لم يهدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي وقت في الخلاف الذي نشره الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحلفاؤه حول انتخابات 2020.
إذ أعلن بوتين يوم الإثنين الماضي أنه لن يقوم بتهنئة الرئيس المنتخب جو بايدن على فوزه، وادعى بأن نتائج الانتخابات لم تكن واضحة، بالرغم من أن التوقعات أشارت إلى فوز بايدن قبل أكثر من أسبوعين من حدوث ذلك، وقد تحققت العديد من الولايات من نتائج الانتخابات فيها منذ ذلك الحين.
والأهم من كل ذلك هو أن بوتين دعم نظريات المؤامرة التي أطلقها ترامب حول الانتخابات بغية التقليل من أهمية الدعم الأميركي لانتخابات حرة ونزيهة في مختلف أنحاء العالم.
إذ منذ أن خسر ترامب في الانتخابات، أطلق هو ومؤيدوه اتهامات بلا دليل أو أساس حول انتشار التضليل بالنسبة للناخبين وتزوير الانتخابات، كما لفقوا مؤامرة كبيرة اتهموا من خلالها الحزب الديمقراطي بالتعاون مع شركة تقنية أو إعلامية كبيرة حسب زعمهم بهدف ترجيح نتيجة الانتخابات لصالح بايدن.
إلا أن كل تلك المزاعم ليس لها أساس، فقد شهدت هذه الانتخابات حالة أمان وسلام لم تشهدها من قبل على مدار تاريخ الولايات المتحدة، وذلك بسبب استخدام بطاقات الاقتراع الورقية وآلات عد الأصوات التي يمكن التحقق من مسار الأوراق فيها. إلا أن حملة ترامب وكذلك الجمهوريون رفعوا 12 طعناً قانونياً تقريباً بهدف تغيير نتائج الانتخابات إلا أنهم لم يربحوا أي واحدة من تلك القضايا.
غير أن ذلك لم يمنع بوتين من وضع بصمته في الميزان لصالح مزاعم ترامب، حيث أطل عبر التلفزيون الرسمي الروسي وقال: "الأمر بغاية الوضوح، وواضح لكل امرئ في هذا العالم، إذ يبدو لي بأنه بالنسبة للأميركيين من الواضح وجود مشكلات في النظام الانتخابي الأميركي". وأضاف بوتين بأن هذه المشكلات المزعومة تنتزع من الولايات المتحدة حقها في: "توجيه أصابع الاتهام نحو العيوب الموجودة في الأنظمة السياسية الأخرى".
إن الرئيس الروسي الذي أمضى عقدين في الحكم واقترب خطوة أخرى من التحول إلى رئيس مدى الحياة لروسيا وذلك في تموز الماضي، ظل محل انتقاد من قبل الولايات المتحدة وذلك بسبب مبادئه المعادية للديمقراطية وقمعه العنيف للأحزاب السياسية المعارضة وللمعارضين وللصحفيين المستقلين. وانتقاماً من كل ذلك، عمد بوتين إلى توظيف أداة الدعاية السوفياتية الكلاسيكية التي تعرف باسم "ماذا عنكم" لتصوير الولايات المتحدة بأنها على المركب نفسه من الناحية الأخلاقية.
وقد خدمت هذه الدعاية بوتين كونها أتاحت له أن يكون في موقف يخوله أن يقول للولايات المتحدة أنه لا يحق لها أن "تحاضر على روسيا في الديمقراطية عندما يكون لديها هذا السجل السيئ في مجال تحقيق الديمقراطية التي تتم تحت رقابتها"، وذلك حسب وصف فادين نيكيتين وهو محلل روسي وصحفي مستقل. والأهم من ذلك أن اتهام بوتين بالنقائص التي تعاني منها الولايات المتحدة يعتبر جزءاً من الجهود الساعية لإجبار الآخرين على "قبول كل الأطراف بما أن لديهم جميعاً عيوب على المستوى الأخلاقي" كما ذكر ذلك المحلل الروسي.
