في خفايا الصراع الروسي الإيراني.. ما مصير سوريا والسوريين؟

2024.07.13 | 06:38 دمشق

26844444444444444
+A
حجم الخط
-A

يبدو أن الإثارة والتشويق أصبحت سمة عامة لما يدور حالياً في قصر الرئاسة السوري، فبعد تحييد أسماء الأسد التي كانت في واجهة المشهد الاقتصادي، حلّ الدور مؤخراً على مستشارة رأس النظام لونا الشبل التي كانت تعد مهندسة المشهد الرئاسي العام داخلياً وخارجياً.
بعد وفاتها، لا يمكن ألا يتساءل المرء عن أسباب مصيرها وتفاصيل ما حلّ بها، ومن الطبيعي أن يقلّب سيناريوهات واحتمالات مختلفة حول اغتيالها، وعلى الرغم من أن التصريحات الرسمية أكدت أن ذلك لم يحدث فعلياً، غير أن محاولة التعتيم على الحادثة والظروف المرافقة لها تشي بغير ذلك، وبشكل عام توحي بأن النظام كان على علم بتلك التفاصيل، وأنها ربما ذهبت ضحية للصراع الروسي الإيراني بسبب التوترات الداخلية والصراعات على النفوذ أو ربما لتصفية حسابات أو لإعادة ترتيب موازين القوى، وهو أمرٌ اشتهر به النظام السوري في فترات الأب والابن.
النقطة البارزة هنا أن النظام السوري لا يستطيع اتخاذ تلك القرارات من تلقاء ذاته، كونه أصبح مكبلاً بالقوى التي دعمت بقاءه ومدت له يد المساعدة لتحقيق مصالحها الشخصية، لكن تلك القوى مهما اتفقت فهي لا بد وأن تختلف في حال تعارض مصالحها، ومن المستبعد أن يُحَلّ الخلاف بالهدوء اللازم والدبلوماسية المفترضة في بلد اجتمعت فيه قوى العالم لاقتسام حصتها من الكعكة.
تعد كل من روسيا وإيران اللاعبين الأكثر شراسة في المشهد السوري، ويبدو أن نقاط تلاقيهما في دعم بقاء النظام قد تصطدم غالباً بصراعات خفية، وهو ما يحتمل ترجيحه في حال صحة خبر الاغتيال المذكور آنفاً.
يتّسم الصراع الروسي الإيراني في سوريا بتعقيدات كبيرة بسبب المصالح المتداخلة لكل من روسيا وإيران في المنطقة، وتختلف أهدافهما الاستراتيجية إذ تسعى روسيا إلى تعزيز وجودها العسكري والسياسي في الشرق الأوسط، والحفاظ على قواعدها العسكرية في سوريا مثل قاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية، لتكون لاعباً رئيسياً في أي تسوية سياسية مستقبلية في سوريا، بينما تسعى إيران إلى توسيع نفوذها الإقليمي من خلال دعم حلفائها في سوريا ولبنان (حزب الله)، وتريد أن تضمن ممراً برياً من طهران إلى البحر الأبيض المتوسط.

تشكل الضربات الجوية المتكررة التي تشنها إسرائيل على المواقع الإيرانية في سوريا بالتنسيق مع روسيا، توترات بين موسكو وطهران، ومع هذه التباينات يختلف موقف المسؤولين السوريين بحسب الولاءات.

