يعمّ الشرق الأوسط ترقبٌ مشوبٌ بالحذر تجاه السياسة الأميركية المقبلة خاصةً تجاه سوريا وإيران في ظل عودة الرئيس السابق دونالد ترمب إلى المشهد السياسي.
وبينما تتزايد التوترات الإقليمية وتتعاظم التحديات، يثير العديد من المحللين تساؤلات حول قدرة النظام السوري بقيادة بشار الأسد على التكيف مع المرحلة الجديدة. فكيف سيؤثر ترمب بسياساته المتوقعة على الأوضاع في سوريا؟ وهل ستكون هناك صفقات لتخفيف النفوذ الإيراني أو حتى إخراجه من الساحة السورية؟
تناقش حلقة برنامج "ما تبقى" على شاشة تلفزيون سوريا الأسئلة المطورحة وتسبر آراء محللين سياسيين انضموا من واشنطن، وهم: سمير التقي، الباحث في معهد الشرق الأوسط، وقتيبة إدلبي، رئيس البرنامج السوري في المجلس الأطلسي، ومرح البقاعي، عضو في الحزب الجمهوري.
ويتفق الضيوف على أن عودة ترمب تختلف عن أي رئيس أميركي آخر، فهو سياسي غير تقليدي ويعرف بعشقه للمفاجآت. ووفقًا لمرح البقاعي، ستشكل إيران أولوية قصوى بالنسبة لترمب إذا عاد للرئاسة، مؤكدةً أن ترمب "لن يكتفي بالعقوبات السابقة التي فرضها خلال فترة رئاسته الأولى"، والتي حققت، برأيها، نجاحاً كبيراً في عرقلة النفوذ الإيراني.
وأضافت البقاعي أن ترمب، بوصفه "رجل صفقات"، قد يسعى إلى إبرام اتفاق جديد مع طهران، لكن بشروط صارمة تضمن مصالح أميركا وإسرائيل وتحد من التمدد الإيراني في سوريا والعراق.
ومن المتوقع أن يُعاد طرح سياسة "الضغوط القصوى" على إيران، التي كانت قد بلغت ذروتها باغتيال قاسم سليماني في بغداد، وهي خطوة تشير إلى أن ترمب قد لا يتردد في استخدام القوة العسكرية عند الضرورة، لكن من دون انخراط مباشر طويل الأمد.
وأبدى سمير التقي تحفظاً على قدرة ترمب في السيطرة على الوضع مع إيران، محذراً من أن "إخراج إيران من سوريا والمنطقة سيتطلب الكثير من الوقت والدماء". وأوضح التقي أن إسرائيل تدفع منذ زمن نحو مواجهة مباشرة مع إيران، لكنها في الوقت ذاته قد تواجه صعوبة كبيرة في القيام بذلك من دون دعم أميركي واضح. وفي رأيه، قد يُطلب من روسيا لعب دور وسيط، لكن هذا الخيار يبدو غير واضح النتائج في ظل التحالف المتين بين إيران وروسيا.
دور الأسد والنفوذ الإيراني في سوريا
يشير قتيبة إدلبي إلى أن نظام الأسد يستفيد من التوترات الإقليمية لتقديم نفسه كـ"شريك "ضروري" لجميع الأطراف. ويرى أن الأسد "يعتمد على فكرة أن كل الأطراف تحتاجه، سواء العرب أو الإيرانيون"، وهو ما قد يعطيه مرونة في التفاوض من أجل مكاسب سياسية.
وأضاف إدلبي أن إدارة ترمب السابقة حاولت الضغط على الأسد لفك تحالفه مع إيران، وقد تعود الإدارة الجديدة لاستخدام هذه الورقة لكن بمزيد من الضغوط المباشرة.
وتلعب إسرائيل دورًا محوريًا في رسم السياسة الأميركية تجاه إيران وسوريا، وهي على استعداد لدفع الولايات المتحدة لاتخاذ خطوات جادة للحد من نفوذ طهران في دمشق. وتؤكد مرح البقاعي أن إسرائيل، وبدعم من ترمب، قد تعمل على تقليص الدعم الإيراني لحزب الله عبر الأراضي السورية، ما قد يُحدث تحوّلًا في طبيعة العلاقات بين نظام الأسد وإيران.
ومن جهة أخرى، تشير البقاعي إلى أن هناك خطوات جدية قد يتخذها ترمب لإخراج إيران من سوريا، عبر التفاهم مع دول إقليمية، مثل السعودية، التي "لن تتخلى عن موقعها في سوريا لإيران". وترى البقاعي أن تعزيز النفوذ السعودي في دمشق قد يكون إحدى وسائل تقليص النفوذ الإيراني تدريجيًا.