ثم إن رفض ترامب التنازل عن الانتخابات وتلطيخه لسمعة النظام الأميركي عبر اتهامه بالتزوير وعدم النزاهة "يخدم الهدف الأساسي لبوتين بشكل مباشر، والذي يقوم على عدم انتخاب شخص بعينه بالضرورة، بل نشر الخلاف وتعزيز النظرة إلى الديمقراطية الأميركية على أنها غير ناجحة"، وذلك حسبما ذكره جون ماكلوفلين، وهو مدير سابق بالوكالة لوكالة الاستخبارات المركزية، ويتابع فيقول: "فإذا كان بوسع بوتين أن يشير إلى أن نظامنا ويصفه بأنه ليس بناجح، فإن ذلك سيزيح عنه الضغوطات التي تحثه على إقامة نظام ديمقراطي حقيقي، لأنه أصبح بوسعه أن يشير إلى الولايات المتحدة ويقول: حسناً، إن لم ينجح النظام هناك فلماذا تطالبونني بالقيام بذلك؟"
إذ بالنسبة لبوتين تبدو الاضطرابات التي أعقبت الانتخابات الأميركية والمرحلة الانتقالية المحفوفة بالمخاطر بمثابة: "صرف نظر مرحب به أيما ترحيب" حسب رأي ماكلافين، وهذا صحيح اليوم، بعدما هبطت نسبة من يدعمون بوتين في روسيا باطراد لتصل اليوم إلى ما يقارب 60% أي بنسبة أقل بكثير عما كانت عليه عندما بلغت 80% و90% في السابق. ولكن اليوم، "أصبح بوسعه أن يريح نفسه عبر دفعنا لمحاربة بعضنا البعض من أجل ما كنا نحب أن نراه على أنه الانتخابات الأكثر أماناً وسلمية والأكثر نزاهة، إلا أنها الانتخابات التي يراها رئيس الولايات المتحدة على أنها مزورة" وفقاً لرأي ماكلافين.
ويرى مايكل ديفيد-فوكس وهو أستاذ بجامعة جورج تاون وخبير بشؤون روسيا المعاصرة والاتحاد السوفياتي بأن: "روسيا كانت دوماً ترغب بتصحيح النظام الدولي" الذي قادته إدارة أوباما، "فمن الواضح بالنسبة لبوتين ومؤسسة السياسة الخارجية الروسية بأن إدارة بايدن تمثل العودة" إلى ذلك النهج.
فقد عززت إدارة أوباما سياسة خارجية دعمت النظام الدولي الذي تحكمه مؤسسات مستقلة وتحالفات دولية، وهذا النظام الذي تترأسه الولايات المتحدة منذ الحرب الباردة، كثيراً ما تعارض مع مصالح بوتين الساعية لتمزيق التحالفات الغربية، ونشر الشيوعية، وإعادة الدول ذات السيادة مثل أوكرانيا إلى حظيرة الهيمنة السوفياتية.
وعلى النقيض من ذلك نجد السياسة الخارجية لإدارة ترامب وقد تنازلت عن عوائد كبيرة لصالح روسيا. إذ يرى غلين كارل وهو عميل سري سابق لدى وكالة الاستخبارات المركزية بأنهم: "يريدون حماية صبيهم في البيت الأبيض، نظراً لأن سياسات ترامب كانت رائعة بالنسبة لروسيا على المستوى الاستراتيجي. فقد أبعد ترامب الولايات المتحدة عن حلف شمال الأطلسي وتغاضى عن النفوذ الروسي في القرم، أما ما قام به في الشرق الأوسط، خاصة في سوريا وليبيا، فقد ساعد روسيا على كسب وجود مهم في تلك المنطقة لأول مرة منذ 48 سنة".
وكثيراً ما أثنى ترامب بإسهاب على بوتين، إذ وصفه بالقائد "القوي وصاحب النفوذ" وقد استعانت الآلة الإعلامية الروسية بتلك الصفات في تصوير بوتين على أنه زعيم العالم، وبأن ترامب مجرد دمية ترقص على إيقاع سيده بوتين.
وعقب انتخابات 2020، لابد "للولايات المتحدة التي ستصبح ضعيفة ومنقسمة وتفتقر إلى الشرعية ولا تستطيع أن ترتب شؤون بيتها الداخلي" أن تقوي موقف روسيا وذلك عبر تشويه جهود فريق ترامب الساعية إلى: "تجاوز الانحدار الكارثي في المرتبة التي تحتلها الولايات المتحدة على المستوى الدولي" والذي أفرزته إدارة ترامب حسب رأي ديفيد-فوكس.
إلا أنه أضاف هذه المرة المزيد من النواب الجمهوريين ليساعدوا روسيا على دعم مساعي ترامب لتقويض العملية الديمقراطية، ففي الوقت الذي قام فيه بعض الجمهوريين بتهنئة بايدن على فوزه سراً، وطالبوا من يشغل منصب الرئيس بأن يفسح المجال لمن سيخلفه بالوصول إلى المعلومات الاستخباراتية والمواد التي تتعلق بعملية الانتقال ولكن بحذر، التزمت الغالبية الساحقة من الحزب الجمهوري إما بالصمت أو بتضخيم مزاعم ترامب الكاذبة حول تزوير الانتخابات.
وإن ما قاموا به "يدعم الأهداف القديمة لروسيا إزاء التدخل والعبث بالشؤون السياسية الداخلية" حسب رأي ديفيد-فوكس الذي يرى بأن الطريقة الوحيدة لتتغلب فيها الولايات المتحدة على: "موجة التضليل الإعلامي والتسلط في الوقت الحالي والتي يقودها الخاسر في الانتخابات الرئاسية ويعززها صمت معظم أعضاء الحزب الجمهوري تكمن في التمسك بإرادة الناخبين وإخراج الإدارة الحالية بحسب ما يمليه نظامنا الدستوري".
المصدر: بزنس إنسايدر