تتصاعد الوفيات في سوريا منذ أكثر من شهر تقريباً، نتيجة الإصابة بفيروس تنفسي حاد لم يتم تشخيصه بدقة ولم يتم الإعلان أو التحذير منه رسمياً عبر وزارة الصحة التابعة للنظام السوري، إلا أن السوريين باتوا متأكدين من أن الجائحة التي تنتشر بينهم هي غير مسبوقة خاصة بالنسبة للشباب.
وأكد صيادلة لموقع تلفزيون سوريا، أن هناك كثافة في الإقبال على شراء أدوية الإلتهاب (رغم أنها غير موصى بها بالنسبة للإصابات الفيروسية)، ومثبطات السعال والاحتقان والإسهال من دون وصفات، مشيرين إلى أن الوضع يزداد سوءاً نتيجة انقطاع أصناف كثيرة من الأدوية.
أحد أطباء الداخلية بدمشق، فضل عدم ذكر اسمه، قال لموقع تلفزيون سوريا إن "دمشق تشهد منذ شهر تقريباً إصابات متصاعدة بفيروس تنفسي حاد جداً، يصيب الرئة والقصبات الهوائية بالتهابات، أعراضه آلام في المفاصل التهاب بملتحمة العين، ارتفاع في الحرارة، سعال حاد وصداع وفي بعض الأحيان إسهال وإقياء وألم في الأمعاء، وتختلف الأعراض من شخص إلى آخر لكن اللافت بها أن الإصابات شديدة بين جميع المراحل العمرية."
جائحة شديدة وغير مسبوقة
طبيب صدرية آخر، أشار إلى أن نوع الفيروس غير معروف ولم يحدد بعينات عبر وزارة الصحة، "وهذا خطر، لأن الأطباء غير قادرين على تحديد آلية العلاج، مشيراً إلى أن الجائحة الحالية حادة وتتصاعد أكثر فأكثر لكن لا يمكن أن نعرف إن بلغنا الذروة أم لا لعدم وجود إحصائيات".
وتابع الطبيب "بالنسبة للعيادات، حالياً وصلنا إلى أعلى حد من الإصابات وقد يكون ذلك مؤشراً على بلوغ الذروة كمستوى محلي، لكن ليس بالضرورة أن يكون ذلك تم بالفعل، وهكذا علمتنا تجربة كورونا السابقة".
لم يستبعد الطبيب أن يكون المتحور الأخير الذي ظهر بالصين باسم "يوم القيامة" هو المسبب لما يجري في سوريا، لكنه في الوقت نفسه يرجح بأن الفيروس الذي يضرب البلاد هو إنفلونزا خنازير متحور بحكم خبرته وقراءاته على حد تعبيره.
وأضاف "سبب اعتقادي بذلك، هو تشخيص الفيروس في لبنان عبر مسحات للمصابين"، مشيراً إلى أن وحشية الفيروس جاءت نتيجة غياب الإنفلونزا الموسمية في أثناء جائحات كورونا السابقة، وبالتالي لم يصب بها السكان وعليه عاد المرض من جديد وبشدة وبشكل متحور جديد على الجهاز التنفسي".
ناقوس الخطر
في التاسع من تشرين الثاني 2022، حذّرت منظمة الصحة العالمية – الشرق الأوسط، من موجة "وخيمة" وقالت في بيان إنه على الرغم من أن "الستار لم يُسْدَل بعد على جائحة كوفيد-19، فإن منظمة الصحة العالمية تركز الآن أيضاً على التأهب لموسم الإنفلونزا 2022-2023، الذي من المرجح أن يكون أشد وخامة هذا العام، بعد انخفاض قياسي في الحالات خلال فصلَي الشتاء الماضييْن. ومن المُرجَّح أن يكون تأثير سريان الإنفلونزا وكوفيد-19 في الوقت نفسه مصدر قلق للنُّظُم الصحية الوطنية، وبخاصة فيما يتصل بحماية الفئات الضعيفة مثل الأطفال، والنساء الحوامل، والمُسنِّين، والعاملين في مجال الرعاية الصحية".
إذاً، منظمة الصحة دقت بالفعل ناقوس الخطر مبكراً. لكن بعد أكثر من شهر بقليل من بيان المنظمة، بدأ الإعلان عن وفيات نتيجة فيروس مجهول يضرب سوريا، إذ توفيّ طفلان سوريان، في كانون الأول الماضي، نتيجة إصابتهما بالتهاب رئوي، الأول في بلدة صرين بريف حلب الشرقي، والثاني في حي رميلة بالرقة، ليرتفع عدد الوفيات بالالتهاب الرئوي إلى 18 طفلاً، بحسب ما أفادت مصادر طبية.
وبعد انتشار حالات الوفيات بين الأطفال بالفيروس المجهول، قررت هيئة التربية والتعليم في إقليم الجزيرة، تعليق الدوام المدرسي نحو أسبوع، بسبب انتشار الفيروس، وكذاك فعلت لجان التربية في الرقة والطبقة ومنبج.
حكومة النظام تلتزم الصمت
مناطق سيطرة النظام لم تعلن نهائياً عن فيروس غريب أو خطير بشكل رسمي، ولم تعلن عن أي وفيات، لكن الناس بين بعضهم بعضا يتناقلون أخبار الفيروس المجهول، إذ كثرت الوفيات مؤخراً، وبدأت عائلات بكاملها تصاب بالحمى الشديدة.
أم ريان تبلغ من العمر 37 عاماً، قالت إنها وزوجها وطفلتيها أصيبوا بفيروس تنفسي حاد وأكثر شدة من كورونا الذي أصيبوا به سابقاً، مؤكدةً أن الأعراض من الوهن وآلام الصدر والاحتقان وآلام البلعوم والحنجرة استمرت لـ15 يوماً، أما السعال فلا يزال مستمراً منذ شهر على حد تعبيرها.
واعتبر نبوغ العوا، العميد السابق لكليّة الطب في جامعة دمشق، بداية الشهر الجاري في حديثه مع موقع "أثر برس" المقرب من النظام أن وصول الإصابات بالمتحوّر الجديد "يوم القيامة" إلى دول جوار سوريا مؤشر حتمي على وصول الفيروس إلى سوريا، لكنه في الوقت نفسه قال إن الحالات الشديدة التي تنتشر حالياً هي إنفلونزا وليست كورونا، وأعراضها التهاب بلعوم وحنجرة وسعال قوي يتطلب وقتاً طويلاً للشفاء.
وبعد أيام فقط، كشف عضو "اللجنة الاستشارية للتصدي للأوبئة" عصام أنجق لـ"صحيفة البعث" الرسمية، عن وجود إصابات جديدة في سوريا، بمتحور كورونا الجديد، مبيناً أنه يعتبر الأشد فتكاً.
وبدوره، قال مصدر طبي في مشفى بالعاصمة دمشق مؤخراً لموقع "نورث برس"، إنّ هناك انتشارا لإنفلونزا شديدة الخطورة تصل إلى مشافي دمشق بشكل يومي، وهي في الغالب إنفلونزا الخنازير، مشيراً إلى أن انتشار الإنفلونزا شمل عددا من المدن والمناطق السورية الأخرى، وهذه الحالات بحاجة لعلاج دقيق ومدة طويلة للشفاء، وقد تؤدي إلى الموت في حال لم يتمّ التعامل معها بشكل طبي جيد.
وبمقاطعة حديث الأطباء الثلاثة أعلاه، يتبين أن سوريا تعاني من فيروسين شديدين، من دون أي تحذير رسمي أو أي إجراءات احترازية سواء على مستوى الحكومي أو الأهلي.