أصبحت مجموعة فاغنر الروسية الخاصة للتعاقدات العسكرية تحارب إلى جانب الجيش الروسي في أوكرانيا، وأحياناً تقاتل بالنيابة عنه وتحل محله في الكثير من المهام القتالية. إلا أن اعتماد موسكو على فاغنر ومرتزقتها يضعف تلك المجموعة العسكرية الخاصة سيئة الصيت وينهكها، بحسب ما أوردته تقييمات نشرتها الاستخبارات العسكرية البريطانية مؤخراً.
مرتزقة فاغنر في أوكرانيا
دبابة روسية مدمرة في خاركيف التاريخ 9 أيار 2022
يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كان يأمل بتحقيق نصر سريع يسقط من خلاله الحكومة الأوكرانية في كييف، قد مني بهزائم عسكرية مدوية من جديد في أوكرانيا.
ولذلك أصبح طموح الكرملين محدوداً في الوقت الراهن، كما زاد اعتماده على مجموعة فاغنر لتعوض عن الأداء المتردي للجيش الروسي وعن الخسائر الفادحة التي منيت بها قواته النظامية.
"خيار أنسب"
في 18 تموز الماضي، قدر وزير الدفاع البريطاني بأن موسكو استعانت بمجموعة فاغنر "لتعزز قواتها على الجبهة" في أوكرانيا، ولتخفف من حدة المشكلات التي تسببت بظهورها تشكيلات القوات وذلك بسبب الخسائر الروسية الفادحة.
ولم يتم الإعلان عن مجمل الخسائر الروسية بعد ستة أشهر من الحرب، كما تتفاوت التقديرات حول ذلك، إذ قدرت التقييمات الأميركية مجموع الخسائر بما بين 70-80 ألف جندي، فيما ترى التقييمات الأوكرانية أن 50 ألف جندي روسي قتلوا، إلى جانب الآلاف الذين أصيبوا بجراح أو أصبحوا بين عداد المفقودين.
وهذه الخسائر الكبيرة في أرواح الروس، مع عجز موسكو عن التعويض عن قواتها، استنزفت قدرة الجيش الروسي على شن هجمات واسعة النطاق، وهذا ما جعل من مجموعة فاغنر ومرتزقتها خياراً أنسب بنظر الكرملين.
جندي أوكراني أمام قبر صوري للسخرية من فلاديمير بوتين بالقرب من زاباروجيا بأوكرانيا – التاريخ 9 أيار 2022
خسائر بالجملة
إلى جانب التعقيدات القانونية لهذا النهج، ولأن المرتزقة الذين يقعون أسرى بيد العدو لا يتمتعون بالحماية بموجب معاهدات جنيف مثلاً، يبدو أن الدور الكبير الذي تضطلع به تلك القوات لا بد أن يلحق بها الضرر وبالحملة الروسية على أوكرانيا بأكملها.
إذ من الواضح أن مجموعة فاغنر منيت هي أيضاً بخسائر كبيرة في أوكرانيا، ففي أواسط شهر آب، استعانت القوات الأوكرانية بصواريخ هيمارس زودتها بها الولايات المتحدة لقصف مقارّ تلك المجموعة في إقليم لوهانسك.
وقد وردت أنباء حول تسبب تلك الغارة بقتل مقاتلين تابعين لمجموعة فاغنر وإصابة آخرين بجروح، حيث يقول أحد أعضاء البرلمان الأوكراني حول تلك الغارة: "لم يعد هنالك مقر لفاغنر في بوباسنا، فشكراً لهيمارس وللقوات المسلحة الأوكرانية".
وكما هي حال الجيش الروسي النظامي، فقد اضطرت مجموعة فاغنر لخفض معاييرها حتى ترفد صفوفها، حيث صارت تجند مرتزقة من مصادر غير تقليدية، وشمل ذلك محكومين وعدوا بنيل حريتهم مقابل قتالهم في أوكرانيا.
جنديان أوكرانيان يقفان أمام قبر جماعي للقوات الروسية بالقرب من خاركيف التاريخ 9 أيار 2022
وعن ذلك تقول وزارة الدفاع البريطانية في تقييمها الذي صدر في 18 تموز الماضي: "لم يتح للمجندين الجدد سوى تدريب محدود للغاية" وأضافت بأن هذا التوجه: "يرجح له أن يؤثر على فعالية العمليات العسكرية التي تقوم بها تلك المجموعة مستقبلاً، كما سيضعف من قيمتها بوصفها جهة تقوم بدعم القوات الروسية النظامية".
