صدرت حديثاً الطبعة العربية لرواية "في بيت آن فرانك" للكاتبة السورية المقيمة في فرنسا "مها حسن"، التي تقول إن الرواية استغرقت 13 سنةً لتخرج في صيغتها النهائية، ولتتحرَّر الكاتبةُ أخيراً من آن فرانك، التي سكنت بيتها وذاكرتها.
اقرأ أيضاً: هل لعبت الرواية السورية دوراً في الثورة؟
"هيا لنُغيِّر العالم بلعبة الكتابة!" تقول كلّ مِنْ آن فرانك صاحبة كتاب "مُذكِّرات فتاةٍ صغيرة"، ومها حسن صاحبة هذا الكتاب. حيث تسيرُ الكاتبتان جنباً إلى جنب في خطَّين كثيراً ما يتقاطعان، بين صفحاتِ الرواية وأمكنتها وأزمنتها المُركَّبة، لنقعَ في اللَّبسِ، وفي السِّحرِ أيضاً. مع استعادة الفتاة الصغيرة لصوتِها روائيَّاً، في سردٍ مشتركٍ تمنحُها فيه الكاتبة المُقيمة في بيتها الفرصة لتحكي قصَّتها، ولتخرج من البيت، وتسافر معها إلى فلسطين. ولنعبُر، في تناوب الصَّوتيْن وامتزاجهما، من صراع الهويّة، ومآسي الماضي، إلى همومِ الكاتبتيْن الشَّخصية وقد سكنت روحُ إحداهُما ذاكرةَ الأخرى.
لا تخرجُ رواية "في بيت آن فرانك" عن أسلوب صاحبة "عمت صباحاً أيتها الحرب" 2017، في السِّيرة واليوميَّات والمذكّرات، بل تُعمِّقه في قالبٍ روائيٍّ يجمعُ الخيال الأدبي بالواقع. تبدأ الحكاية ولا تنتهي في أمستردام، في بيتٍ يعرفهُ الكثيرون، بيت أنيق وهادئ، صارَ متحفاً ومكاناً للإقامات الإبداعية؛ أين تقضي كاتبةٌ، بعد تردُّدٍ، سنةً كاملةً في مواجهةِ ذاكرةٍ مزدوجة، وحيدة لساعاتٍ طويلةٍ، يُفارقها النَّوم وتكبر بداخلها المخاوف، بل وتأتيها في شكلِ طيفِ فتاةٍ، اجتثَّها يوماً النَّازيونَ من مكانِها، وحرموها أن تعيشَ حياتها في بيتٍ آمن، بيتٍ مليء بالمخابئ السّرية التي لم تُجدِ نفعاً بعد الوشاية بالعائلة، وإرسالها إلى معسكراتِ الاعتقال، لتقضي وأختها هناكَ، غالباً بسبب وباء التيفوس عام 1945.
اقرأ أيضاً: الأدب النسوي السوري.. انكفاء الشعر وسيطرة الرواية الوثائقية
من الرواية:
- أنا خائفة من آن فرانك.
- هل يمكنكِ قول المزيد حول هذه النقطة؟
- لا أستطيع النوم لأني أخاف من آن فرانك، أخاف من أن تقوم بإيذائي. أحلم يومياً بفتاة تحدّثني بالفرنسية، تُخبرني عن مدفنها، وأفيق لأشعر بأنني لم أكن أحلم، بل بأن فتاة كانت تجلس قرب رأسي، وتحكي لي وأنا نائمة. بل أرى شبحاً يعبر الغرفة كلَّما أفقتُ من الحُلم، كأنها فعلاً تجلس قربي، تحكي لي، وحين أفيق، تغادرني... لم أكن أعرف في البداية مَنْ هذه الصَّبيَّة التي تتحدَّث إليَّ في المنام، وتروي حكاية موتها بالتيفوس في مخيَّم، لا أعرف كيف ترسَّخ اسمه الألماني في ذاكرتي (بيرغن بيلسن)، حين بحثتُ في الإنترنت، عرفتُ أنَّ آن فرانك ماتت هناك، وأدركتُ أنها تخرج من الموت، وتأتي للجلوس جواري حين أنام. لا أعرف ماذا تنتظر منِّي آن فرانك، ولكنني أعتقد أنها متضايقة لأنني أسكن في بيتها. لقد كانت طفلة سعيدة في هذا المنزل، إلَّا أنها أُجبرت على تركه تجنُّباً للوقوع بأيدي النَّازيِّين. وأنا الآن هنا، مكانها، في المكان الذي اقتُلِعَتْ منه، وحُرِمَتْ من متابعة حياتها، كفتاة مليئة بالأحلام، أشعر أني آخذ مكانها، وأخشى من أن تنتقم منِّي. كنتُ أتصوَّرها تقول: ماذا تفعل هذه المرأة الغريبة في منزلي؟ لقد حُرِمْتُ من حياتي ومن سعادتي، حُرِمْتُ من أصدقائي، من مدرستي، من فتاي الأوَّل.. لتأتي هذه المرأة وتحتلَّ مكاني. أنا خائفة من روحها، من روح آن فرانك.
اقرأ أيضاً: "خفّة يد".. رواية "إسلام أبو شكير" التي يريدها أن تربك القارئ
الرواية صدرت عن منشورات "المتوسط -إيطاليا"، وجاءت في 184 صفحة من القطع الوسط، نعيش فيها مع مها حسن تفاصيلَ عن السفر والصداقة والقصص المشتركة، وعن بلاد جميلة تسمّيها مها "أرض الكتابة".
عن الكاتبة:
مها حسن، روائية سورية، من مواليد مدينة حلب، وتقيم حاليًا في فرنسا. صدر لها العديد من الأعمال الروائية من أبرزها "اللامتناهي - سيرة الآخر"، 1995. "جدران الخيبة أعلى"، 2002. "تراتيل العدم"، 2009. "حبل سري"، 2010. "بنات البراري" 2011، "طبول الحب" 2012. "الراويات"، "نفق الوجود"، 2014، "مترو حلب"، 2016. "عمت صباحاً أيتها الحرب"، 2017. "حي الدهشة"، 2018.
وصلت رواياتها "حبل سري" و "الراويات"، إلى اللائحة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر)، كما وصلت رواياتُها "مترو حلب"، عمت صباحاً أيتها الحرب"، "حي الدهشة" إلى اللائحة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب.