يواجه الوالدان تصرفات من أطفالهم في كثير من الأحيان لا يعرفون سببها ولماذا يبالغ أطفالهم في تعاملاتهم داخل الأسرة، من بينها رفع الصوت والصراخ والإمساك عن الطعام رغم توفير كل الأجواء المناسبة.
قد لا يدرك الآباء والأمهات إن هذه التصرفات ناجمة عن الشعور الانفعالي التنافسي مع اقرانهم داخل المنزل، أو ما يمسى بالغيرة.
وتُعرف الغيرة بأنها حالة انفعالية وشعور تعويضي ناتج عن فقدان الثقة بالنفس وحب التملك تعيق التواصل السليم مع المحيط.
سوزان الرجب، امرأة سورية، لم تجد طريقة لمعالجة مشكلة غيرة إحدى بناتها إلا بجلسات معالجة عند استشارية نفسية.
سوزان أم لثلاثة أطفال، ابنتان وابن، كانت ابنتها الوسطى ريناد تعاني من الغيرة من أخيها الأكبر، الولد البكر، وأختها الصغرى آخر العنقود، وتشعر ريناد أنها مهملة ولا تحظى بالاهتمام والدلال حسب تفسيرها.
وتقول الأم سوزان في حديثها لموقع تلفزيون سوريا أنها أنجبت طفلتها الثالثة بعد ريناد بسبع سنوات، التي وجدت نفسها بعد سنوات من الدلال أن أختها الجديدة سرقت منها الأضواء، واعتبرتها منافسة لها مما ولد لديها شعور بالنقص".
وتضيف الأم: "بدافع جذب الاهتمام لها وإبعادنا عن أختها أصبحت تقوم بسلوك عدواني في المنزل والمدرسة كسرقة أشياء أختها وترك ما يدل على أنها الفاعلة، وضرب الأطفال في المدرسة، والكذب، مما اضطرني للجوء إلى استشارية نفسية للأطفال.
خضعت العائلة بما فيها الأم والأب لعدد من جلسات إرشاد نفسي عند اختصاصية بعلم النفس الخاص بالأطفال عن طريق الرسم والألعاب، وبعد تشخيص المشكلة ومعرفة نقاط الضعف، بدأت الاستشارية توجه الطفلة ريناد نحو التشارك مع أختها الصغرى.
وركزت الجلسات على تركيز انتباه ريناد وتشتيت تركيزها على أختها، ومساعدتها على تحمل المسؤولية والصبر عبر ألعاب التركيز والصبر مثل ضم الخرز، الأمر أدى إلى نتائج إيجابية.
كما طلبت الاستشارية من العائلة اقتناء حيوان أليف في المنزل، فأحضرت سوزان قطة أليفة لابنتها.
وطلبت الأم من ابنتها أن تعتني بالقطة وتؤكد عليها أن هذه القطة هي تحت مسؤوليتها، فيجب أن تطعمها وتعتني بنظافتها وصحتها وراحتها.
وأكدت الأم النتائج الإيجابية لوجود القطة في المنزل، وأثر ذلك الكبير في تحسن حالة ريناد، لأنها خاضت تجربة الإحساس بالمسؤولية الأمر الذي جعلها تقدر اهتمام أمها بأختها أيضاً.
وتشدد سوزان أن نصيحة الاستشارية كانت بمحلها، وعرفتُ أن الأمر لا يتعلق بالدلال، نقصه أو زيادته، بل في جعل الطفل يدرك زيف شعوره بالنقص، وأن الغيرة لا مبرر لها.
واليوم ريناد عمرها 14 عاماً تخلصت من مشكلة الغيرة قبل سبع سنوات عندما خضعت للاستشارة الطبية، ولكنها متعقلة بقطتها بشكل لا يمكن الانفكاك عنه.
ولكن سوزان تقول أن المشكلة لا تنتهي نهائياً إلا أن هذه الطريقة ساعدت بدرجة كبيرة، لا سيما أننا عالجناها مبكراً، وصرفنا انتباه الطفلة عن هذه المشكلة النفسية.
أما عبير هاشم، امرأة سورية، وهي أم لأربعة أطفال، إحدى الأمهات التي مرت بتجربة الغيرة بين أطفالها، وتقول إن هذا الموضوع سبب لها المتاعب، ولكنها تمكنت بعد جهود التغلب عليها.
وتضيف في حديثها لموقع تلفزيون سوريا: "بدأت المشكلة بالتنافس بين ابنتي الأولى وأختها التي تصغرها سناً، وغالباً الطفل الأول يأخذ ميزات كثيرة عن أخواته كونه أول فرحة للعائلة، وأي فعل يبدر منه يلقى تشجيعا كبيرا من الأهل الأمر ينعكس سلباً لدى الطفل الثاني بالكبت والانطواء على نفسه وقلة للثقة بالنفس".
وتتابع: "لاحظت مثلاً لدى ابنتي الثانية جود أنها تطيل مضغ الطعام لدرجة أنها قد تنام وهي ما زالت تمضغ اللقمة مما جعلني انتبه للاهتمام بها أكثر، وعمدت إلى تشجيعها والثناء عليها على أي فعل تقوم به حتى لو لم يكن يستحق الثناء لتعزيز الثقة لديها وأتغاضى عن بعض الهفوات دون أن يؤثر ذلك على أختها الكبرى. وتكررت المشكلة عندما جاء المولود الثالث الذكر، ورغم حرصي على عدم التمييز بينهم لكنه كان يشعر أن أخواته مدللات أكثر منه دائما يردد لأني وحيد أنتم تهتمون بالبنات أكثر مني والبنت الصغرى تشعر أننا نهتم به أكثر منها لأنها صبي وحيد".
تتابع عبير: "ركزت على إعطاء ابنتي الصغرى الاهتمام بها وتشجيعها، ولجأت لأخيها ليساعدني ليكون مصدر أمان وثقة لأخته دون أن أهمل تشجيع الطرف الآخر وحصلت بذلك على نتيجة إيجابية كبيرة .
ليست كلها شراً
رغم المضايقات والحيرة التي تسببها "غيرة الأطفال" للوالدين إلا الطبيبة المختصة بعلم النفس أورور لموان تقول في حديثها لمجلة "ماري كلير" الفرنسية، إن الغيرة شعور طبيعي ويجب الابتعاد عن المبالغة والتهويل.
وبحسب الطبيبة النفسية، فإن للغيرة جوانب إيجابية لأنها تساعد في تشكيل شخصية الأشقاء داخل الأسرة بشكل تفاعلي.
وتضيف لموان، تكون الغيرة في كثير من الأحيان عامل تحفيزي للدفع نحو التميز والإبداع لتحقيق التفوق.
ما أسباب الغيرة السلبية؟
- نفضيل الوالدان أحد الأبناء على بقية أخوته، ما يولد لدى الطرف الآخر الشعور بأنه منبوذ أو غير مرغوب.
- عقد المقارانات العلنية سماع أحد الأطفال أن والديه يمدحان أخيه أو أخوته بشكل متكرر يولد شعور انفعالي سلبي لديه.
- الاهتمام بالابن الذكر وتمييزه على أخواته البنات، وهذا الأمر لا يزال سائد في المجتمعات الشرقية وإن كان بصورة أقل.
- الطفل الجديد، اهتمام الأهل بالمولود الجديد يخلق حالة لدى طفلهم الأكبر بأنه لم يعد مرغوباً به.