لا تتوقف عجلة الثرثرة عند جمهور الفيس بوك من السوريين في شتات الأرض، وهؤلاء يختلفون ويملؤون الدنيا صراخاً من أجل الفارق العظيم بطعم ومكونات (الكبة) بأنواعها بين الشام وحلب، ولأجل هذه السطحية الموغلة حد التفاهة سمح العالم الأزرق الافتراضي بمساحة هائلة لمن لا عمل له ولمن ينشد الفتنة على أهون سبب.
مجموعات أهلية على الفيس بوك تم إنشاؤها منذ أن بدأت تتكون الكتل البشرية في دول الجوار أولاً ثم في المغتربات الأخرى، وهذه كانت تقوم – وبعضها للآن- بأدوار كبيرة في تعريف الهاربين الجدد على عالمهم الجديد، وهذا يتضمن كيفية الحصول على الثبوتيات المطلوبة والأماكن الأكثر أمناً والصالحة للعيش، وكيفية التصرف في الشارع، وأهم الأسواق وأرخصها، والجمعيات التي توزع سلال الغذاء المجانية، ومراكز الهجرة، وهذا للأمانة كان نشاطاً جباراً لمؤسسي هذه الصفحات وبالتحديد في دول الاغتراب التي يقف حاجز اللغة دون إنجاز معاملات الناس وتسهيل حياتهم.
شهدت بعض المجتعات السورية المستقرة في تركيا ومصر ثباتاً لسنوات طويلة في تعبيرها عن سعادتها ومدى انسجامها وتكيفها مع البيئة الجديدة وهذا كان واضحاً أكثر في مصر
تلونت هذه الصفحات وفق أحوال السوريين ففي موجات الهجرة الكبرى إلى أوروبا تحولت إلى أسواق لبيع الأثاث والحاجيات فقد ترى بيتاً كاملاً معروضاً للبيع بأسعار زهيدة بداعي السفر، ومن ثم تلونت بالسواد والنعوات بعد موسم الغرق في المتوسط والموت على الحدود، وبكائيات لرثاء أحوال العالقين في مخيمات اليونان لتنضم إلى الصور القادمة من شمال سوريا وعرسال في لبنان حيث الموت بطعم الثلج والعنصرية.
في الوقت نفسه شهدت بعض المجتعات السورية المستقرة في تركيا ومصر ثباتاً لسنوات طويلة في تعبيرها عن سعادتها ومدى انسجامها وتكيفها مع البيئة الجديدة وهذا كان واضحاً أكثر في مصر، وأما في تركيا فكانت غازي عينتاب الحالة الأكثر هدوءا في الآونة الأخيرة الغنية بالقتل وتكسير الممتلكات كما حصل في أنقرة وإسطنبول لأسباب تتعلق بالسياسة والعنصرية، وبالتالي كانت هذه المجتمعات الصغيرة في موقع الحسد خلال الحوارات التي تدور عن الغلاء وسهولة الاندماج والعوالم القريبة من البيئة السورية، وصوت الآذان الذي تسمعه خمس مرات في اليوم، وطقوس رمضان الساحرة، ورمضان الصعب والطويل في الدول الاسكندنافية ووحشة المسلم هناك.
الأشهر الأخيرة باتت الأوضاع الاقتصادية هي السجال العام في أغلب صفحات السوريين، والغلاء الفاحش الذي يهدد حياة الأسر البسيطة التي تعيش حياتها يوماً بيوم
سادت فترة من عدم السجال، واستبدلت بصعود فئة حصلت على الإقامات الدائمة والجنسية في بلدان عديدة، وهذا ما خلق لغة جديدة من الفوقية والانتماء إلى مصائر وثقافات بدأت تطفو بحدة، وهو ما يظهر في الأزمات الطارئة وارتفاع الأسعار والمشكلات الاجتماعية الحادة كأن تشتم أميركا وزيف ديمقراطيتها فيخرج أميركي سوري حديث الجنسية ليلقنك درساً عن تخلف العرب ووحشيتهم، وأن نظرتنا للغرب المتحضر ما هي إلا نتاج أفكار البعث والإسلام المتشدد، أو أن يخرج في وجهك فاشل سوري يعيش في السويد إذا انتقدت طريقة تعاطي الحكومة السويدية مع وباء فيروس كورنا واتباعها نظرية مناعة القطيع في مواجهته، ويعطيك دروساً عن الحياة السويدية الباذخة التي يعيشها ثم تكتشف لاحقاً أنه مطارد من السوسيال بسبب عدم احترامه للحياة الزوجية وضربه لأولاده وزوجته.
الأشهر الأخيرة باتت الأوضاع الاقتصادية هي السجال العام في أغلب صفحات السوريين، والغلاء الفاحش الذي يهدد حياة الأسر البسيطة التي تعيش حياتها يوماً بيوم، وهؤلاء أسر عمال البسطات وعمال المحلات التجارية والمعامل الصغيرة في القاهرة مثلاً، وفجأة ينشر أحد القادمين الجدد من دمشق منشوراً طويلاً يطلب فيه من الراغبين بالقدوم تعديل وجهاتهم إلى دول أخرى أو البقاء في سوريا، وهذا ما استثار سجالاً كبيراً بين مدح وشتم ولطم، وأما العقلاء فصمتوا ريثما تهدأ عاصفة الولاءات والانتماءات الجديدة إلى أوطان ومجتمعات وعادات وثقافات طارئة.. فيما بلاد هناك تغرق في ظلامها وظلمها وفقرها.