ملخص:
- موقف متشدد من النفوذ الإيراني: يُتوقع أن يستمر ترامب في موقفه المعارض للوجود الإيراني في سوريا، الذي يشمل نقل الأسلحة إلى حزب الله. يتوافق هذا مع السياسة الإسرائيلية لضمان أمنها عبر سوريا.
- بالنسبة للعمليات العسكرية التركية في شمال شرقي سوريا: ستكون مغادرة بريت ماكغورك لمنصبه مريحة لأنقرة.
- تشجيع التعاون العربي مع النظام السوري: تشير التقارير إلى أن الإدارة الأميركية قد تشجع التطبيع العربي مع نظام الأسد شرط أن يخدم مصالح واشنطن، مما قد يقلل من اعتماد الأسد على التحالفات الإيرانية.
- احتمال العودة إلى سياسة الضغط على إيران: من المرجح أن يعيد ترامب سياسة "الضغط الأقصى" على إيران عبر تشديد العقوبات، ما قد يمنح إسرائيل حرية أكبر في مواجهة التمركز الإيراني في سوريا.
- رؤية براغماتية للتعامل مع بشار الأسد: يُتوقع أن يسعى ترامب إلى تفاهمات محددة مع الأسد لتحجيم نفوذ إيران، خاصة إذا كانت هذه التفاهمات تخدم المصالح الأميركية الاستراتيجية.
مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يُتوقع أن تكون سياسته تجاه سوريا محور نقاش واسع، خصوصاً فيما يتعلق بالوجود التركي والإيراني شمالي وشمالي شرقي البلاد إضافة إلى الضربات الإسرائيلية. سبق لترامب أن تبنى مواقف متشددة تجاه النفوذ الإيراني، حيث يعارض بشدة نقل الأسلحة إلى حزب الله عبر سوريا ويعتبره تهديداً إقليمياً، وهو ما يتوافق مع أهداف إسرائيل في المنطقة.
في المقابل، كان لترامب خلافات مع تركيا حول شمال شرقي سوريا، خاصة فيما يتعلق بتعامل أنقرة مع قوات سوريا الديمقراطية، "قسد"، إذ انتقد خطط أنقرة لمواجهة "قسد" وأبدى استياءه من تحركاتها هناك. إلا أن الخلاف بين "ماكغورك" وترامب قد يقوي الموقف التركي الرافض أيضا لسياسة ماكغورك الداعمة لـ "قسد"، فهل ستكون المصالح الأميركية أكثر وضوحاً في المنطقة مع عودة ترامب أم أنها ستعتمد على بعض من إرث الإدارة الاميركية السابقة فيما يتعلق بالملف السوري؟
التدهور الذي شهده الملف السوري في عهد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، كشفت عنه صحيفة واشنطن بوست في تقرير نشرته اليوم، إذ أفادت الصحيفة، بأنّ إسرائيل والولايات المتحدة تسعيان لتحجيم نفوذ إيران في سوريا، وذلك عبر التعاون مع رئيس النظام السوري بشار الأسد.
وقالت الصحيفة إنّ "إسرائيل والولايات المتحدة تريدان مساعدة سوريا لمنع إيران من الاستمرار في إمداد حزب الله اللبناني، عبر الحدود السورية".
ونقلت عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين أنّ "بشار الأسد قد يدعم منع إيران من إمداد حزب الله عبر سوريا، لأنه أصبح مستاء من الوجود الإيراني في العاصمة دمشق".
كذلك نقلت "واشنطن بوست" عن مسؤول إسرائيلي تصريحاً جاء فيه: "نأمل في أن نستطيعَ جعلَ بشار الأسد، في الحدّ الأدنى، يُوقِفُ إمدادت السلاح إلى حزب الله عبر سوريا".
وأكّد المسؤول الإسرائيلي -وفق الصحيفة- المعلومات التي تفيد بأنّ "إدارة بايدن تبدو راغبة في تحقيق بعض المصالح للأسد، فيما لو قبلَ المضيّ في هذا الطريق".