البقاعي أشارت إلى أن ترمب لديه علاقات إيجابية مع الرئيس الروسي بوتين، بالإضافة إلى علاقات جيدة مع تركيا، مما قد يدفعه للعمل على ترتيب تحالفات جديدة في المنطقة من أجل تحقيق أهدافه. يتوقع أن تكون روسيا وتركيا جزءًا من أي ترتيبات سياسية مقبلة في سوريا، خصوصًا في ضوء النفوذ العسكري التركي في الشمال السوري.
ويرى سمير التقي أن هذا النهج يمكن أن يؤدي إلى توافق غير مباشر بين ترمب وبعض الدول الخليجية، الراغبة في تقليل النفوذ الإيراني. ويتوقع التقي أن أي محاولة لضبط النفوذ الإيراني في سوريا لن تتم بسهولة، لأن إيران وروسيا مستمرتان في دعم الأسد، ولا سيما أن موسكو ترى في إيران حليفًا استراتيجيًا في المنطقة.
الوجود الأميركي بسوريا وتأثيرها على تركيا
في سياق حديثه عن استراتيجية ترمب، أوضح "إدلبي" أن ترمب يفضل تجنب المواجهات المباشرة. وقد يتجه في فترة ولايته الثانية المحتملة إلى سحب قواته من الشمال السوري، مما يفتح المجال أمام تركيا لتوسيع نفوذها، وإقامة "منطقة آمنة" بعمق 30 إلى 40 كم داخل الأراضي السورية. وأضاف إدلبي أن هذا التغيير قد يترافق مع وجود أميركي محدود في الشرق السوري، لضمان الحد من التهديدات الإيرانية، مما يتيح لواشنطن الحفاظ على نقاط استراتيجية مهمة مثل حقول النفط.
من جانبه يعتقد التقي أن انسحابًا أميركيًا كاملاً من سوريا قد يؤدي إلى تقسيم المناطق بين إيران وتركيا، وهو ما يعارضه الرئيس التركي أردوغان بشكل كبير. ويشير التقي إلى أن أردوغان يمثل حجر زاوية في الصراع الإقليمي، خاصة في ظل التحالف بين الولايات المتحدة وتركيا ضد النفوذ الروسي في البحر الأسود، مؤكدًا أن "الطريق إلى شرق الفرات مليء بالعقبات ولن يكون بسيطًا كما يتصور بعضهم".
التوازنات الإقليمية والتحالفات المتشابكة
يرى التقي أن أحد السيناريوهات هو تقاسم النفوذ الإقليمي بين روسيا وتركيا وإسرائيل، بحيث يتم تحجيم الدور الإيراني، ولكن هذا، بحسب التقي، "يتطلب توافقات معقدة ووجود قوى على الأرض". ويضيف أنه من دون تلك التحالفات، "ستبقى سوريا ساحة لتصفية الحسابات"، مشيرًا إلى أن روسيا لن تكون قادرة على السيطرة الكاملة بسبب وجود قوى متناقضة في المنطقة.
البقاعي، بدورها، ترى أن التحالف بين ترمب ونتنياهو قد يسهم في تسريع وتيرة الضغط على إيران. وتعتبر أن "إسرائيل ستحظى بدعم ترمب لقصقصة أجنحة إيران في سوريا ولبنان"، مشيرة إلى أن هذا قد يكون أحد سبل تهدئة اليمين المتشدد في إسرائيل الذي يعارض وقف إطلاق النار في غزة ويطالب باتخاذ مواقف صارمة ضد طهران.
التحديات الداخلية التي قد تشغل ترمب
بحسب إدلبي، فإن الأولويات المحلية لترمب قد تفرض عليه التركيز على تحسين الاقتصاد الأميركي ومعالجة التضخم والهجرة غير الشرعية. ويؤكد إدلبي أن "ترمب سيواجه تحديًا اقتصاديًا إذا قرر إنهاء دعمه لأوكرانيا"، حيث إن الحرب هناك كانت وسيلة للحفاظ على توازن اقتصادي داخل الولايات المتحدة.
وفي السياق نفسه، يضيف "التقي" أن الأزمات الاقتصادية ستؤثر بشكل كبير على توجهات ترمب، إذ لن تكون سياسات الضغط القصوى ممكنة من دون تكاليف اقتصادية ضخمة. ويرى أن الولايات المتحدة ستعتمد بشكل أساسي على أدوات الضغط الاقتصادية والدبلوماسية، مثل العقوبات، مع تجنب الانخراط العسكري المباشر في المنطقة.