يذكر أن مجموعة فاغنر بقيت تساعد القوات الروسية النظامية على تحقيق الأهداف الأساسية التي وضعتها موسكو والتي تشمل السيطرة على سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك خلال هذا الصيف، ما يساعد روسيا على فرض سيطرتها على كامل إقليم لوهانسك.
تكريم وإعفاء من الخدمة
وفي خضم تلك العمليات، حصل ييفغيني بريغوزين، ذلك الثري الذي من المعتقد أنه يشرف على إدارة مرتزقة فاغنر، على لقب بطل الاتحاد الروسي، ويعكس ذلك حجم دوره المتعاظم في الحرب، إذ أتى ذلك التكريم في الوقت الذي أقيل فيه قادة عسكريون روس من مناصبهم واستبدالهم نظراً لضعف أداء قواتهم في الحرب.
ولهذا ترى وزارة الدفاع البريطانية في تقييمها الذي نشر في 18 تموز الماضي، بأن زيادة اعتماد الكرملين على مجموعة فاغنر، إلى جانب غيرها من الشركات العسكرية الخاصة الكثيرة: "من المرجح أن يفاقم المظالم بين الجيش وفاغنر"، وأن "يؤثر بشكل سلبي على الروح المعنوية لدى الجيش الروسي".
مجموعة فاغنر
ييفغيني بريغوزين برفقة بوتين في أحد المصانع الواقعة خارج مدينة سانت بطرسبيرغ في أيلول من عام 2010
ترتبط مجموعة فاغنر وغيرها من مجموعات المرتزقة التي تشكل معظمها من شتات الجيش عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، بمصالح متينة مع موسكو.
فقد خلق الكرملين من خلال ما فعله في الداخل، عبر أجهزة المخابرات والجيش والأوليغارشية التي تتنافس على الموارد والنفوذ، الظروف الملائمة لظهور فاغنر وتطورها.
وقد كسبت فاغنر ود بوتين إلى جانب كسبها لصيت سيئ دولياً بسبب العمليات التي نفذتها في كل ساحة معركة تم نشرها فيها خلال العقد الماضي، وقد شمل ذلك النزاعات الدائرة في كل من ليبيا ومالي وسوريا وجمهورية أفريقيا الوسطى، وأوكرانيا.
كما اشتبك مرتزقة فاغنر مع القوات الأميركية، ولعل أبرز حادثة من تلك الحوادث ما وقع في شمال شرقي سوريا عام 2018، وذلك عندما هاجم مقاتلو فاغنر مع مقاتلين موالين للنظام السوري نقطة عسكرية توجد فيها قوات أميركية وكردية.
ولقد استغلت القوات الأميركية هذا الهجوم لصالحها، حيث قتلت المئات ومن بينهم أفراد تابعون لمجموعة فاغنر.
جنود سوريون وروس عند نقطة تفتيش في دمشق في آذار 2018
تقوم الولايات المتحدة بمراقبة فاغنر عن كثب خارج أوكرانيا، لاسيما في أفريقيا، حيث أصبحت تلك المجموعة الذراع الأيمن لموسكو، بحسب ما ذكره الجنرال ستيفن تاونسيند من الجيش الأميركي وذلك خلال اجتماع عقدته وزارة الدفاع الأميركية حول مجموعة فاغنر في أواخر شهر تموز.
لدى فاغنر نحو ألف مقاتل في مالي، حيث نشرت تلك المجموعة رادارات ودفاعات جوية متطورة، ولكن من الواضح بأن اليد الطولى لها وأكبر نفوذ قد تركز في جمهورية أفريقيا الوسطى حيث" يقوم جنودها بدعم تلك الحكومة بصورة أساسية" بحسب ما ذكره تاونسيند الذي تقاعد من منصبه كقائد للقيادة الأميركية في أفريقيا في شهر آب الماضي.
وأضاف تاونسيند بأن فاغنر سحبت مرتزقتها من أفريقيا، ومعظم مقاتليها من ليبيا، لتقوم بدعم العمليات العسكرية في أوكرانيا.
إذ عندما وقع الجيش الروسي "في ورطة بأوكرانيا، تم استدعاؤهم للمساعدة حيث تم تكليف بريغوزين بمهمة إرسال المقاتلين إلى هناك، وقد فعل".
المصدر: بزنس إنسايدر