وسبق أن أفادت صحيفة "واشنطن بوست"، مطلع العام الفائت، بأنّ "السياسة الأميركية تجاه سوريا، في عهد الرئيس بايدن، أتت معاكسة للتوقّعات، إذ بدلاً من عزل بشار الأسد والتكفّل بإبقاء نظامه منبوذاً، صارت الإدارة الأميركية تشجع بصمتِها على إعادة تأهيله دبلوماسياً".
ماذا عن ملف شمال شرقي سوريا بعد فوز ترامب؟
في شمال شرقي سوريا، يعود الحديث عن بريت ماكغورك مستشار بايدن لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وصاحب العلاقة المتوترة مع تركيا ودونالد ترامب نفسه.
وبدأ ماكغورك عمله في العراق بعهد الرئيس جورج دبليو بوش، ثم ظل يركز في الغالب على العراق وسوريا في عهد الرئيسين باراك أوباما ودونالد ترامب.
وفي عام 2022 وصفه زملاؤه داخل الحكومة بأنه "البيروقراطي الأكثر موهبة على الإطلاق، مع أسوأ حكم في السياسة الخارجية رأوه على الإطلاق"، منتقدين سياسته في الشرق الأوسط.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سارع اليوم الأربعاء بتهنئة "صديقه" دونالد ترامب على فوزه في الانتخابات الرئاسية الأميركية بعد "معركة عظيمة" على حد تعبيره.
وقال أردوغان في منشور على موقع إكس "أعتقد.. أنه سيتم بذل المزيد من الجهود من أجل عالم أكثر عدالة في هذا العصر الجديد الذي بدأ بانتخاب الشعب الأميركي"، مضيفا أنه يأمل أن تنتهي الحروب الإقليمية.
وبعد فوز ترامب سيكون بريت ماكغورك على قائمة المغادرين لمناصبهم، نظرا للخلاف العميق بينه وبين ترامب، الذي قلل سابقا من شأن "ماكغورك" عقب تقديم استقالته من منصب المبعوث الخاص للتحالف ضد تنظيم "الدولة"، حين أعلن أنه لا يعرفه، وأن استقالته جاءت كخطوة استباقية قبل موعد مغادرته للمنصب بأقل من شهرين.
ونشر ترامب تغريدة في الثالث والعشرين من كانون الثاني 2018، قال فيها: "بريت ماكغورك الذي لا أعرفه، تم تعيينه من قبل الرئيس أوباما في عام 2015. كان من المفترض أن يغادر في شباط القادم، لكنه استقال قبل مغادرته، الأخبار الكاذبة تصنع من مثل هذا الحدث الذي هو عبارة عن لا شيء أمراً كبيراً".
بالمقابل، لم يرد ماكغورك بشكل مباشر على تصريح ترامب، إلى أنه انتقده في عدة مناسبات، إذ وصف أحد تصريحاته، التي ذكر فيها أن القوات التركية و"قسد" بحاجة لأن "يتقاتلوا مثل الأطفال"، بأنها "شائنة وتنم عن جهل"، قائلاً: "200 ألف شخص بريء نزحوا. المئات قتلوا. تقارير موثوقة عن جرائم حرب. فرار سجناء ينتمون إلى تنظيم الدولة الإسلامية. الولايات المتحدة تقوم بعملية إجلاء وتقصف مواقع لها أو تسلمها إلى روسيا. ولدان في باحة؟".
وعاد وهاجم "ترامب" مرة أخرى حين اقترح الأخير إنشاء منطقة آمنة شمالي سوريا بعرض 20 ميلاً، بقوله: "المقترح غير قائم على أي تحليل. هذه المنطقة ستشمل جميع المناطق الكردية في شرق سوريا. لا توجد قوة جاهزة لتولي المسؤولية، ولا وقت لإنشائها، بينما تستعد القوات الأميركية للمغادرة".