في المقابل يوجد تنافس على السيطرة على الوحدات العسكرية السورية، حيث تسعى كل من روسيا وإيران إلى دعم فصائل معينة ضمن جيش النظام السوري أو تشكيل قوات موالية لها، وهو ما يسبب اشتباكات مباشرة أو غير مباشرة بين القوات الموالية لروسيا وتلك الموالية لإيران، خصوصاً في مناطق مثل دير الزور وريف دمشق.
يظهر التنافس الاقتصادي أيضاً في العقود والمشاريع الاقتصادية في سوريا، حيث تسعى كل دولة إلى الحصول على حصة كبيرة من إعادة الإعمار والموارد السورية، وتشير التقارير أيضاً إلى تنافس على المناصب الحكومية والسيطرة على مراكز القرار في دمشق لأنها توزع بحسب الولاءات.
كذلك تشكل الضربات الجوية المتكررة التي تشنها إسرائيل على المواقع الإيرانية في سوريا بالتنسيق مع روسيا، توترات بين موسكو وطهران، ومع هذه التباينات يختلف موقف المسؤولين السوريين بحسب الولاءات، ويختلف موقف الشعب السوري باختلاف الأطراف والمناطق المتأثرة.
تعتمد مراكز السلطة في سوريا على دعم كل من روسيا وإيران للبقاء في السلطة، فالنظام السوري يستفيد من المساعدات العسكرية والاقتصادية من كلا الطرفين، مما يساعده على السيطرة على أجزاء كبيرة من البلاد، وتحاول القيادة السورية الموازنة بين الحليفين، لكن هذه الموازنة تكون أحياناً صعبة بسبب التنافس بينهما، وهو أمر يعيشه السكان في المناطق التي يسيطر عليها النظام، فهم يلمسون الأثر المباشر للصراع الروسي الإيراني والتقلبات الناتجة عن تغير السيطرة على المناطق بين الفصائل المدعومة من كل طرف.
تؤثر المصالح الروسية والإيرانية على انتماء وولاء السوريين في بلد عمل نظامها على تفريغ مفهوم الوطنية واستبداله بمفاهيم مؤقتة ونفعية، فهناك فئة من السوريين، وخاصة من مؤيدي النظام السوري، ترى في الدعم الروسي والإيراني ضمانة لاستمرار النظام واستقرار البلاد.

هؤلاء يميلون إلى الولاء للنظام وبالتالي يميلون إلى تقبل النفوذ الروسي والإيراني، في المقابل، هناك فئة كبيرة من السوريين المعارضة للنظام ترى في التدخل الروسي والإيراني استمراراً للمعاناة والقمع، فيميلون إلى رفض النفوذ الأجنبي ويشعرون أن ولاءهم لسوريا يتعارض مع الولاء لأي قوة خارجية.
لكن ذلك قد يصبح موضع نقاش بسبب التدهور الاقتصادي، فالمناطق التي تتلقى دعماً اقتصادياً من روسيا أو إيران قد يكون لديهم شعور بالولاء لتلك الدول نظراً لتحسن الأوضاع الاقتصادية.

ومع ذلك، فإن هذا الدعم غالباً ما يكون محدوداً ويعتمد على المصالح الاستراتيجية كذلك فإن توفير الخدمات الأساسية والبنية التحتية من طرف القوى المدعومة خارجياً يمكن أن يؤدي إلى ولاء لكنه غالباً ما يكون هشاً ومؤقتاً.
وعلى أن التدخل الأجنبي يعزز من شعور الكثير من السوريين بالتمسك بالهوية الوطنية السورية لمقاومة النفوذ الخارجي، غير أن النزاع المستمر وأثر التدخل الأجنبي يمكن أن يؤدي إلى تعزيز الهوية المحلية أو القبلية على حساب الهوية الوطنية السورية، خاصة في المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة المختلفة.
إن المصالح الروسية والإيرانية في سوريا تؤثر بشكل معقد على ولاء وانتماء السوريين، مما يخلق مزيجاً من الولاءات المتعددة والمتناقضة أحياناً، مع طغيان الشعور بالهوية الوطنية لدى البعض في محاولة للتمسك بالاستقلال والسيادة السورية.

أدت التدخلات الروسية والإيرانية، بالإضافة إلى التدخلات التركية والأميركية وغيرها، إلى انقسامات في داخل المعارضة السورية والفصائل المسلحة وجعلت من الصعب توحيد الجهود نحو تحقيق الأهداف الأصلية للثورة.

في ضوء هذه المعطيات فإن مصير حلم ثورة الحرية في سوريا في خضم المعطيات الحالية هو موضوع معقد ومتعدد الأبعاد، نظراً للتداخل الكبير للمصالح الإقليمية والدولية وتأثيراتها على الوضع الداخلي في سوريا.
فقد أدت التدخلات الروسية والإيرانية، بالإضافة إلى التدخلات التركية والأميركية وغيرها، إلى انقسامات في داخل المعارضة السورية والفصائل المسلحة وجعلت من الصعب توحيد الجهود نحو تحقيق الأهداف الأصلية للثورة، علاوة على أن النظام السوري استخدم وسائل قمعية شديدة لإخماد الثورة، مما أدى إلى تدمير واسع النطاق ومعاناة كبيرة للسكان المدنيين.
نقطة الضوء تبرز من أنه لا يزال هناك العديد من النشطاء المدنيين الذين يعملون على تعزيز قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا، سواء داخل البلاد أو في الشتات، كما أن الجيل الجديد من السوريين، الذين كبروا في ظل الثورة والحرب، قد يكون لديهم دافع قوي لمواصلة النضال من أجل الحرية والعدالة.