icon
التغطية الحية

في اليوم العالمي لمنع الانتحار.. مأساة جديدة تسلط الضوء على تفاقم الظاهرة بسوريا

2024.09.10 | 18:31 دمشق

سبسيب
صورة تعبيرية مولدة بالذكاء الصناعي (تلفزيون سوريا)
إسطنبول - وفاء عبيدو
+A
حجم الخط
-A

أقدم رجل في محافظة طرطوس على ارتكاب جريمة مأساوية بحق أسرته، حيث أطلق النار على زوجته وابنه الطالب الجامعي، ثم حاول الانتحار بإطلاق رصاصة في رأسه. الزوج، البالغ من العمر 50 عاما، وزوجته المهندسة، التي تبلغ من العمر 47 عاما، وابنهما البالغ من العمر 20 عاما، كانوا يتمتعون بسمعة طيبة في مجتمعهم وكان يُنظر إليهم على أنهم عائلة ناجحة. وقع الحادث بعد خلاف عائلي لم يتم الكشف عن تفاصيله، وفقًا لموقع "صاحبة الجلالة".

هذه الحادثة المؤلمة ليست معزولة، إذ تأتي بالتزامن مع اليوم العالمي لمنع الانتحار، الذي حددته الأمم المتحدة في العاشر من شهر أيلول من كل عام، وتم إطلاقه لأول مرة في عام 2003 من قبل الرابطة الدولية لمنع الانتحار (IASP) بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية (WHO) بهدف زيادة الوعي حول موضوع الانتحار حول العالم، وتقديم الدعم للأشخاص الذين يعانون من مشكلات نفسية واجتماعية قد تدفعهم للتفكير بالانتحار.

مأساة تتجسد في أرقام

في سوريا، شهدت معدلات الانتحار ارتفاعا ملحوظا في السنوات الأخيرة، خاصة في المناطق الشمالية الغربية التي تعاني من الحرب والتشريد. وفقا لتقارير دولية، ازداد الضغط النفسي والاجتماعي على السكان بسبب الفقر، التهجير، وفقدان شبكات الدعم الاجتماعي، مما ساهم في زيادة التفكير الانتحاري، خصوصًا بين الشباب والمراهقين. تقارير متعددة تربط بين الانتحار وتدهور الأوضاع المعيشية، بالإضافة إلى عوامل مثل العنف المنزلي والفقر المدقع.

وتشير بيانات منظمة الصحة العالمية (WHO) إلى أن معدل الانتحار في سوريا بلغ حالتين لكل مئة ألف شخص في عام 2019، وهو رقم يُعتبر منخفضًا نسبيًا، لكنه يُعتقد أنه غير دقيق بسبب قلة الإبلاغ عن حالات الانتحار نتيجة الوصمة الاجتماعية المرتبطة بها.

وفي نفس السياق، كشف رئيس الهيئة العامة للطب الشرعي التابعة للنظام، زاهر حجو، عن تسجيل 194 حالة وفاة غير طبيعية منذ بداية عام 2024، مما يبرز ازدياد الضغط النفسي. أوضح حجو أن الحالات تنوعت بين 85% شنقا، و5% بطلق ناري، و10% بسقوط من مكان عالٍ، لافتا إلى أن النسبة الأكبر من المنتحرين هم الذكور، حيث سجلت 159 حالة للذكور مقابل 35 للإناث. وتشهد محافظتا حمص وريف دمشق ارتفاعا ملحوظا في الحالات.

ومن الجدير بالذكر أن عدد حالات الانتحار المسجلة في سوريا بين بداية عام 2023 وحتى شهر تشرين الأول من العام نفسه وصل إلى 127 حالة انتحار، توزعت على 85 حالة من الذكور و42 من الإناث. في حين سُجلت 33 حالة انتحار لدى الأشخاص تحت سن 18 عامًا، 18 من الذكور و15 من الإناث، وفقًا لما نشرته حينذاك صحيفة "الوطن" المقربة من النظام.

كما وثق فريق "منسقو الاستجابة" في شمال غربي سوريا ثلاث حالات انتحار خلال أقل من 48 ساعة، ضمن مناطق متفرقة، مما يرفع عدد حالات الانتحار في الشمال منذ بداية العام الحالي إلى 12 حالة، فشلت أربع منها، أي بزيادة قدرها 120% على عدد الحالات المسجلة خلال المدّة ذاتها من 2023. ووفقا للفريق، فإن غالبية الأسباب التي أدت إلى زيادة هذه الأرقام هي اقتصادية ونفسية واجتماعية، إلى جانب البطالة والفقر وزيادة حالات العنف الأسري، والاستخدام السيئ للتكنولوجيا، وانتشار المخدرات والتفكك الأسري بسبب الظرف الاقتصادي الصعب.

كل الإحصائيات التي تحدد أو تقيس واقع حياة السوريين تشير إلى مأساة يواجهها الشباب دون وجود أي حلول أو وعود تساعدهم في البحث عن أمل قد يحمل لهم انفراجات.

عوامل تؤدي إلى اتخاذ قرار الانتحار

وعن الأسباب التي تقف وراء اتخاذ الشخص لمثل هذا القرار، أوضحت الاختصاصية النفسية آلاء الدالي لموقع "تلفزيون سوريا" أن الضغوطات هي من الأسباب الأساسية التي تؤدي إلى الانتحار، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو نفسية، إذ تلعب دورًا مهمًا في اتخاذ الشخص قرار إنهاء حياته. كما ترى الاختصاصية الدالي أن اتخاذ هذا القرار لا يتعلق فقط بقرارات الحد من وقف اللجوء، بقدر ما يتعلق بالضغوط التي يتعرض لها الفرد. وتوضح أن العامل المادي يسبق هذه الخطوة، وأن ارتفاع نسبة الذكور عن الإناث يعود إلى مواجهتهم صعوبة في التعبير والتعامل مع مشاعرهم، ويعود ذلك إلى طريقة التربية في المجتمع والأسرة بشكل أكبر، كما أنهم الفئة الأكثر عرضة للضغوط بجميع أشكالها تزامنا مع عدم وجود بوادر للحلول.

وأكدت الاختصاصية على ضرورة إيجاد حلول من قبل المجتمع والجهات المحلية للعمل على تقليل نسبة الحالات، من خلال توفير محيط اجتماعي مرن إلى جانب تدخل الهيئات الأممية والمنظمات الإنسانية، بالإضافة إلى تنظيم ندوات التوعية ودور المدارس والجامعات في تعزيز الرؤية الإيجابية لدى الشباب لكونهم الأكثر عرضة للانتحار.

معدلات الانتحار التي كشفتها المصادر الحكومية تأتي نتيجة انهيار قدرة الفرد على التعامل مع الأزمات التي تشهدها البلاد. ويستمر معدل الحالات بالازدياد على الرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة، حيث يعيش معظم السوريين تحت خط الفقر من جراء تردي الأوضاع المعيشية وتدني الدخل وفقدان أسس الحياة، مما يضاعف من الضغوط النفسية والاكتئاب الذي يتعرض له الشباب.