واعتبر "ماكغورك" أن سيطرة "قوات المعارضة المدعومة من تركيا على المناطق الكردية سيؤدي إلى تهجير الآلاف من الأكراد، فضلاً عن تهديد المجتمعات المسيحية الضعيفة في هذه المناطق".
وفي كانون الأول من عام 2017، أصدر المدعي العام التركي في أنقرة مذكرة توقيف بحق "ماكغورك"، الذي كان يشغل حينها منصب المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص للتحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة".
واتُهم "ماكغورك" حينها بـ "محاولة قلب نظام الحكم التركي، وتغيير النظام الدستوري للجمهورية التركية من خلال العمل مع المنظمات الإرهابية المسلحة لحزب العمال الكردستاني، وحزب الاتحاد الديمقراطي/ ووحدات حماية الشعب".
حرية أكبر لإسرائيل في سوريا
علق نائب قائد الحرس الثوري الإيراني على فوز ترامب بالقول: "طهران مستعدة للمواجهة مع إسرائيل ولا تستبعد توجيه أميركا وإسرائيل ضربة استباقية لمنع الرد الإيراني على إسرائيل" وفق وكالة رويترز.
ونقلت وكالة تسنيم شبه الرسمية للأنباء عن المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني قولها اليوم الأربعاء، إن أرزاق الإيرانيين لن تتأثر بفوز دونالد ترامب.
وقال مسؤولون عرب وغربيون لوكالة رويترز إن ترامب قد يعيد فرض "سياسة الحد الأقصى من الضغط" من خلال تشديد العقوبات على قطاع النفط الإيراني وتمكين إسرائيل من ضرب المواقع النووية ومواصلة تنفيذ "الاغتيالات".
وتستهدف إسرائيل القوات والميليشيات الإيرانية في سوريا، باعتبارها الخط الدفاعي الأمامي.
وقال رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو مخاطبا ترامب في بيان "عودتك التاريخية إلى البيت الأبيض تمنح الولايات المتحدة بداية جديدة وتجدد الالتزام بالتحالف العظيم بين إسرائيل والولايات المتحدة... هذا انتصار عظيم".
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي المقال يوآف غالانت قد قبل يومين لصحيفة "فايننشال تايمز"، إن إسرائيل لن تقبل بالوجود العسكري الإيراني في سوريا، مؤكدا سعي تل أبيب لوقف نقل الأسلحة عبر سوريا إلى حزب الله في لبنان.
وتابع غالانت: "لا يمكننا قبول الوجود العسكري الإيراني في سوريا. نحن بحاجة إلى وقف نقل الأسلحة، خصوصًا الأسلحة الثقيلة، من إيران عبر سوريا والعراق إلى لبنان".
وخلال ولايته الأولى، أعاد ترامب فرض العقوبات على إيران بعد انسحابه من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين إيران والقوى العالمية والذي كبح جماح البرنامج النووي لطهران مقابل امتيازات اقتصادية.
وأثرت إعادة فرض العقوبات الأميركية في عام 2018 على صادرات إيران النفطية، مما أدى إلى خفض العوائد الحكومية وإجبار طهران على اتخاذ خطوات لا تحظى بقبول شعبي مثل زيادة الضرائب فضلا عن مواجهة عجز كبير في الميزانية، وهي السياسات التي أبقت التضخم السنوي بالقرب من 40 بالمئة.
وانخفضت قيمة الريال الإيراني مع احتمال فوز ترامب بالرئاسة، إذ وصل إلى أدنى مستوى له على الإطلاق عند 700 ألف ريال مقابل الدولار في السوق الحرة، وفقا لموقع بونباست دوت كوم الذي يتتبع العملة الإيرانية.
