لا يبدو أن آثار الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وشمال غربي سوريا على السوريين ستقتصر على الوفيات والجرحى، إذ بدأت تظهر تداعيات أخرى، على الأرجح ستكون ذات أمدٍ طويل.
وبحسب إحصائيات شبه رسمية، فإن ولاية هاتاي وحدها، يقطنها قرابة 430 ألف سوري، ثلثهم يقيمون في مدينة أنطاكيا، التي صنفتها الحكومة التركية على أنها الأكثر تضرراً من الزلزلال الأخير.
تشير التقديرات الأولية إلى أن عدد الضحايا من السوريين في الزلزال الذي ضرب مدن جنوب ووسط تركيا، زاد على 6 آلاف ضحية، حيث ينصب الاهتمام في الوقت الراهن على انتشال ما بقي من جثث تحت الأنقاض، دون تسليط الضوء على كامل أوضاع السوريين في المنطقة المنكوبة، وما طالهم من أضرار.
السوريون في تركيا يفقدون وطناً بديلاً
مضى على استقرار عشرات الآلاف من السوريين في جنوبي تركيا بين 6 - 9 سنوات، لتتحول المنطقة تدريجيا إلى وطن بديل عن وطنهم الذي غادروه مجبرين تحت وطأة قصف النظام السوري وحلفائه.
وأسس السوريون في جنوبي تركيا على مدار السنوات الماضية أعمالهم وتجارتهم الخاصة، بل أصبحوا في بعض المجالات رواد أعمال، مثل صياغة الذهب، ومقاولة البناء، وقطاع الأغذية وصناعة الحلويات.
الزلزال الأخير الذي أثر على مدينة أنطاكيا بشكل كبير، أدى إلى تدمير الكثير من المنازل التي يقطنها السوريون مقابل إيجارات شهرية معقولة، بالمقارنة مع مناطق تركية أخرى، حيث تتراوح إيجارات المنازل في أنطاكيا بين 1500-4000 ليرة تركية، بالمقارنة مع ضعف هذه المبالغ في ولايات أخرى باتجاه الداخل التركي.
وبعد الكارثة التي ضربت المنطقة، توجهت المئات من العائلات السورية باتجاه ولايات تركية أخرى، مثل مرسين، وأضنة، وأنقرة، وإسطنبول، ونزل الكثير منهم في مراكز إيواء، أو يقيمون حاليا لدى أصدقائهم وأقاربهم، في ظل معاناة كبيرة خلال البحث عن تأسيس حياة جديدة.
نجيب.ق، الذي وصل مع عائلته مؤخراً إلى إسطنبول، اضطر لاستئجار منزل بشكل مؤقت، بمبلغ شهري قدره 12000 ليرة تركية، بعد أن كان يقطن منزلاً في أنطاكيا مقابل 3000 ليرة فقط.
وفي حديثه مع موقع تلفزيون سوريا قال نجيب: أعاني من ضغوطات مالية كبيرة نتيجة الواقع الجديد، والنزوح من منطقة الزلزال، وهناك مشكلة إضافية تتعلق بالأوراق الرسمية، الحديث الآن يدور عن السماح لنا بالبقاء في إسطنبول لمدة 60 يوما فقط، ولا ندري بعد ذلك ما هو مصيرنا.
خيارات صعبة للسوريين عقب الزلزال
وجد الآلاف من السوريين الذين نجوا من زلزال جنوبي تركيا أنفسهم أمام خيارات صعبة للغاية، وسيكون على الأرجح كاهلهم مثقلاً بأعباء كبيرة.
قسم من السوريين المنكوبين، قرر التوجه إلى ولايات جديدة للبحث عن فرص عمل، خاصة أن شريحة كبيرة منهم عمال يومية، لكن تبقى الإشكالية الأكبر في هذا الخيار هي عدم وضوح مستقبل بقائهم في المدن نتيجة السياسة المتبعة في منح تصاريح الإقامة، وعدم إتاحة المجال لنقل قيد السكن بين الولايات التركية بالنسبة لحاملي بطاقة الحماية المؤقتة.
اقرأ أيضا: تعرف إلى طريقة حصول السوريين والأتراك على تأشيرة ألمانيا للمتضررين من الزلزال
وبدأ قسم واسع من السوريين حاملي بطاقة الحماية المؤقتة التوجه إلى الشمال السوري، بعد القرار الصادر عن الحكومة التركية القاضي بمنح إجازات للسوريين المقيمين في جنوبي تركيا لمدة تتراوح بين 3 و 6 أشهر، حيث أفادت مصادر في معبر باب الهوى لموقع تلفزيون سوريا، بأن أكثر من 5500 سوري بالفعل دخلوا باتجاه إدلب.
ومن غير المستبعد أن تسعى شريحة من السوريين الذين نزحوا من جنوب تركيا للهجرة باتجاه أوروبا، بحثاً عن لجوء جديد، نظراً لأن الدول الأوروبية تقوم بتقديم دعم مالي للاجئين، وتدمجهم لاحقاً في سوق العمل.
اللافت أن السوريين حاملي الجنسية التركية، من ضمن الشرائح التي تفكر بالفعل بالهجرة إلى أوروبا بعد الكارثة التي حلت بمناطق إقامتهم.
عبد الرزاق.غ الذي نزح من هاتاي باتجاه إسطنبول، وهو من الحاصلين على الجنسية التركية، أكد لموقع تلفزيون سوريا أنه يفكر بشكل جدي هو وعائلته بالهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، بعد أن فقد عمله كمشرف ضمن مستودع لتوزيع المواد الغذائية، مشيراً إلى وجود صعوبة بالغة في إيجاد فرصة عمل جديدة.
لقد أظهرت الأزمة الأخيرة بشكل واضح، أن الاستقرار النسبي الذي عاشه الكثير من السوريين في تركيا، حالة غير مستدامة، وما إن اصطدم هذا الاستقرار باستحقاق حقيقي حتى ظهر حجم هشاشته.