أيام عصية على النسيان، يحدث خلالها أن تتعرض مدينة دوما بريف دمشق لعدة غارات جوية بالدقيقة الواحدة باستخدام الصواريخ والبراميل المتفجرة والراجمات وقذائف المدفعية، إلى أن قدمت مروحيتان إلى سماء المدينة ورمت برميلين متفجرين أحدهما انفجر والآخر لم ينفجر.
استمر بعدها القصف لمدة ساعة كاملة والمدنيون والمسعفون مختبئون في الأقبية دون أن يتمكنوا من الخروج لإسعاف من بقي على قيد الحياة في المكان لكنهم بدؤوا يلاحظون انتشار رائحة كريهة في الأجواء، ومع توقف القصف لمدة نصف ساعة استغلها الناس بالإسراع إلى مكان انفجار أحد البراميل ليُصدموا من هول المشهد.
عمران الدوماني، أحد الشهود على مجزرة الكيماوي في دوما يصف ما حصل لـ موقع تلفزيون سوريا بالقول "ما إن توقف القصف لقرابة نصف ساعة ذاك اليوم حتى هُرع الناس إلى مكان انفجار البرميل لمعرفة ما حصل، صُدموا بمشاهدة عشرات المدنيين مُلقَون على الأرض وقد خرج من أفواههم الزبد بعد استنشاقهم الكيماوي بينما هناك أناس لا يزالون على قيد الحياة لكنهم يسعلون بكثرة نتيجة إصابتهم بالغازات السامة ذاتها".
لم تتمكن فرق الدفاع المدني التي حضرت إلى المكان من أن تنقل جثامين الشهداء بل حاولت إسعاف جميع الجرحى إلى النقطة الطبية (1) في المدينة، كان العدد يُقدر بالمئات، أتوقع أنه كان يناهز الـ 600 مصاب وأكثر، حسب الدوماني.
مضت نحو نصف ساعة وعناصر الدفاع المدني يحاولون إسعاف أكبر قدر من الجرحى إلى أن عادت الطائرات إلى الأجواء وبدأت بمسلسل القصف مجدداً، لكن هذه المرة بدأت تستهدف سيارات الإسعاف والنقطة الطبية الوحيدة في المدينة، ورغم أنها محصنة بشكل كبير فإنها تلقت عشرات الصواريخ التي جعلتها خارج الخدمة.
ويضيف، كان الناس يختبئون في الأقبية التي حمتهم نسبياً من القصف اليومي الذي تعرضت له المدينة، لكن للأسف لم تحمِهم من الغازات السامة ذاك اليوم.
مسح آثار المجزرة
وثق مركز الدفاع المدني في ريف دمشق آنذاك مقتل ما لا يقل عن 43 مدنياً بينهم أطفال ونساء وإصابة المئات جراء استنشاقهم غازات سامة، في حين تمكن من إنقاذ 56 طفلاً و85 رجلاً و44 سيدة وفق إحصائيات المركز، لكن ما يقوله ناشطون إن أعداد القتلى والمصابين أكثر بكثير وهذا ما أمكن توثيقه فقط.
ولم يتمكن العديد من الإعلاميين من تغطية المجزرة بسبب هول القصف الذي تعرضت له المدينة آنذاك، لكن توضح الصور الملتقطة من قبل كوادر الدفاع المدني يوم المجزرة أن العديد من المدنيين فارقوا الحياة بعد استنشاقهم غازات سامة ليخرج من أفواههم زبد ناتج عن تسممهم بهذه الغازات.
من جانبها، أسرعت روسيا لتنفيذ بنود الاتفاق مع جيش الإسلام بعد وقت قصير من حادثة مجزرة الكيماوي، لتدخل إلى المدينة وتمسح آثار الجريمة عن طريق حرق مكان حصول المجزرة، كما يقول الدوماني "حتى المدنيون الذين بقوا في دوما بعد التهجير والذين كانوا من الشاهدين على مجزرة الكيماوي تم اعتقالهم أو تهديدهم بعدم الحديث عن تفاصيل المجزرة".
واتهمت واشنطن نظام الأسد بعد حصول المجزرة بتأخير وصول المحققين الدوليين إلى مسرح الهجوم الكيماوي في دوما، إذ تعرض فريق أمني أممي لإطلاق نار.
واتهم وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، النظام بتأخير دخول بعثة محققي منظمة حظر الأسلحة الكيماوية إلى دوما عمداً بهدف تنظيف جريمة قصف دوما بالكيماوي، في حين أنكر كل من النظام وروسيا تعرضَ دوما لقصف بالغازات السامة.
في ذكراها الأولى
خلال اليومين الماضيين، شارك الأهالي في الشمال السوري بوقفات عديدة حصلت في كل من بزاعة والباب وعفرين تنديداً بمجزرة كيماوي دوما، وحملت الوقفات والاعتصام عنوان " تنفس".
سراج الشامي أحد المهجرين من دوما قال لـ موقع تلفزيون سوريا "شاركنا بمجموعة من الوقفات التي نظمت بذكرى مجزرة الكيماوي الأولى في دوما، وحصلت الوقفات التي شارك بها عشرات المدنيين في كل من الباب وقباسين وعفرين وبزاعة، كما من المقرر أن يقيم إعلاميون ندوة يوم غد الإثنين للحديث حول المجزرة".
وأضاف، سنستمر بالمشاركة في الوقفات والاعتصامات، ومستمرون بمطالبة المجتمع الدولي والمنظمات الأممية المعنية بمحاسبة نظام الأسد على الجرائم التي اقترفها بحق السوريين، مع العلم أن النظام لن تتم محاسبته ولو حصل ذلك لكان زمن ارتكاب النظام لمجازر زملكا وخان شيخون وغيرها من المجازر التي استخدم فيها غازات سامة.
وتابع"رغم مواقف المجتمع الدولي مما يحصل في سوريا، سنستمر بوقفاتنا واعتصاماتنا ولن ننسى أهالينا الذين خنقوا بالغازات السامة ودفنوا بينما لا يزال الفاعل طليقاً ولم تتم محاسبته".
وكانت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية نشرت تقريراً، الشهر الفائت، تضمن نتائج التحقيقات التي توصلت إليها بعد البحث بمجزرة الكيماوي في دوما، وجاء فيه أن هناك دوافع منطقية تتيح القول إن عنصراً كيماوياً تم استخدامه كسلاح في السابع من نيسان 2018 في دوما، وهذا العنصر الكيماوي كان يحوي غاز الكلور وراح ضحيته 43 شخصاً حسب حديث شهود للمفتشين بالمنظمة.
الجدير بالذكر أن التقرير لم يُشر بأصابع الاتهام إلى أي طرف من الأطراف، كون الأمر ليس مُدرجاً ضمن صلاحيات منظمة حظر الأسلحة الكيماوية تلك الفترة، إلا أن عدداً من الدول الغربية ومن بينها الولايات المتحدة حملت نظام الأسد مسؤولية الهجوم الكيماوي على دوما.