التطبيع العربي مع النظام السوري
تبنى تيار من إدارة بايدن بقيادة بريت ماكغورك، مقاربة تتضمن عدم عرقلة التطبيع العربي مع النظام السوري بشرط أن يكون منسقاً مع الإدارة الأميركية الحالية، ويخدم أهدافها وعلى رأسها تسوية الوضع القانوني "للإدارة الذاتية" التابعة لـ "قسد" عبر إقرار نظام حوكمة لا مركزي.
وبحسب مصادر خاصة لتلفزيون سوريا، فإن ماكغورك يسعى لخلط الأوراق على التفاهمات التركية مع النظام السوري برعاية روسية، المتمحورة حول مكافحة الإرهاب وتحديدا حزب العمال الكردستاني وأذرعه السورية، عبر فتح المجال العربي أمام النظام مما سيجعله أقل حاجة للبوابة التركية من أجل عودته للشرعية الدولية، وبالتالي ستنخفض استجابته للمطالب التركية المتعلقة بالتعاون في مكافحة الإرهاب.
وأمس، كشف وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن النظام السوري غير منفتح للحوار مع تركيا بوساطة روسية، كما أنه غير مستعد للحوار مع المعارضة السورية، وسط معلومات عن عودة النظام لمحيطه العربي والابتعاد عن طهران، وهو ما بدا واضحا من خلال نأيه بنفسه عن "محور المقاومة".
وأجرى بريت ماكغورك في 13 نيسان الفائت زيارة إلى الرياض على رأس وفد أميركي رفيع، بهدف مناقشة الخطوات السعودية تجاه النظام السوري.
وبعد أيام قليلة من لقاء المسؤولين في الرياض مع المنسق الأميركي ماكغورك، أوفدت السعودية وزير خارجيتها فيصل بن فرحان إلى دمشق، مما أعطى إشارات قوية على الرغبة الأميركية بتنسيق المسار وتوظيفه.
ماذا سيفعل ترامب في سوريا؟
أعلن ترامب أنه سينهي الحروب في أوكرانيا والمنطقة، لكنه لم يذكر الطريقة باعتباره كان خطابا سريعا وغير محضر له، لكن ترامب رجل مال وأعمال وصفقات، ومعروف بسياسته البراغماتية، ما قد يطبع تعامله مع النظام السوري، مع التركيز على مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية.
في فترته الرئاسية الأولى، أظهر ترامب نهجا غير تقليدي في التعامل مع الملف السوري، ويذكر أنه قفز فوق خطوط أوباما الحمر، عندما ضرب مطار الشعيرات بصواريخ "توما هوك" في نيسان من العام 2017. لكنه ركز أيضا على محاربة تنظيم "الدولة" شمال شرقي سوريا، وقال ترامب "الأسد استخدم غاز الأعصاب لقتل الكثيرين، وأدعو كل الأمم المتحضرة إلى السعي لإنهاء المذبحة وإراقة الدماء في سوريا".
قد يسعى ترامب إلى التوصل لتفاهمات محددة مع بشار الأسد بخصوص تحجيم النفوذ الإيراني وهو ما قالت صحيفة الواشنطن بوست إن إدارة بايدن تعمل عليه، وقد يشجع على بعض "التسويات" التي تجعل الأسد ينأى بنفسه عن التحالف الوثيق مع طهران.
تحقيق توازن بين دعم حلفاء واشنطن شمال شرقي سوريا، والتعاون مع تركيا، سيكون ملف صعبا أمام ترامب، إلا أنه أبدى سابقا تفهما لمخاوف أنقرة الأمنية، لكنه قد يضغط عليها لتفادي أي صدامات تؤثر على مصالح واشنطن.
وفيما يخص سحب القوات الأميركية من شمال شرقي سوريا، قال ترامب للصحفيين في البيت الأبيض عام 2019 إن الولايات المتحدة "ليست شرطيا"، مضيفا "لقد حان الوقت لنا للعودة إلى الوطن".
وحول شن تركيا هجوما على "قسد" وحزب العمال الكردستاني وصف ترامب "قسد" بأنهم "ليسوا ملائكة".