما حصل تغيير جذري في زعامة تجارة حلب.
السياسي السوري المعارض، هشام سكيف، قال لموقع "تلفزيون سوريا"، بأن "انتخابات غرفة تجارة حلب أوصلت مجموعة من التجار وأمراء الحرب التابعين للنظام إلى زعامة الغرفة على حساب شخصيات وعائلات حلبية عريقة في مجال التجارة والأعمال، أهمها، الصباغ وعلبي وعزوز وبوادقجي وسكيف وغيرها من العائلات المعروفة"، ويضيف سكيف، أن "زعامة القطاعات الاقتصادية في سوريا عموماً، وفي حلب خاصة ستكون من حصة زعماء الحرب، هؤلاء يمتلكون علاقات أمنية واسعة دخل بنية النظام، وتمكنوا خلال فترة قياسية من بناء ثروة هائلة، أمثال القاطرجي، وبالتالي المال والنفوذ بيدهم، وهم الأقوى، في حين تبدو الشخصيات والعائلات التجارية التقليدية في وضع أضعف وغير متكيفة مع الواقع الحالي، وبالتالي تراجعها حتمي ونتيجة طبيعية"
من جهته، قال وزير الاقتصاد والمالية في "الحكومة السورية المؤقتة"، الدكتور عبد الحكيم المصري، لموقع "تلفزيون سوريا" بأن "قائمة الشهباء الفائزة بزعامة غرفة تجارة حلب تمثل اللوبي الذي أنشأه القاطرجي في القطاعات الاقتصادية الأهم، وفي حلب باعتبارها العاصمة الاقتصادية لسوريا، ويمتلك هؤلاء الحصة الأكبر من الأموال والاستثمارات بفضل الامتيازات التي منحهم إياها النظام"، ويضيف المصري، بأن "تمكين القاطرجي وشركاه المفترضين فيه مصلحة كبيرة للنظام، ويضمن ولاءهم واستمرار خدماتهم التي يحتاجها النظام في هذه المرحلة أكثر من أي وقت مضى"
لوبي تجار القاطرجي
يبدو أن ما يربط أعضاء "قائمة الشهباء" التجارية أكثر من تحالف لأجل الفوز في انتخابات غرفة التجارة، فمعظمهم يتفق مع "القاطرجي" في ميوله نحو الميليشيات الإيرانية والنفوذ الإيراني في سوريا، ولديهم استثمارات وتجارة دافئة مع إيران، وعلاقة مصلحية مع الميليشيات المتنوعة التي تدعمها في حلب، والشمال السوري بشكل عام، وفيما يلي أسماء بعض التجار الفائزين في انتخابات الغرفة ممثلين عن قائمة الشهباء.
رفعت آل عمو، ولد في حلب عام 1963، ويتقن اللغات العربية والكردية والإنكليزية والتركية، وينحدر من قرية العزيزية في ريف عفرين، شغل منصب أمين سر ورئيس مجلس إدارة جمعية المستقبل السكنية منذ عام 1988 حتى 2019، وعضو اتحاد غرف الصناعة السورية 2019/2020، وعضو مجلس المدينة الصناعية 2017/2018، ورئيس لجنة المدينة الصناعية في غرفة صناعة حلب حالياً، ويعمل في استيراد الآليات الخدمية ومستلزمات السلامة المرورية وتصنيعها وتنفيذها، واستيراد معاصر زيتون، وعدد ومستلزمات زراعية، ويملك معملا في المدينة الصناعية لصناعة المطابخ والأبواب والمفروشات المكتبية والديكور الداخلي، ويبني معملا في المدينة الصناعية بحلب لصناعة كافة مستلزمات السلامة المرورية.
تربط آل عمو علاقة جيدة بالميليشيات الإيرانية في المدينة الصناعية بحلب، وفي مناطق شمالي حلب في المنطقة التي تطلق عليها "وحدات حماية الشعب الكردية" اسم (مناطق الشهباء)، حيث يتجمع عدد كبير من المهجرين والنازحين من عفرين في المنطقة، ولآل عمو دور في تحسين مستوى التواصل والعلاقات بين "الوحدات" والميليشيات الإيرانية في نبل والزهراء شمالي حلب.
أما علي رضا تركماني، فهو من عائلة وزير الدفاع السوري السابق، حسن علي تركماني، الذي قتله النظام في العام 2012 بتفجير خلية الأزمة بدمشق، ولدى تركماني شركات لتصنيع وتجارة الألبسة والمنسوجات، وكان من أكثر الداعمين لميليشيا "الدفاع الوطني" في حلب منذ بداية تشكيلها في العام 2013، وقتل من أقاربه في المعارك مع المعارضة عدد كبير، ومنهم، اللواء شرف علي أتش اوغلي، والملازم مصطفى فاضل تركماني، والملازم فاضل مصطفى تركماني، والملازم محمد كمال تركماني، و الملازم باسل سمير تركماني، وعشرات المقاتلين من العائلة الذين كانوا ضمن تشكيل دعمته عائلة تركماني للقتال مع الميليشيات المدعومة من إيران، ولرضا تركماني علاقات واسعة مع قادة الميليشيات المحلية في حلب، "لواء الباقر" و "فيلق المدافعين عن حلب".
أما محمد عامر حموي الذي تصدر قائمة الفائزين بمجلس إدارة الغرفة، فهو عضو في برلمان الأسد في دورته الحالية، ومن المقربين من حسام قاطرجي، ويعمل في تجارة وتصنيع المفروشات الفاخرة ولوازمها، ويدعم الميليشيات الموالية لإيران بشكل كبير، وخسر حموي أحد كبار العسكريين من العائلة في قصف تركي استهدف مجموعة من ضباط النظام والميليشيات في ريف إدلب (جبهة سراقب) في شباط/فبراير الماضي، وهو العقيد مازن حموي، والذي قتل مع اللواء الركن برهان رحمون، قائد اللواء 124 حرس جمهوري والعميد نصر ضويا، والعميد إسماعيل علي، قتلوا جميعاً في قصف الطائرات التركية المسيرة آنذاك.